دين ودنيا

مسجدُ الضِّرار، شروطه وأحكامُه..

د. خالد عبد القادر

باحث ومشرف تربوي- لبنان
عرض مقالات الكاتب

الأصلُ في هذا قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ..

فقد نصّتْ الآيةُ على مواصفات هذا المسجد،وبيّنت شروطه،وهي:
مسجدُ نفاقٍ. بناه منافقون،وهم قوم يُظهرون الإسلام،ويخفون الكفر.
-مسجدُ ضِرارٍ.مُضارَّة، ليُضارُّوا به مخالفيهم،أي: ليدخلوا عليهم المَضرَّة في دينهم.

  • مسجدُ كُفرٍ.إظهاراً للكفر والنفاق،ونُصرةً له ولأهله.
  • مسجدُ تفريقٍ.تفريقاً بين المؤمنين.
  • مسجدُ إرْصادٍ.أي انتظاراً وإعداداً ومعونةً لمن حارب الله ورسوله والمؤمنين.

ثم يحلف الذين بنوا هذا المسجد الضرار للنبي بأنّهم ما أرادوا من بناء هذا المسجد إلا الإحسان والتخفيف عن المؤمنين،ثم كذّبهم الله بقوله: وَالله يشْهد إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ..أي في حَلِفهم هذا..

  • أما الحكم الربّاني الذي نزل بخصوص هذا المسجد فهو قوله تعالى:
    لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا.. ومَعْنَاهُ: لَا تُصلِّ فِيهِ أبداً..وبالتالي لا تُساهم أبداً ببناءِ مِثْلِ هذا..
    وقد جاءت أدلة تدل على أنَّ النَّبيَّ قد هدّمه،فقد روى الحاكم في المستدرَك برقم 8763 بسنده عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ،يَقُولُ: «رَأَيْتُ الدُّخَانَ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ حِينَ انْهَارَ».. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي..
    وقد انعقد الإجماع على أنَّ الصلاة في هذا المسجد،وأشباهه لا تجوز،لا جماعة،ولا فرادى.
  • نقل القرطبي عن الْعُلَمَاء قولهم:
    إِنَّ مَنْ كَانَ إِمَامًا لِظَالِمٍ لَا يُصَلَّى وَرَاءَهُ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ عُذْرُهُ أَوْ يَتُوبَ..
    قلتُ: وقد صحَّ عن الفقيه الصحابيّ ابنِ عمر أنَّه صلى خلف الحجَّاج بن يوسف الثقفي،وهو مشهور بظلمه وفسقه وفجوره..
  • هل لهذا النوع من المساجد وجود في عالمنا الإسلاميّ.؟
    الجواب: لا أعلم مسجداً تتوفر فيه هذه المواصفات..أو صفة واحدة منها..
  • هل بناء حكوماتنا الفاجرة لمسجد يُدْخله في الضِّرار.؟
    الجواب: لا يُدخله،فالمال إنما هو مال المسلمين..والأرض إنما هي أرض المسلمين.
    وقد بُنيْت الكعبة من مال المشركين،وبأيديهم..وقد أبقاها نبيُّنا دون تعديل عليها..
    وقد فتح المسلمون بلاداً وحوّلوا كنائسَها إلى مساجد حينما فرغت البلاد من الصليبيين.

متى لا يُصلّى خلفَ إمامِ مسجد.؟
إذا كان الإمامُ قد ارتكب مُكفِّراً مُتفقاً عليه بين الأئمة..
أو ارتكب بِدْعة مُكفِّرة باتّفاق..
سواء ذلك بقولٍ،أو فعلٍ،أو اعتقادٍ أظهرَهُ..فهذا لا تصح الصلاة خلفه اتفاقاً..
ولكم أنْ تُصلُّوا في ذاك المسجد بعد أن يُنهي الإمام جماعته،إنْ لم يترتب عليكم ضرر..
وإلا سقطت عنكم الجماعة والجمعة في محلّ إقامتكم،إن لم يتوفّر البديل،فإن توفر وجب عليكم السعيُ للجمعة في الجامع الآخر..

أمّا إنْ كانَ فاسقاً،أو مُبتدعاً،أو ظالماً،أو يدعو لبدعةٍ،فلا مانع من الصلاة خلفه..
فإنْ شككتَ في صِحَّةِ صلاتِك خلْفَه،ووجدتَ بديلاً فلا تُصلِّ خلفه..
وأمَّا إنْ لم تجد بديلاً عنه،فلا تترك صلاة الجمعة والجماعة معه.
فدعْوَةُ الإمامِ لحفظ الوطن،فلا يُدخل هذا المسجدَ في كونِه ضِراراً.فمحل الاستيطان هو نقطةُ انطلاقٍ للعالَم..
وكذا دعوته لهداية الحاكم الفاجر و نصره،فإننا نُحسن الظنّ بأن ينصره الله فيما يوافق شرعه.
إلا إذا صرّح بدعائه بأن ينصره الله فيما حرّمه الله..وهذا مستبعد جداً..
وهنا يجبُ هَجْرُه نهائيّاً،وإيجادُ البديل الشرعي ضمن الإمكانات المُتاحة..
فإنْ لم تقدروا على إيجادِ البديل،فتسقط عنك الجمعةُ فيه،والجماعةُ معه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى