مختارات

الثورة السورية وغياب الإعلام الثوري الجامع..!

أحمد الهواس

رئيس التحرير

عرض مقالات الكاتب

ملاحظة: نشر هذا المقال في ١٥- ٣- ٢٠١٤

بعد مضي ما يقرب من ثلاث سنوات على الثورة السورية , وانتقالها من المظاهرات السلمية إلى العسكرة أمام بطش النظام , ورغم تقديم آلاف الشهداء والجرحى , والمعتقلين , والمغيبين , وملايين المهجرين في الداخل والخارج , ترافق ذلك مع صمت عربي , وتواطؤ غربي , كل ما جرى إلا أن الإعلام السوري المعارض مازال دون المستوى ,وانفردت قناة أورينت عن بقية القنوات من حيث التغطية , ومتابعة الحدث , وهذا يعود لأسبقية ظهورها ,فقد بدأ بثها قبل الثورة السورية بعامين , وعانت في بداية الثورة لوقوفها إلى جانب الثورة وحاول النظام إيقاف بثها من خلال الضغط على كادرها ,ما أدى اعتمادها على ساعات بث على مذيعين حتى استطاعت إدارتها إعادة بثها كاملاَ واستقطاب كوادر جديدة , ولكنها لم تستطع أن تكون قناة الثورة السورية , أو القناة السورية التي يتابعها المتلقي السوري , ويستقي من خلالها المتلقي العربي حقيقة ما يجري في سورية,  أما يسمى بإعلام الثورة المرئي فقد نشأ نتيجة أجندات , وأهواء شخصية وآيدولوجية , عمق التقسيم والفرقة , ولم يرتق لمستوى الحدث السوري.

وهذا ما دفع المتلقي السوري لمتابعة قنوات أخرى , وفي الصدارة جاءت الجزيرة ومن ثم العربية , ولكن الظروف العربية ولا سيما الحدث المصري الأخير قد جعل الحدث السوري في المرتبة الثانية , وظلت القنوات السورية  غير قادرة على مواكبة الحدث , وفي دراسة أجريناها حول انصراف المشاهد السوري عن القنوات السورية  تبين لنا الآتي :

. ضعف الإمكانات الفنية والبشرية .

الارتجالية وغياب الخطة الإعلامية .

ارتباط تلك القنوات بأجندات مالية , ورؤى شخصية .

اعتماد الصيغة المناطقية .

الإغراق بالشأن المحلي دون تفكيك وتركيب المشهد .

جل الإعلاميين من الهواة .

عدم تطبيق نظرية إعلامية في سياق الأخبار (كحارس البوابة , والومضة)

استخدام أسلوب الإعلام التعبوي .

التناقض في المعلومة بين الفضائيات السورية .

ضعف الأجور والإمكانات المالية

وبناء على ما تقدم فإن ثمة حاجةً ملحة ً بإنشاء إعلامٍ سوري جامع ٍ , يقوم على المهنية , والعلمية , ولا يغفل الإعلام العربي والعالمي .

وفي قراءة لمسيرة الثورة السورية , وما صاحبها من تكتلات سياسية سنجد أنّها انتهت بشرخٍ  كبير بين علاقة السوري في الداخل والمهجر بالمجلس والائتلاف , وباتت الحكومةُ الحالية على المحك , وإنْ لم تسارع لتلافي أخطاء المجلس والائتلاف ستكون كمن سبقها , رغم الجهود والنوايا الطيبة , لكن أكبر انتصار يحققه النظام حين يردد المواطن الذي ثار ضد ظلم النظام مصطلحاته وما يسوق من أكاذيب ..!

لماذا فشل المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف في أن يكونا صدى للداخل ..؟

جاء تأسيس المجلس الوطني بناء على فرضية عدم توحد المعارضة , وهذه كذبة سوقتها الإدارة الأمريكية , وتلقفتها وسائل الإعلام العربية والعالمية , وهي في الواقع إعادة صياغة عبارة أطلقها النظام منذ بداية الثورة والحراك السلمي , حيث ردد النظام أنّ المعارضة غير موحدة وغير جديرة بثقة المواطن السوري , وأنّ من يتحدث عن الداخل هم من يعيشون بالخارج متنعمين ويتبعون لأجندات مختلفة , وأن المعارضة الوطنية موجودة بالداخل وهو يدعو للحوار مع ممثلي المعارضة الوطنية  ..!

وقبيل تشكيل المجلس كان يدور في مخيلة المواطن الثائر , والمعارض سيناريو تشكيل المجلس الوطني الليبي الانتقالي , والدعم الذي تلقاه من دول العالم , ولكن الواقع الجيوسياسي لسورية , وحماية النظام لحدود إسرائيل , وارتباطه بحلف طائفي متناغم مع الأهداف الصهيونية , قد غاب عن ذهن الكثيرين , وتناسى عددٌ من السياسيين أن المعادلة التي يحكم بها النظامُ سورية قائمة على سيناريوهين , الأول : حكم سورية طائفياً وبتحالف مصالح مع فئات تجارية , وصناعية , وتسويق مجموعة من الشعارات كالصمود والتصدي , والتوازن الاستراتيجي , والمقاومة والممانعة , مع منع للحريات , وتعطيل لدور سورية الحضاري , والإنساني , وإبقاء البلاد في حالة تخلف اقتصادي , وتقني , وتعطيل للطاقات والإمكانات الخلاقة , وإشاعة الفساد الأخلاقي والاجتماعي , وهذا يسمح ببقاء الأسرة تحكم وراثياً , والسيناريو الثاني : السماح للنظام بالقضاء على أية ثورة – كما حدث في أحداث 79- 82- ضمن غطاء دولي , وفي حالة الفشل فعلى النظام تدمير الدولة ومقدراتها , والانتهاء بها لدولة فاشلة تحتاج عقودا لإعادة الإعمار, وهذا يحقق الأمن لإسرائيل .

وحين تشكل المجلس الوطني رفعت يافطات ثورية (المجلس الوطني يمثلني) ولكنّ المجلس أغفل الإعلامَ , ولم يسارعْ لصناعة إعلامٍ وطني جامع , يشكلُ تواصلاً مع الداخل , ناقلاً لمعاناة الناس في الداخل ,وفي الملاجئ والمغتربات, فقد انشغل المؤسسون – عن حسن نية- بوعود أصدقاء سورية , ولم يحصلوا على اعترافٍ دولي يسحبُ الشرعيةَ من النظام المجرم , وباتَ أعضاءُ المجلس ضيوفاً على الفضائيات , وانشغلوا بالمؤتمرات ومن هنا سوّق النظام لمصطلح معارضة الفنادق التي رددها فيما بعد المواطن البسيط وبدأ الشرخُ بين المجلس والداخل , ولم يسلم المجلس من التشقق الداخلي واتهامات بين أعضائه واستقالات , وبروز تيارات خارج المجلس أو منشقة عنه ..! 

ولم يشفعْ للمعارضة تشكيل الائتلاف قبل سنة , فقد أغفل الائتلافُ الإعلامَ , وبدل صناعة إعلام يخاطب الداخل , ويشرح الصعوبات التي تعترض مسيرته , فقد شكل مكاتب إعلامية مهمتها تهيئة لقاءات لقادة الائتلاف على الفضائيات وإصدار بيانات على مواقع الكترونية  , وفي ظل تلك المدة الممتدة من 15-3- 2011 حتى الآن وجد المالُ السياسي دوره في الإعلام , فنشأتْ فضائياتٌ سورية تحت مسمى – الإعلام المعارض- وهي فضائيات أموالٍ وغسيل وجوه , وتتبع أجنداتٍ مختلفةً , وتعمل بأسلوبٍ أو آخر على التشكيك بشخصيات وطنية أو قوى وتيارات بذريعة الإعلام الحر والشفافية , ما ترك انطباعاً سيئاً لدى المتلقي , وهي مرشحة للزيادة , بغية تقسيم وتمزيق اللحمة الشعبية , وذلك من خلال الأسماء المناطقية , وقريباً سنكون أمام إعلام الأشخاص والتيارات , وربما نشهدُ أسماءً طائفيةً ومذهبيةً , كما حصل للعراق بعد الاحتلال حتى وصل عدد القنوات العراقية لنحو خمسين فضائيةً منها نحو أربعين فضائية تمول من إيران والمال الطائفي ..!

الإعلام في الثورة السورية :

لم يكن النظامُ السوري غافلاً عن أهمية الإعلام منذ الأيام الأولى للثورة السورية , فاتبع نظريتين مهمتين الأولى التعتيم الإعلامي , والثانية التضليل الإعلامي .

ففي مجال التعتيم الإعلامي : فقد منع وسائل الإعلام المعتمدة في سورية من الاقتراب من التصوير أو البث من مواقع المظاهرات الشعبية والتعامل الأمني الإجرامي مع المتظاهرين , ومن ثم أغلق مكاتب القنوات الكبرى المؤثرة في الرأي العام العربي والدولي , وهنا أدرك الثوارُ أهمية إيصال الحدث للخارج , فكان أن برزت ظاهرة (المواطن الصحفي) بالاعتماد على التصوير عبر الهواتف الذكية , ونقل الصورة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي , لتتلقفها القنوات الكبرى , ومن ثم الاتصال بالناشطين , وبرزت صفة ناشط إعلامي أو شاهد عيان , وظل النظامُ يردد مصطلحاته الشهيرة , مندسين وطائفيين , وتكفيريين , وفي حين كان الدم والقتل , والإصابات والسحل قواسم مشتركة للمتظاهرين السلميين عبر صور فيديوية للهواتف الذكية , كانتِ المسيراتُ المؤيدة تحظى بالتصوير التلفزيون , ولا تقترب منها العصاباتُ الإرهابية ..!

وفي مجال التضليل الإعلامي : استفاد النظامُ من علاقاته سواء الطائفية أو القومية مع الأحزاب القومية العربية , أو علاقاته الدولية مع أنظمة تشابه أسلوب حكمه , ولم يتخل عن المشورة مع شركات إعلامية عالمية في أمريكا وإسرائيل .

وعمل على تطبيق نظرية (غوبليز) الإعلامية في ترديد الأكاذيب حتى تصبحَ حقيقةً يرددها الآخرون ,وتصوير ما يحدث في سورية حرباً ضد الإرهاب , وأن ثمة أطرافاً دولية وإقليمية متورطة في تلك الأحداث , وقد نجحَ في ذلك وقد عمدَ النظامُ إلى شراء ذمم لصحفيين وإعلاميين عرب , ومن دول ٍ مختلفة , وأفاد من القنوات التي تمولها إيران , والمراكز البحثية والإعلامية التي تمول إيرانياً , وادعى القوميون أنّ سورية آخر حصون القومية العربية , والطائفيون أنّ المؤامرة الكونية تستهدفُ المقاومة والممانعة ..!

وحين أدعى النظامُ أنه يسمح لصحف وفضائيات منتقاة بالدخول لسورية بالتعاون مع وزارة الإعلام , فقد كان كل الذين دخلوا سورية بموافقة النظام يعملون على التضليل الإعلامي, وتشويه الثورة السورية , وهي وسائل إعلام طائفية أو روسية  أوصحفيون  لصحف عربية مغمورة لا تُقرأ وأصحابها من القوميين والمرتزقة دفع لهم النظام المال وبدأوا بنشر تقارير كاذبة عن سورية , حتى برزت ظاهرة النبيحة العرب الذين يخرجون على الفضائيات يدافعون عن النظام الذي يخوض حرباً ضد عصابات إرهابية.

وهنا غاب الدعمُ الشعبي العربي فبعد كل هذه الدماء والدمار والقتل والتشريد لم نشاهد مظاهرةً عربية في عاصمة عربية ..! والأغرب لم نشهد مظاهرة في عاصمة غربية , لأن الإعلام في الغرب صور ما يحدث في سورية على أنه صراعٌ بين نظامٍ ظالم (ديكتاتور) , وقوى متطرفة , وليس بين شعب مظلوم يتوق للحرية, ونظام مجرم ..! وهذا كان بتأثير السطوة اليهودية على وسائل الإعلام الغربية..

الإعلام الوطني الجامع :

المتتبع لمسيرة إعلام الثورة السورية يجد أنه مرّ بمراحل عدة ولعل أبرزها:

إعلام غير منظم قائم على نقل الحدث بالصورة .

بروز ظاهرة المواطن الصحفي .

نشوء عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعنى بشؤون الثورة

ظهور قنوات فضائية سورية معارضة للنظام .

دخول مراسلين محترفين لقنوات كبرى واكبت الثورة.

ظهور المراسل المحلي لقنوات تلفزيونية سورية وعربية .

بدء التشكيك الإعلامي بالعمل السياسي للمعارضة من قبل فضائيات سورية.

الحديث عن العمل العسكري بشكل عبثي دون تنظيم , وكذلك الحديث عن كتائب متطرفة أو لديها أجندات خارجية ..!

ولو أمعنا النظرَ في هذا الإعلام نجد أننا أمام حالةٍ عبثية , أو عملٍ تغيب عنه المهنية , ويعمل ضمن أجندة المالك والممول ..! ولهذا بدأ عزوفُ المتلقي السوري عن تلك الفضائيات , وباتت صفحات الفيس بوك مجالاً رحباً للتخوين أو للحديث عن معارك الجيش الحر , ومعارك الكتائب المقاتلة , وكان من المفترض أن تبقى تحت بند السرية .

وكما أسلفنا فقد أغفل المجلسُ ومن ثم الائتلاف الجانب الإعلامي المرئي , وترك الباب مفتوحاً لمن يريد صناعة إعلام سوري تحت بند الإعلام المعارض أو الثوري , علماً أنّ ما ُصرف على تلك الفضائيات وصل لأرقامٍ خيالية وظل ضعيفاً دون المستوى , وللعلم فقط فإنّ حجزَ القمر الصناعي السنوي يتم بـ الميغا بايت , وإنّ الميغا بايت تكلف مئة ألف دولارسنوياً ولا يمكن لفضائية أن تعمل بميغا بايت بل تحتاج بالحد الأدنى وفي بث غير مقبول ميغا ونصف مع نظام سيرفر أي تحتاج لنحو مئتي ألف دولارسنوياً بحساب أوضح أمام ما لدينا من فضائيات فإنها تدفع فقط حجز قمر صناعي أكثر من مليون ونصف المليون دولار سنوياً ..! عدا تكاليف التشغيل وقيمة الدائرة الهندسية والأجور والاستديوهات , وبذلك نحن أمام أرقام مالية كبيرة مهدورة دون أن تأتي بنتائج مؤثرة ..!

وبعد هذا الاستعراض السريع للواقع الإعلامي فإن الحاجة ملحة لإنشاء شبكة للإعلام السوري , وهي الجهة الإعلامية الحكومية ومنا تنبثقُ فضائيةٌ سورية , وإذاعة موجهة , ومواقع الكترونية , وصحيفة أو صحف سورية يكون لها مرجعية وطنية , تعمل على تجميع الطاقات , وتكون لسان حال المسؤول والمواطن , والجيش الحر , وتخاطب العالم العربي , والعالم أجمع , وينتشر مراسلوها على الأرض السورية بين الناس , وكذلك تنقل أخبار المعارك , وتنقل معاناة السوريين اللاجئين وما يتعرض له السوريون في كل مكان , ونركز هنا على الجانب الفضائي:

حين دخلت أمريكا العراق عمدت لحل وزارة الإعلام العراقية , ولكنها سارعت لإنشاء شبكة الإعلام العراقي , وفضائية العراقية لكي تسوق لمصطلحاتها , ودربت كوادرها في النمسا وأمريكا , ومن ثم سهلت إنشاء فضائيات خاصة حتى مهدت للتقاتل الطائفي والتخندق المذهبي , والدعوة للفدرالية , وشيوع الثقافة المناطقية .

وأمام تكرار المشهد الفضائي في سورية , فإن إنشاء إعلام فضائي سوري جامع , يقوم على الشفافية , وليس الإعلام التعبوي ,بات أمراً ملحاً, بحيث يكونُ عامل تجميعٍ للقوى السياسية والعسكرية,  حيث توضع سياسةٌ إعلامية منفتحة على الجميع لا تستثني أحداً , وترسم سياستها الإخبارية ضمن نظريات إعلامية علمية يراعى فيها الصورة وجذب المتلقي , وتوضع خريطتها البرامجية بشتى أنواعها ضمن معايير الحوار , والتواصل مع المتلقي , والمسؤول , وتعتمد على كوادر إعلامية سورية ذات مهنية عالية , وخبرات كبيرة , ولا سيما من الإعلاميين المنشقين , ولا تكون فضائية سورية مغرقة بالمحلية , بل لابدّ من مراعاة الانفتاح على الخبر العربي , والعالمي.

المصدر: رابطة أدباء الشام

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى