مقالات

قول في العلمانية

م. هشام نجار

المنسق العام للهيئة السورية للإعمار
عرض مقالات الكاتب

مع قيام ثورات الربيع العربي كثر النقاش حول شكل الحكم في المستقبل، والذي يجب أن تسلكه الدول العربية لتتخلص من أزمات الأنظمة القاتلة والمرعبة، هذه الأنظمة التي يتحكم بها حكام غايتهم البقاء على كرسي الحكم حتى الممات، ليورثوا هذا الكرسي من بعدهم لأولادهم وأحفادهم غير مهتمين بمستقبل أمتنا، فهم حكام مزاجيون يحكمون بالعلمانية ( بفتح العين) ولكن لايوفرون استخدام الدين حسب أهوائهم عندما ينفعهم ذلك ، فيصبح هذه الحكم خلطة لايجمعها عوامل مشتركة .
فلا فهم هؤلاء الحكام العلمانية ونتائجها، ولا هم فهموا الإسلام ومقاصده وتطبيقاته، فأصبح مصير هذه الدول كمصير قمر صناعي فقد السيطرة عليه فضاع في الفضاء بلا اتجاه ولاهدف.
هذا هو مصير الأمة العربية اليوم والتي تحتاج لإنقاذ.
والثورة السورية الكبرى تعدّ حجر الزاوية بتغيير هذا الواقع المؤلم.

تعالوا نتعرف أولاً على الآثار السلبية للعلمانية الغربية، فهذه المجتمعات التي تربت على العلمانية وحرية الاعتقاد والحرية المطلقة، تعاني من الآثار السلبية التي أفرزتها العلمانية، فقد تراجعت نسبة المصلحين الدينيين ، واهتزت العقيدة المسيحية في نفوس أبنائها، كما لم يكونوا راضين عن الأوضاع الاجتماعية التي انتابت الفرد والأسرة، وأدت إلى تفكك الأسرة وانحلال المجتمع، واستغراقه في الحياة الإباحية الماجنة كالمثلية والانحرافات الجنسية ولا أكون مبالغًا إذا قلت،:إنه من المحتمل أن يستلم بعد سنوات رئاسة دولة غربية منحرف متزوج بذكر مثله، ويصبح الأمر عاديًا ومقبولاً ، وما تفكك العوائل الغربية إلا بعض مفرزات هذه العلمانية .
ورغم ادعاء فرنسا من أنها أم العلمانية إلا أنها تتراجع تدريجيًا عن علمانيتها عندما ترى ذلك ضروريا فالتطبيق مزاجي ، فماذا يعني مثلاً منع نشر بعض قصائد الشاعر شارل بودلير (1821-1867م) عند إعادة طبع ديوانه (زهور الشر) بسبب تضمينه قصائد مجافية للذوق السليم وللأخلاق العامة، فكان لابدّ من حذف تلك القصائد . وماذا يعني قرار السلطات القضائية الفرنسية تغريم ثلاث مجلات لنشرها صور صديقة الرئيس الفرنسي (فرانسوا رولاند) بملابس السباحة وذلك تعويضًا عن الأذى الناجم عن انتهاك الحياة الخاصة ،ولكن علمانية فرنسا تصمت كصمت اهل القبور ،فيما يتعلق الأمر بالتهجم الوقح على مقام حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مرات ومرات بينما تجأر بالصوت العالي ضد مجلات لمجرد نشرها صورًا لصديقة الرئيس!
إنه التناقض العلماني في ديار الغرب، وهذا يعبر عن العلمانية الانتقائية المزاجية في تصرفاتهم ، فمرة يهاجمون الإسلام ورموزه هجومًا شرسًا، لا هوادة فيه، ومرّة يقدمون الإسلام أنموذجًا حضاريًا لحل مشكلاتهم المستعصية في حال تحبيذهم للبنوك الاسلامية، كحل للخروج من أزمتهم الاقتصادية المستعصيةً.
لنكن صرحاء؛ فالدين المسيحي يختلف عن الدين الإسلامي ، فالمسيحية الأصيلة كما أنزلت على سيدنا عيسى عليه السلام هي ديانة روحية لإصلاح النفس وإعادة صقلها إيمانيًا ، ثم تم تحريفها لاحقًا لتحقق رغبات أباطرة أوروبا ؛ أما الدين الإسلامي فهو يعالج الإنسان روحيًا وماديًا وحياتيًا فهو دين ودنيا ؛ لذلك لا يمكن فصل الإسلام من واقعنا الحياتي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، مع تقديري للاجتهادات الواعية من شخصيات إسلامية معروفة لمراعاة تغير الظروف الحياتية دون المساس بجوهر الإسلام . أما ما دعي بالإرهاب الإسلامي فهذا أمر أصبح معروفًا للجميع كونه اختراعًا مخابراتيًا غربيًا مدعومًا من حكامنا الديكتاتوريين لتدمير العقيدة الإسلامية ،ولا أحدًا من الواعين يعيره أدنى اهتمام.

أعود إلى علمانية الغرب مرة ثانية لأقول: إنها علمانية انتقائيه رغم أن المسيحية مازالت تحتل ظاهريًا جزءًا من علمانيتهم ، فأعلام أكثر من ٥٠ دولة غربية مازال يزينها الصليب ، كما أن أول عمل يقوم به رئيس امريكا بعد انتخابه ذهابه مع زوجته إلى الكنيسه للصلاة فيها ، وأكثر من ذلك أذكر عندما كنت حديثًا في أمريكا حصلت على وثيقة تمكنني من تدريس مادة الرياضيات بشكل مؤقت ، فعندما تكون حصتي الأولى ، كنت أقف باحترام مع الطلاب في الفصل، فيقرأ الطلاب مقطعًا قصيرًا من الانجيل، ويصلبون وكنت أقف باحترام لدقيقتين لمشاركة الطلاب مشاعرهم وكنت أحترم ما يفعلون .
من هذا الاستعراض السريع لمفهوم العلمانية؛ علينا أن نكون واعين فالعوائل الغربية تفككت واقترب المجتمع من حافة الانهيار ،ورغم ذلك نشاهد بعض الشخصيات في مجتمعاتنا معجبة بهذه العلمانية ،والتي أوصلت البعض في لبنان إلى زواج الأخ من اخته باسم الحرية والعلمانية .

بقيت كلمة أخيرة :
سيبقى الغرب غرباً والشرق شرقاً، وستبقى المسافة بينهما بعيدة، ثقافياً ودينياً ومعرفياً، وستبقى شقة الخلاف والاختلاف واسعة وجوهرية، وهي بحاجة إلى ما يقربها ويردم الفجوة، ولا أكاد أجد سبيلاً لذلك إلا من خلال قوله تعالى:
{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.
فهل تصبح الكلمة السواء بلسماً يداوي جراحات النفوس، سواء أكانت في الشرق أم في الغرب؟ وهل يعي بعض اخواننا العرب مخاطر العلمانية المطلقة والمقتبسة من علمانية الغرب !
آمل ذلك..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال أكثر من رائع أخذ الواقع من كل جوانبه
    أتمنى أن يخوض العلمانيون العرب في علمانية الغرب
    وللعلم العلمانيين الغربيين أشرف من العلمانيين العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى