مقالات

نشأة عماد الدين زنكي

د. علي محمّد الصلابيّ

عرض مقالات الكاتب

 كان عماد الدين زنكي رجلا مخلصا مجاهدا سائرا على نهج والده على الرغم من وفاة والده وهو في سن مبكرة من عمره إلا أن العناية الإلهية

1 ـ نشأته: ولد عماد الدين زنكي سنة 477 هـ وكان أبوه من كبار قادة ملكشاه حتى لقب بقسيم الدولة، وكان الابن الوحيد لهذا القائد العظيم في الدولة السلجوقية، وتولى والده آق سنقر حلب سنة 479 هـ أي: بعد سنتين من مولده، فكانت حلب مهد طفولتهِ وقضى بها أيامه الأولى.

2 ـ تربية والده له : عاش زنكي في كنف والده مدة عشر سنوات تكونت خلالها الخطوط العريضة لشخصيتهِ ، وتشربَ من أبيهِ أخلاقهُ وصفاتهُ ، ولا شك: أنَّ والدهُ درَّبه على الفروسية منذُ نعومة أظفاره ، ليكون نعم الوارث لمركزه، وقد دربه على ركوب الخيل ، ورمي السهام، وعوَّده الصبر على المشاق في الحرب وممارستها ، وقد أثبتت الأحداث اللاحقة حسن تربية والده له ، فقد تميز بالشجاعة التي تبلغ حد الذروة ، فهو يهاجم مع مودود طبرية ، وينهزم الصليبيون ، ويلحقهم المسلمون وعماد الدين في المقدمة ، ولا يلتفت إلى الوراء ، ليتأكد من لحاق أصحابه به، ويصل إلى باب طبرية ، ويحارب الإفرنج عليه ، ويبدي شجاعة فائقة ، وينسحب ويحسن الانسحاب عندما لا يرى حوله أحداً ، فيعجب الناس من رجوعه سالماً ، كما عجبوا من شجاعته، وورث عن أبيه آق سنقر القوَّة التي لا تعرف العطف والتي لا تبقي على عدوٍّ خطر ، وورث عنه التخطيط الذي يؤدي إلى حتف الخصم الذي رسمه له زنكي.

3 ـ والدتهُ: توفي والده وعمره عشر سنوات، ولكن أمه عاشت حتى رأت ابنها يرث أباه، ويحكم الموصل، وقرَّت عينها إذ رأتهُ في السنة التي توفيت فيها يحاصر دمشق التي قتل صاحبها تتش زوجها آق سنقر، فقد توفيت سنة 529 هـ بالموصل.

وكانت هناكَ أسطورة أوربيَّة سورية: أن أتابك الموصل من أصل فرنجي ويفترض أن أمه كانت الأميرة الجميلة النمساوية التي أسرت، وقضت بقية أيامها في حريم اق سنقر، وأن امرأة عظيمة أوربية تستطيع أن تلد مثل هذا البطل. ولكن هذه القصة غير صحيحة؛ لأن أباه آق سنقر مات قبل سنوات من حدوث الكارثة ـ الغزو الصليبي ـ، ولا يذكر لنا المؤرخون اسماً لوالدتهِ، ولا أصلها حتى نستطيع أن نتعرف على أسباب اكتسابه اللون الأسمر مع أن المشهور عن الأتراك اللونُ الأبيض، فلعله ورث هذه الصفات عن والدته.

4 ـ زوجات عماد الدين: أ ـ تزوج زنكي أكثر من واحدة ، فمن زوجاته التي ذكرها المؤرخون؛ زوجة الأمير كندادي. وقال السلطان محمود: قد زوجتكَ امرأة الأمير كندغدي من أكابر أمراء السلطان محمد، والسلطان محمود، واتفق أنه مات وترك ولداً صغيراً وزوجة ومن المال والبرك (المتاع الخاص من ثياب وقماش وسلاح) ما لا يقدر عليه إلا السلطان، فطلب من عماد الدين أن يتزوجها وأرسل إليها، يقول لها: إنني زوجتك بعماد الدين زنكي، فامتنعت، ثم أجابت، فركب زنكي من غدٍ بعد دخوله بها ومعهُ ولد كندغدي وهو في موكب عظيم من أصحابهِ وأصحاب كندغدي، وأخرجت له زوجته من الخيام والبرك ما ليس لأحدٍ من العسكر مثله.

ب ـ الزوجة الثانية: خاتون ابنة الملك رضوان، كان زواجه بها زواجاً سياسياً، فقد تزوجها ليصبح له الحق والشرعية في حكم حلب، ولكنه هجرها بعد أن رأى ثياب أبيهِ آق سنقر الذي قتلهُ جدها تتش، وطلقها بتدخل القاضي أبي غانم قاضي حلب، وكان زواجهُ بها سنة 522 هـ على رأي حسن حبشي وسنة 523 هـ على رأي ابن العديم.

ج ـ الزوجة الثالثة: صاحبة خلاط ابنة سقمان القطبي؛ تزوج صاحبة خلاط ابنة سقمان القطبي سنة 529 هـ والظاهر: أنَّ زواجه منها كان ليمكِّن نفوذه في تلك المنطقة، فقد كان زنكي في السنة السابقة لهذا الزواج في حرب، وكان حسان الدين تمرتاش معهُ في حربه ضد داود بن سكمان بن أرتق، وربما أراد بالمصاهرة أن يضم خلاطاً إليهِ، ويقوي جبهته في تلك المنطقة، ولا سيما أنه في سنة زواجه كان في حرب في تلك الجبهة، فاستولى على الصقر وشوش.

د ـ الزوجة الرابعة: ابنة تمرتاش.

هـ ـ الزوجة الخامسة: خاتون بنت جناح الدولة حسين، وكان زواجه منها سنة 531 هـ وفي هذه السنة كانت فترة نشاطه في حمص، فقد حاصرها حصاراً شديداً ولا يستبعد أن يكون زواجه بها ليكتسب شرعية أخذه حمص من دمشق؛ لأنها الوارثة لها بعد والدها، وليضم إليه أنصار والدها، ويساعدوه على أخذ المدينة.

و ـ الزوجة السادسة: تزوجها سنة 532 هـ وهي صفوة الملك ابنة الأمير جاولي أم شمس الملوك إسماعيل وإخوته بني تاج الملوك، وهي أخت الملك دقاق لأمه، وقد كانَ زواجهُ منها في أمل أن يمتلكَ دمشق، فلما لم يحصل له ملك دمشق؛ أعرض عنها.

ونلاحظ: أنَّ موضوع زوجات زنكي قد حظي باهتمام عدد من المؤرخين، وأغلب الظن: أنَّ سبب ذلكَ يعود إلى العلاقة الوثيقة بين معظم عقود الزواج التي قام بها وبين مشاريعه السياسية والعسكرية، وكان زنكي يعتمد رابطة الزواج لتحقيق بعض أهدافه السياسية، والعسكرية، وإنه تمكن بهذا الأسلوب من توثيق علاقاته بعدد من الحكام والأمراء، الأمرُ الذي ساعده إلى حدٍّ كبير في تنفيذ خططه الرامية إلى توحيد القوى الإسلامية لمواجهة الخطر الصليبي.

5 ـ أبناؤه: هم سيف الدين غازي وهو الأكبر، ونور الدين محمود، وقطب الدين مودود، ونصرة الدين أمير أفيران. وجميع أولاده ظهرت عليهم النجابة مما ورثوه من والدهم وكانوا ذوي أخلاق حميدة، وشجاعة فائقة، وخاصة نور الدين محمود، وسيف الدين غازي، وقطب الدين مودود، فأخبار شجاعتهم مشهورة، ونلاحظ من أسماء أولاد زنكي اسم مودود فقد يدل على إعجاب زنكي بالأمير مودود، وهناك غازي، واسمه يدل عليه، أما محمود، فإنه يطابق اسم أحد السلاطين السلاجقة ممن خدمه زنكي.

وقد خصص زنكي لتربية أولادهِ علياً بن منصور السروجي ، وكان أديباً شاعراً خطاطاً ، وعندما كبر سيف الدين غازي؛ أرسله أبوه لخدمة السلطان مسعود ، فتلقاه بالحفاوة والتقدير ، ورتب في خدمتهِ عشرة من الحراس ، وقد بقي سيف الدين هناكَ حتى قبيل مقتل أبيهِ بوقت قصير ، وأما نور الدين محمود فقد نشأ تحت رعاية والده ، وتعلم القران الكريم ، والفروسية ، والرمي ، ولما جاوز صباه لزم خدمة أبيه حتى مقتله ، وهكذا كان زنكي يُعِدُّ أولاده لتحمل المسؤوليات الإدارية والعسكرية في المستقبل ، وما يقال عن غازي ، ومحمود يمكن أن يقال عن ابنيه الاخرين: أفيران ، ومودود.

المصادر والمراجع:

الدولة الزنكية، د. علي محمد الصلابي، صــ (186-190)

نور الدين زنكي، حسن حبشي ص 24.

زبدة حلب ص 244، الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 59.

الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 59.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى