مقالات

الإسلاميون ومأزق السلطة!

أحمد الهواس

رئيس التحرير

عرض مقالات الكاتب

شكّلت ثورات العالم العربي الفرصة التاريخية للإسلاميين لأن يكونوا أحد أهم حواملها الثورية ـ وبالتالي باتت الساحة السياسية مهيأة لدخولهم المعترك السياسي بشكل علني عبر دفع شعبي يأتي من خلال الصندوق ، سيما وأن بلاد الثورات قد جرّبت منذ استقلالها “الشكلي” حتى قيام الثورات كل أنواع النظم المستوردة شرقًا وغربًا، في حين منع الإسلاميون من ممارسة العمل السياسي , وتعرضوا للمعتقلات والمنافي

ما بعد الربيع العربي :

اهتزت الأنظمة التي بنيت بترتيب غربي ، ولم تأت عبر صناديق اقتراع بل عبر انقلابات أطلق عليها العسكر ثورات ، واخضعوا الشعوب لنظريات مستوردة ، وأورثوهم الفقر والبطالة ،وأشاعوا الفساد ، وخلال تلك المدة التي جاءت بعد “ما يسمى” بالاستقلال الوطني للدول العربية حتى تفجّر الثورات الشعبية العربية ،لم يسمح بتداول السلطة ولم يسمح للإسلاميين بالوصول إلى الحكم ؛ بل مورس ضدهم أبشع أنواع العذاب ، وكانت المعتقلات والمنافي سبيلهم، وأجهضت كل التجارب الإسلامية التي جاءت عبر صناديق الاقتراع كما حدث في تجربة الجزائر،, وغزة ، وتم تشويه منظّم لصورة الإسلاميين ، وقد ألصقت تهم الإرهاب بهم ، والإقصاء ، ومن ثم صُنّعت مجموعة مصطلحات فارغة المضمون كالإسلام السياسي ،، والإسلام الوسطي ، والمعتدل، والأصولية ، وقد حاولت تلك الأنظمة تربية أجيال على تلك الثقافة ، وحين وقعت أحداث 11 من أيلول قدّمت تلك الأنظمة نفسها كأحد الضمانات لمحاربة الإرهاب .

إنّ الأنظمة الوظيفية في العالم العربي ، تخوض معركة تثبيت الكيانات التي أنشأها الغرب ومنحها صفة الدول أو الدولة الوطنية ، ولذلك يجب الحفاظ عليها لأن انهيارها يعني عودة العالم الإسلامي للتوحد ، فقد ذكر كيسنجر في كتابه النظام العالمي الصادر عام 2015  في الصفحة  ١٢١ عن خطر الإخوان متمثلاً بحسن البنا عام ١٩٤٧ حين قدّم للملك فاروق رسالته “نحو النور” ، وكيف وضعت أمريكا البنا من ضمن مشكلاتها حول العالم بوصفه يقف(عائقًا) أمام الدولة الوطنية العلمانية المراد تطبيقها في العالم الإسلامي…

كانت الثورات العربية التي انطلقت من تونس نتيجة تراكم سنوات الظلم والقهر وانسداد الأفق ، ولم تقم على نظريات حزب أو قيادة أو معارضة ، فكل البلاد العربية  متشابهة من حيث الحكم المطلق ، وكل نظام قد صنع معارضةً مدجنة ليست أكثر من ديكورات في البرلمانات المعينة والمزورة ، وحلم تلك المعارضة لا يتعدى تحسين شروط العبودية أو الانتفاع  من تلك الأنظمة .

كان الغرب المراقب لتلك الثورات في حالة قلق شديد فهو يعلم أن الفراغ الذي سيشكله سقوط الأنظمة لن يستطيع أحد أن يملأه سوى الإسلاميين ..!

وذلك لعدة أسباب :

  • فشل الأنظمة القومية ذات المرجعية العسكرية
  • لم يتسن للمواطن العربي أن يجرب حكمًا إسلاميًا
  • نجاح التجربة التركية على يد حزب العدالة والتنمية في أكثر بلد علماني محارب للإسلام
  • فساد الأنظمة وسرقة موارد البلاد ،وزواج السلطة والثروة
  • التعطش المجتمعي للعودة إلى الأخلاق الإسلامية ، والعدل الاجتماعي

أطلق الغرب على الثورات العربية مصطلح الربيع العربي تذكيرًا بربيع براغ الذي قضت عليه القوات السوفيتية أي أنه لمرحلة مؤقتة ، وجاء هذا المصطلح (الربيع العربي ) في صحيفة الأندبندت البريطانية ، وظن كثيرون أن هذا المصطلح يصبّ في مصلحة الثورات ،من هنا بدأ التفكير في الالتفاف على الثورات العربية التي بدأت تنتشر في البلاد العربية ، وبدا أن منطقة المغرب العربي توشك أن تنتهي لنظام إسلامي متصلاً بمصر ، فتم تقوية النظام الجزائري الذي كان شريكًا في قتل الليبيين ، وإمداد القذافي بأسباب القوة إبّان الثورة الليبية , ومد نظام الأردن بجرعات مالية حتى لا تصل رياح الثورة إليه

التعامل الغربي مع الثورات :

الأنظمة العربية أنظمة صُنّعت على عين الغرب ، والأنظمة الثورية كانت نتاج انقلابات دعمتها السي أي إيه ، وكان من مهمتها تبديد الثروات ، وإفقار الشعوب ، ومنع الحرية وامتهان كرامة المواطن ، ومحاربة الإسلام ، وتشويه صورة الإسلاميين ، ورغم كل هذا تتستر خلف شعارات براقة ، وأنها جاءت للحرية والكرامة وتحرير فلسطين ، واستوردت النظريات الاشتراكية فأرهقوا اقتصادات البلاد ، وأصابوها بالترهل ، ومن ثم نشأت طبقات طفيلية أقامت علاقات اقتصادية مع الأنظمة فأنتجت زواج السلطة والثروة، وبرزت أسر في كل دولة تتحكم في الاقتصاد ، والإعلام ، والمشروعات الكبيرة ، وآلت إليها المصانع التي بنيت بمال وعرق الناس تحت ذريعة الانفتاح والتطوير

بعد الثورة التونسية؛ تمّ التعامل الغربي مع الثورة بإفراغها من مضمونها ، حيث امتنع قائد الجيش التونسي عن دعم بن علي فسقط بن علي وهرب ، وهكذا سقط الرأس وبقي النظام الذي بناه بورقيبة ، وتابع تلميذه بن علي الطريق من علمنة الدولة ، ووضع منظومة (لائكية) بديلاً عن الأحكام الشخصية الإسلامية ، وعمل على اضطهاد كل الحركات الإسلامية ، ودجن منارة العلم الإسلامي (جامع الزيتونة) وجعل الفسق مظهراً من مظاهر الحياة في تونس ..

وحين وصلت الثورة للدولة الأهم مصر كان الخطر الأكبر الذي سيشكل على الأنظمة العربية التقليدية ، والكيان الصهيوني ، وهذا يعني خروج مصر من الطوق المفروض عليها بجعلها دولة مدينة تتلقى المساعدات ، وتبقى تحت السيطرة ، فأعيد السيناريو التونسي بتخلص النظام من الرأس فظن الثائرون أن الثورة نجحت ..!

ولعل تقلبات الأمور قد أوضحت أن لعبة جرّ الإسلاميين إلى السلطة كانت فرصة للانقضاض عليهم ، وقد استخدمت الدولة العميقة أو النظام الذي ترنح ولكنه لم يسقط الأذرع الناعمة من إعلام وقضاء ومال ، وأخرى خشنة الجيش والأجهزة الأمنية .

بعد التجربة :

مصر :

  • النظام القديم أصلح نفسه ، وصنع آلة إعلامية ضخمة ، وتحالف مع أعداء الإخوان – من معارضة رثّة –  وأطاح بهم ، ونسب إليهم الإرهاب ـ ونجح في تشويه صورتهم .
  • تونس : تحالف النظام القديم ، مع القوميين والليبراليين والعلمانيين ، وتشويه للإسلاميين عبر إعلام ضخم أدى لتراجع الإسلاميين أو القبول بالهزيمة، مع قبول – غير مبرر- لطروحات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ، المخالفة لأمور معلومة من الدين بالضرورة ، مقابل البقاء دون سجون ومنافٍ
  • اليمن : النظام القديم تعاون مع الحوثيين ، وبتمويل خليجي مقابل سحق الإصلاح وجعل اليمن تحت احتلال إيراني
  • ليبيا : أتباع النظام القديم بدعم من الإمارات ومصر يخوضون حرباً عسكرية للقضاء على الإسلاميين أو المؤمنين بالتغيير وأهداف الثورة .
  • سورية تشويه متعمد للتيار الإسلامي بشكل عام ،وأنهم سبب إطالة الثورة , وأنهم يتآمرون عليها ، وأفسدوها بالمال السياسي ، فضلاً عن صناعة تنظيمات متطرفة لتشويه الإسلام ، للقبول بإعادة انتاج النظام الطائفي .

هل يمكن أن يفيد الإسلاميون في سورية من تجارب غيرهم ؟

بعيداً عن توصيف الحالة السورية،  وما جرى خلال خمسة عقود منذ استيلاء حزب البعث على السلطة ، ومن ثم الطائفية التي غرسها صلاح جديد في الجيش والأمن وأرساها حافظ أسد .

لم يكن من عدو يمثل خطرًا على حكمه سوى الإسلاميين ،وهو يدرك أن الخطر الأول والأخير يتمثل فيمن يحمل المشروع  الحضاري الإسلامي ، ولهذا خاض حربًا شعواء ضد الإخوان المسلمين ، وألصق بهم تهم الإرهاب ، ثم أصدر القانون 49 الذي يحكم على كل من ينتمي لهذا الفكر بالإعدام ، وفي واقع الأمر أنه أراد ضرب الإسلام في سورية ،واتخذ من الإخوان ذريعة ، علمًا أن الإخوان ليس لهم تأثير في سورية ، وثمة ملاحظات على المستوى الشعبي تجاههم ، ولو أن ثمة حراكًا سياسيًا طبيعيًا في سورية لكان الصندوق فيصلاً في تقبلهم أو رفضهم شعبيًا ،  ولم يكتف بما صنع من جرائم ، ومذابح وتهجير ، واعتقالات ، بل بدأ يربي الأجيال على الحقد على الإخوان ، وأشهر المرتزقة أقلامهم في نشر مؤلفات عن تاريخ الأخوان وتعاملهم مع الصهاينة ،والماسونية ،والمحتل والأكاذيب المعروفة ،ووصل الأمر في تدجين عقول الأطفال من خلال منظمة الطلائع ،ومن ثم في مرحلة المراهقة في اتحاد الشبيبة ،وصولاً إلى حزب البعث ، وفي المدارس تمّ تصنيع شعار أطلقوا عليه عهدنا :

((أن نتصدى للإمبريالية والرجعية والصهيونية ،ونسحق أداتهم المجرمة عصابة الأخوان المسلمين العميلة ))

يردده الطالب كل يوم في كل صباح ..!

وإذا أردنا أن نفهم حالة الإخوان في سورية يجب أن ندرك حجم صناعة الكراهية ضدهم ، وكم تمّ حقن العقول بكل الأساليب القائمة على الترغيب ((باستمالة أنفس مريضة ،وإشاعة كل أسباب الفساد )) والترهيب ((السجون والإقصاء ، والموت))

كانت الثورة السورية أملاً أنتظره جل السوريين طويلاً , والشيء الذي تمناه الثائرون يتمثل في أمرين الحرية , والكرامة

ولعل مفهوم الحرية يُختصر في كلمات ، مواطنون بلا قيود أمنية

والكرامة ؛ مواطنون ليسوا من الدرجة الثانية ..

ولكن تعسف النظام والقتل غير المبرر , وما حدث في تونس ، مصر من تنازل الرئيسين في مدة قصيرة ، وتدخل أممي في ليبيا ،هذه الأمور أغرت السوريين بالمطالبة بإسقاط النظام ، وبعد مرور عشرة أشهر على ثورة سلمية قدم خلالها السوريون آلاف الشهداء ، لم يتحرّك العالم “المتحضر” لإنقاذ السوريين ، فتحولت الثورة إلى العسكرة .

ظن السوريون أنهم ثاروا ضد نظام حكم محلّي،  ولم يعرفوا أنهم ثاروا ضد نظام إقليمي بناه الغرب ، يقوم على عدة توازنات ، وأن نظام الحكم في سورية ليس سوى نظام وظيفي مرتبط بتنفيذ مجموعة أجندات غربية وصهيونية  وطائفية ..!

ومما تقدم ؛ نجد أن ما حدث بعد ثورات الربيع العربي تم الالتفاف عليه بطرق مختلفة ، وجعلت سورية وما حصل لها عبرة لبقية الشعوب العربية ، وما حصل من تراجع في الدور الإسلامي ، وأن صعود الإسلاميين الذي أقلق الغرب كان قد وضعت له الحلول وذلك من خلال العسكر وتحالفاتهم مع القوميين والليبراليين ، والإسلاميين الذين صنعتهم الأنظمة (كالسلفية “الجامية المدخلية” المدعومين سعوديًا أو المصنّعين داخل أجهزة الأمن ، وعلماء السلاطين ، فضلاً عن الاستئناس بالصوفية ، ودعاة علمنة الإسلام كما أوصت مؤسسة راند الأمريكية ) وكان يراد بهم بديلاً عن المشروع الحضاري الإسلامي ، وأن ثمة ديكورًا إسلاميًا داخل البلاد

وفي الثورة السورية طال التشويه للإخوان وأنهم يسيطرون على المعارضة السياسية ، ويتحكمون بتمويل الكتائب ، ويمتنعون عن تزويد كثير منها بالسلاح , وبدأت أصوات تشكك بدورهم ووطنيتهم وأنهم سعاة للسلطة وليسوا بثوار ، وأنهم أفسدوا الثورة بالمال السياسي ، وأفسدوا المجلس بالسيطرة عليه ، وبعده الائتلاف ، ولاشك أن دورهم في الثورة السورية لم يكن بالمستوى ، ولديهم أخطاء كبيرة ، وهذا ينسحب على فئات وجماعات مختلفة غيرهم ، ولكنّهم كانوا الفئة الأكثر تنظيمًا ، وعملت بعقلية براغماتية أساءت للثورة ، وعززت الصورة السيئة عنهم .

وأمام حالة الشحن العام في الإعلام العربي ضد الإخوان وما حصل لهم في مصر ، وتونس وليبيا ، واليمن ، والدفع السخي من قبل دول الخليج لأعدائها وشيطنتهم ، فإن واجب إخوان سورية أن يعيدوا حساباتهم ويجروا مراجعة سريعة لما تقدم باتخاذ إجراءات إسعافية تكون خطوطًا عريضة ومن ثم تطوير تلك الآليات لتكون انطلاقة جديدة ليست من قبل الأخوان بل من قبل الدفع الشعبي ، وحالة الارتقاء الفكري التي نحتاجها ، فسلاح الأنظمة الفاسدة كان ومازال الجهل الذي أنتجته تلك الأنظمة وباتت السيطرة على العقول سهلة من خلال الآلة الإعلامية الضخمة ، مع تزيين المفاسد والموبقات وصناعة منظومة الفساد المنظم والممنهج ، ولعل أهم تلك الإجراءات .

  • العودة إلى فكرة إصلاح المجتمع ، أي إلى الفكرة الأولى التي انطلق منها الإمام البنا ، على أن تطور تلك الفكرة بما يراعي تطور الزمن .
  • إعلان أن الجماعة لن تعمل في السياسة لمدة معينة مقابل العمل في المجال الدعوي والإصلاحي .
  • دعم الشخصيات الوطنية التي تحمل مشروعًا جامعًا .
  • دعم صناعة إعلام  وطني هادف يكون همه التوعية ، والعلم والمعرفة ، وتصحيح التاريخ دون أن يكون (إخواني المظهر أو الجوهر )يقوم عليه مهنيون .
  • الإعلان أنّ “الإخوان” على خلاف فكري وعقدي وسياسي مع إيران وأن المشروع الإيراني لا يقل خطورة عن المشروع الصهيوني , بل متلازم معه .

إن تغيير المجتمع بدءًاً من القاعدة هو الأفضل ، فما مورس على المجتمع من تخريب من خلال التعليم والإعلام ، وتطبيق نظريات مستوردة ، وتشويه متعمد للتاريخ ، فضلاً عن الأفكار القومية والاشتراكية ، والتعاون مع المفسدين طوال مئة عام وما انتجته تلك المرحلة من أخلاقيات منحرفة لا يمكن حلها من فوق إلا بتعاون الأجهزة الخشنة والناعمة ، وهذا غير متوافر في العالم العربي فبناء الجيوش معروف ، وطريقة انتقاء رجال الأمن كذلك معروف، ولابد من العمل داخل الناس البسطاء ، والتركيز على الإعلام ، والتعليم ، وصناعة جمعيات تعنى بالأحوال الاجتماعية ، وخلال سنوات لن تطول ستظهر تلك النتائج إن قام على تلك الأمور أهلها والمخلصون ، وليس العمل يقوم على توريث الفكر ، كتوريث الحكم والمهنة .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. أنظمة فاسدة مفسدة معينة تعيين من قبل أسيادهم في الصهيونية!
    وبما أنهم موظفين لمشغليهم فمن الطبيعي أن يجدوا ما يخدم مصالحهم ومصالح مشغليهم ويعملوا عليه من قمع وتهجير وتكميم الأفواه وبما أن الإسلاميين هم المعارضين والرافضين لهذه الطغمة الحاكمة في البلاد الإسلامية فهم أول المستهدفين.

  2. مقال رائع مشخص فيه بنود الإخلال الءي دعى العسكر والقيوميون والاسديون والايرانيون للألتفاف على الانظمة ذات اامنهج الاسلامي المعتدل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى