مقالات

من أجل ديني وثورتي لا من أجل الإخوان

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي
مدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا
عرض مقالات الكاتب

بيان الهيئة وبيان الحقيقة

أصدرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بيانا تتهم فيه جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب لم يكن ليسمع به أحد، لولا استغلال النظام السعودي منابر المساجد في الترويح له، فالأمر الذي أصدر من وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة بتناول خطبة الجمعة للبيان بل وتلاوته كاملا قبل التعقيب عليه لم يكن ليأخذ هذا الزخم الذي صاحبه حملة إعلامية ممنهجة لإسماع من لم يحضر خطب الجمعة من اليهود والنصارى، وهو ما دفع المعسكر المقابل لحملة مضادة لرد الهجمة، فالأمر ليس بجديد ومر عليه سنوات فالمملكة تضع جماعة الإخوان المسلمين قبل سنوات ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية، لكن إصرار إعادة القرار إلى الواجهة بحملة دينية تريد أن تقول أن القرار من عند الله وعلى العباد العمل به حتى لا يحاسبوا، يُخرج المسلمين من حياتهم إلى حياة النصارى في العصور الوسطى، زمن صكوك الغفران، ويذكرنا بزمن الحشاشين في العصر العباسي مع اختلاف شكل الاغتيالات، وإن كان الاغتيال المعنوي أدهى وأمر.

وإن كان بيان هيئة كبار العلماء في السعودية أضفى على قرار الحكومة السعودية الصبغة الشرعية، فإن الحقيقة تتنافي مع ما جاء به الطرفان، فلا السياسي استطاع أن يثبت صفة الإرهاب على الجماعة، لافتقاره أدوات التصنيف المٌحكّمة، فلا قضاء ولا إنصاف، ولكن أوامر تلقى مدفوعة بمصالح ضيقة إرضاء للغرب، فالإخوان الذين نبذوا العنف ووجهوا الطاقات لمصلحة الأمم في كل الأقطار التي تواجدوا فيها حتى خارج أرض الإسلام والمسلمين، وعرفوا نفسهم بأنهم دعوة سلفية، وطريقة سنية، حقيقة صوفية.. تعلموا الدرس وكتبوا “دعاة لا قضاة” أكدوا على أنهم جماعة دعوية إصلاحية، ولم يوجهوا غضبهم إلا ضد محتل غاصب أو ظلم بائن، نصرة لأوطانهم ودينهم، وفلسطين والشام واليمن والسويس في مصر تشهد.

غياب فقه الأولويات عن كبار العلماء

أما البيان المسيس الذي صدر قبل أسبوع من هيئة كبار علماء السعودية فلم يرقب في حال الأمة ولا دين الله إلا ولا ذمة، فهذه الأمة المقطعة أوصالها من الأحمر والأصفر والمشرد أبناؤها في فلسطين والشام والعراق وكشمير والهند وميانمار، ويعيش باقي أبنائها في فقر وجهل ومرض من فعل حكامهم أو المحتل الذي خرج بسلاحه وبقي بتعليماته فجعل من يهاجر من أصحاب الملة تحت تهديد الوصم بالإرهاب، وتطاول هؤلاء حتى أرادوا المساس بمقام النبي صل الله عليهم وسلم، وما يفعل نباح الكلب بالنجم، وإن كنا مأمورين بالذب عن مقامه الشريف، فإن علماء السلطان لم ينبسوا ببنت شفاه ردا على المجرمين، وأداروا ظهورهم لما قالوا بأمر ولي الأمر، هذه الطاعة التي طالما قعدوا لها القواعد وجيشوا لها الأدلة وهم في ذلك تجار يبيعون عرض الدنيا بالآخرة، فأي ولي أمر هذا الذي يأمر بعدم الذود عن مقام رسول الله، وأي عالم هذا الذي يطيعه، إن هؤلاء الذين يعيشون في بحبوحة من مرتبات وبدلات لا يعرفون كيف يعيش الناس، فبحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن نسبة الفقر في السعودية ما بين 15 و25%، مع تزايد مطرد لمعدلات البطالة، مشيرة إلى أنه ما بين مليونين وأربعة ملايين سعودي يعيشون على أقل من 530 دولارا شهريا أي (17 دولارا يوميا)، مؤكدة أن الدولة تخفي نسب الفقر، فهل يستطيع علماء السلاطين أن يواجهوا ولاة الأمر الذين يشترون اللوحات الفنية بملايين الدولارات زيادة عن ثمنها، أو يساءلوا ولاة الأمر عن قتل وإخفاء وتعذيب الدعاة والعامة في معتقلاتهم، إن الخلل الظاهر في منظومة القيم دفع لخلل في أولويات كبار العلماء الموظفين، المسيسين، العاملين لدنياهم، ولآخرتهم ناسين.          

توقيت بيان كبار علماء السعودية ودوافعه

هذا البيان وتوقيته يضع علامات استفهام كبيرة حول كيفية إدارة الشئون الدينية في بلادنا، ومن ثم الشئون السياسية، ويدفع إلى السؤال عن ثوابت السياسات الخارجية بل والداخلية في أوطاننا، فالاعتداء السافر من الغرب على قيمنا وثوابتنا الدينية يمرر من أجل المصالح، فأي مصالح تلك التي تجعل بلاد الحرمين لا ترد الانتقاص من القيمة التي منها تجد احترامها وتقديرها لدى ما يقارب الاثنين مليار مسلم حول العالم، ويتخذ ملك السعودية من لقب خادم الحرمين غطاء شرعيا لنفسه من خلاله، لكن الأمر في جملته ليس مستغربا، فالهرولة نحو التطبيع، والتحولات المنتظرة في المنطقة بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ومن ثم الحاجة للخلاص من أخر التنظيمات الإسلامية وأكثرها شعبية وقبولا في الشارع العربي والإسلامي مهمة إلى درجة القبول بإهانة النبي أو التعدي على المقدسات الإسلامية، بالنظر إلى رد فعل الكيان الإسرائيلي وإعلامه بل ورسمييه، فوزارة خارجية الكيان المحتل أصدرت بيانا ترحب فيه بالبيان الصادر عن كبار العلماء في السعودية، ولا أعرف رد فعل هؤلاء ببيان خارجية احتلال الأقصى مسرى النبي صل الله عليه وسلم، توقيت البيان يدفع إلى الريبة، إذ يتزامن مع هجمة شرسة على المساجد والجمعيات والمؤسسات الإسلامية في أوروبا واعتقال العديد من أئمة المساجد والعاملين في الجمعيات بتهم مختلفة على رأسها الإرهاب، وتلك الحوادث التي وقعت في أوروبا خلال الأسابيع الماضية بعد محاولة رئيس فرنسا التعدي على مقام النبي الكريم، إن لم تكن فردية فإنها مدفوعة مخابراتيا، كما تعودنا دوما من الغرب، وأنا هنا لا أتبنى نظرية المؤامرة بقدر ما أقر حقائق ووقائع منشورة ومعروفة، تلك الحوادث التي أعادت الأمير الصغير في المملكة إلى الواجهة مرة أخرى في تعقيبه على الكلمة التي وجهها الملك سلمان لمجلس الشورى، حيث هدد وندد بالإرهاب وصانعيه، متفاخرا بأنه أستطاع خلال عام أن ينهي عمل أربعين عاما من التطرف والإرهاب، على حد قوله.
إذن فدواعي البيان تتماهى مع الخطة الإستراتيجية الكبرى لتصفية الإسلام السياسي، بل نستطيع أن نقول بأريحية الإسلام المأزوم على حد وصف رئيس فرنسا، فهذا الإسلام الذي أتى به محمد يحرض على رفض الظلم وينبذ الرذيلة، وينافح عن الفضيلة، ويكافح الاستغلال والاستعباد بكل أشكاله، ويقطع دابر السارق الخائن بلاده وشعبه، وهو ما يعد مشروعا مضادا للإمبريالية وأذيالها.              

كيف سيغير البيان في شكل المنطقة

للوقوف على أثر بيان هيئة كبار العلماء في المملكة على شعوب المنطقة علينا أن نقف مليا عند عبارات البيان في مقطع مهم ويلخص ما أُريد منه.. يقول البيان:  (كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبهات وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة)، ثم يتابع (في طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها جماعة الإخوان المسلمين، فهي جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية). وهنا مربط الفرس وزمام الأمر وذروة سنامه، فالبيان يعمل على كتم أخر نفس للشعوب العربية بعد أن أصبحت الثورة على الظلم والاستبداد وسرقة مقدرات الشعوب لتقديمها على مذبح الدول الكبرى لكي تحمي وكلائها هو الهدف، ومن ثم فإن آثاره على الشعوب العربية والإسلامية وخيم، فالبيان بمعناه ومبناه لا يستهدف حركة الإخوان المسلمين، بل يستهدف فكرتها وقيمها التي قد نختلف في تنفيذها مع الجماعة والتنظيم لكننا لا يمكن بأي حال من الأحوال الاختلاف على صلبها، فالتحرر الوطني من كل أشكال الاستعمار (عسكري، اقتصادي، اجتماعي، تربوي، تعليمي،  فكري، ثقافي… ) وبناء أجيال مؤسسة على القيم الإسلامية هي مبادئ لا يمكن أن ننازع فيها أحد، بل العمل عليها واجب، والوقت جعلها فرض، في ظل الهجمات المضادة لمحو الهوية الإسلامية في أمتنا، والتي بدأت قبيل انطلاق القرن الماضي ومستمرة حتى اليوم، فالهدف الأسمى الذي اجتمع عليه أعداؤنا هو مسخ هويتنا، فالدعوات إلى  القطرية كان الهدف منها سحب البساط من هويتنا الإسلامية، والدعوات القادمة ستكون عرقية أو اثنية وهو ما بدأ مع مطلع القرن الجاري، وستسحبنا الدعوات إلى أن نجد أنفسنا نتقوقع في بيوتنا لا يتداعى لنا عضو بعد أن قطع الجسد، بعكس الفكرة الإسلامية التي تدعو للوحدة والترابط والتعاضد، وهو ما يعني أن ثورة في المستقبل لن تكون لو استطاعت تلك الأنظمة الوصول لهدفها، لذلك فإن وصم الإخوان بل الإسلام بالإرهاب هو محاولة لوأد طموح الشعوب في التحرر، وأي إرهاب هذا وولاة أمورهم التقوا قيادات الإخوان في مصر وفلسطين واليمن، وللأخيرة شأن مع أمراء السعودية وملوكها، فالمصلحة تقتضي العمل مع حزب الإصلاح (المعبر عن منهج الإخوان في اليمن ) لعلمهم بقدرته على الوقوف في وجه التمدد الإيراني المرعب لهم، هذا الحزب كما الحرية والعدالة في مصر وغيرها من تجمعات الإسلام السياسي التي ذابت مع الشعوب وتماهت مع ثرواتها وكان لها الفضل بعد الله في انتصار هذه الشعوب وإزاحة الطغاة، وهو ما جاء في البيان الذي يدعم هؤلاء الطغاة غير عابئين بما ستؤول إليه الأوضاع ببقاء هؤلاء الطغاة، ولهؤلاء نقول.. إن الأحرار تجمعهم المبادئ والقيم ولو اختلفت مشاربهم، وسنبقى في وجوهكم ليس من أجل الإخوان ولكن من أجل ديننا وثورتنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. والله يادكتور صرنا نشك بكل علماء الامه اني شايف كلهم تابعين ويخدمون السلاطين استغفر الله العظيم ياربي دخيلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى