بحوث ودراسات

الاعتداء على سفن الحرية في القانون الدولي 3 من 5

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

الكيان الصهيوني يدرك تماما أن الأعتداء علي سفن الحرية جريمة قرصنة دولية وهي: (الإتيان بعمل من أعمال الإكراه أو الاستعداد للقيام به، في أعالي البحار أو البحار المفتوحة)([1])  وعرفها أحد الفقهاء بأنها(ارتكاب عمل أو أكثر من أعمال العنف ضد الأشخاص والأموال)([2]) ومنهم من عرفها بأنها: (اعتداء مسلح تقوم به سفينة في أعالي البحار دون أن يكون مصرحاً بذلك من جانب دولة من الدول ، ويكون الغرض منه الحصول على مكسب باعتصاب السفن أو البضائع أو الأشخاص)([3]) وعرفها أخر بأنها:( كل عمل غير شرعي من أعمال العدوان يرتكبه أشخاص على ظهر السفينة خاصة في أعالي البحار العامة، أو يحاولون ارتكابه ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر سفينة أخرى أو ضد السفينة الأخرى نفسها مع قصد النهب أو السلب)([4]) والرأي الراجح في القانون يرى أن عناصر هذه الجريمة ثلاثة، وهى([5]):

1 – أعمال إكراه: ويستوي في ذلك أن تكون هذه الأعمال موجهة للمال أو للأشخاص.

2- يجب أن ترتكب هذه الأعمال في المياه الدولية أي أعالي البحار: فالجرائم التي تقع في المياة الإقليمية لدولة ما لا تعد قرصنة بحرية بالمعنى الدقيق ، وإنما تدخل في اختصاص الدولة التي وقعت في مياهها الإقليمية وهى التي تنظم كيفية المعاقبة عليها.

3 – ألا تكون بوكالة مشروعة:أي ألا تكون هذه الأعمال مما يقره القانون الدولي العام ، سواء بالقياس لمن يأتي هذه التصرفات بذاته أو لمن أمر بمباشرتها.

وبعض فقهاء القانون الدولي يحصر القرصنة البحرية في العناصر التالية([6]):

  1. أن يكون من الأعمال الاجرامية ( عمل غير مشروع(.
  2. أن ينطوي على استعمال العنف ضد الأشخاص أو ضد الأموال.
  3. أن يتم بقصد تحقيق منافع أو أغراض شخصية.
  4. أن يتم في البحار العالية أو في مكان لا يخضع لسلطة أي دولة.

كافة العناصر السالفة تتوافر في طرف قوات الاحتلال الصهيونية وقد أرتكبتها عن عمد أي أن الركن المعنوي للجريمة وهو القصد الجنائي متوافر أيضا مما يرتب المسئولية الدولية الجنائية والمدنية في حق الكيان الصهيوني، من خلال التعريفات السابقة لجريمة القرصنة ينطوي على توفر عدد من الأركان التي تنطبق جميعها على الكيان الصهيوني([7]).

1- عمل إكراهي، بوسائل مادية أو معنوية، ويتساوى في ذلك الإتيان بالعمل أو القصد من نيّة الفاعل، وهو ما ينطبق على قيام القوات المسلحة الصهيونية باقتحام القافلة، وقيادتها بالضد من وجهتها، وقتل عدد من أفراد طاقمها وركابها.

2- المكان، وهو أعالي البحار، أي منطقة بحرية لا تخضع لسلطات محددة أو سيادة دولة بعينها، وهو ما حصل عند مهاجمة القافلة .

3- السفينة، أي محل وقوع الجريمة، خصوصاً أنها وقعت على حمولة بشرية مدنية، إضافة إلى سلع وبضائع تحملها السفينة .

4- العلم، أي أن تحمل السفينة علم دولة أو دول أخرى غير المرتكب، لكي يتحقق ركن القرصنة الدولية، فالسفن لا تحمل العلم الإسرائيلي، بل تحمل أعلاماً لدول أخرى .

  • – عدم شرعية فعل الإكراه، أي لا وجود لسبب مشروع وقانوني للهجوم، لاسيما أن القافلة سلمية ومدنية، ولا تحمل أية مواد حربية أو عسكرية . وطبقاً لذلك، فإن القافلة تتمتع بالشرعية القانونية الدولية وتتساوق مع القانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، خصوصاً أنها جاءت لنصرة الإنسان في غزة المحاصرة، وحملت معها بعض مقوّمات الحياة الضرورية التي يمنع الكيان الصهيوني عن وصولها إليها، مثل الغذاء والدواء وبعض المواد الضرورية .

الاعتداء علي سفن الحرية جريمة من الجرائم الارهابية لان الجريمة الارهابية تستند علي المفهوم العقائدي في ارتكابها، ولا ينكر أحد في المجتمع الدولي أشخاص وآليات الزعم العقائدي الذي قام عليه الكيان الصهيوني، كما أن الهدف من الاعتداء علي سفن الحرية معنوي أكثر منه مادي، لان الهدف من الجريمة الحصول علي المغانم المادية دون المعنوية، كما ان الاعتداء علي سفن الحرية قد نشأ عنه جريمة قتل لستة عشر إنسان، مما يرفع جريمة القرصنة إلي جريمة إرهابية لأنها أنتهت بقتل الابرياء، فضلا عن أن الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب لعام 1988م اعتبرت جريمة القرصنة جريمة ارهابية في المادة الثالثة فقرة (و). فقد ارتكب الكيان الصهيوني أرهاب دولة أما إرهاب الدولة وهو (الأعمال الإرهابية التي تقودها الدولة من خلال مجموع الأعمال والسياسات الحكومية التي تستهدف نشر الرعب بين المواطنين لإخضاعهم داخليا أو في الخارج بهدف تحقيق الأهداف التي لا تستطيع الدولة ولا تتمكن من تحقيقها بالوسائل المشروعة)([8]).

وقد عرفت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي صدرت الاتفاقية بقرار من مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب فى اجتماعهما المشترك الذى عقد بمقر الامانة العامة لجامعة الدول العربية بتاريخ 22/4/1998 – تاريخ بدء النفاذ: 7 أيار/مايو 1999، وفقا للمادة (40) الإرهاب في المادة الأولي الفقرة الثانية منها بأنه (كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر).

وفي الفقرة الثالثة من المادة الأولي عرفت الجريمة الإرهابية بأنها(هي أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات التالية، عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها:

  • اتفاقية طوكيو والخاصة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة بتاريخ 14/9/1963م.
  • اتفاقية لاهاي بشأن مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ 16/12/1970م.

 (ج) اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني والموقعة في 23/9/1971 والبروتوكول الملحق بها والموقع في مونتريال 10/5/1984م.

 (د) اتفاقية نيويورك الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية بمن فيهم الممثلون الدبلوماسيون والموقعة في 14/12/1973م.
(هـ) اتفاقية اختطاف واحتجاز الرهائن والموقعة في 17/12/1979م.
(و) اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982م، ما تعلق منها بالقرصنة البحرية.)

وطبقا للمادة الأولي بفقرتيها الثانية والثالثة وخاصة البند (و) تعتبر جريمة القرصنة جريمة إرهابية لأنها وردت في المادتين (101 و 102) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م.

وقد استثنت الاتفاقية في المادة الثانية منها حالات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال من الإرهاب، فقد نصت في الفقرة (أ) من المادة الثانية علي ذلك فقالت((أ) لا تعد جريمة، حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير، وفقا لمبادئ القانون الدولي، ولا يعتبر من هذه الحالات كل عمل يمس بالوحدة الترابية لأي من الدول العربية.).

وقد تعهدت الدول العربية في المادة الثالثة بالعديد من التدابير لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية، كما اتفقت في المادة الرابعة علي التعاون العربي لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية كتبادل المعلومات والتحريات، وفي المادة الخامسة تعهدت الدول العربية بتسليم المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية، وفي المواد ا( من 9 إلي 12) نصت الاتفاقية علي الإنابة القضائية بين الدول الأطراف، وفي المادة الثالثة عشر علي التعاون القضائي، ونصت المواد (من 14 حتي 20) علي محاكمة مرتكبي الجرائم الإرهابية طبقا للقوانين الجنائية الوطنية، وتطبيقا لهذه الاتفاقية يمكن محاكمة مرتكبي الجريمة الإرهابية بالاعتداء علي سفن الحرية، في أحدي الدول العربية، أو في أي دولة في العالم طبقا للاختصاص العالمي الوارد في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م.

وقد أكدت اتفاقية قمع الاعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية المبرمة عام 1988م( S U A) في ديبادجتها علي الحاجة الملحة إلى تطوير التعاون الدولي بين الدول في ميدان استنباط واعتماد إجراءات فعالة وعملية لتلافي الأعمال غير المشروعة ضد الملاحة البحرية، ولمحاكمة ومعاقبة مرتكبيها،استنادا علي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/61 الصادر في 6 كانون الأول/ ديسمبر 1985 الذي حثت فيه، ضمن أمور أخرى، (جميع الدول، فرادى وبالتعاون مع الدول الأخرى، وكذلك أجهزة الأمم المتحدة ذات الصلة، على أن تسهم في القضاء التدريجي على الأسباب الكامنة وراء الأرهاب الدولي، وان تولي اهتماماً خاصاً لجميع الحالات، بما فيها الاستعمار والعنصرية والحالات التي تنطوي على انتهاكات عديدة وصارخة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والحالات التي يوجد فيها احتلال أجنبي، التي يمكن أن تولد الأرهاب الدولي، وتعرض السلم والأمن الدوليين ).

والقرار رقم 40/61 الذي يدي( إدانة قاطعة جميع أعمال ونهج وممارسات الإرهاب، بوصفها أعمالاً إجرامية، أينما وجدت، وأياً كان مرتكبها، بما في ذلك التي تهدد العلاقات الودية بين الدول وتهدد أمنها.) والقرار رقم 40/61 دعا المنظمة البحرية الدولية إلى (ان تدرس مشكلة الإرهاب على ظهر السفن أو ضدها، بغية اتخاذ توصيات بالتدابير الملائمة ) وقرار جمعية المنظمة البحرية الدولية رقم ج 584 (د – 14) الصادر في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1985 الذي دعا إلى وضع إجراءات ترمي إلى تلافي الأعمال غير المشروعة التي تهدد سلامة السفن وأمن الركاب والطواقم.

وأكدت (استصواب رصد القواعد والمعايير المتعلقة بتلافي ومكافحة الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد السفن وركابها، بغية تحديث هذه القواعد والمعايير، حسب الضرورة، وإذ تلاحظ في هذا الصدد بارتياح إجراءات تلافي الأعمال غير المشروعة ضد الركاب والطواقم على ظهر السفن التي أوصت بها لجنة السلامة البحرية التابعة للمنظمة البحرية الدولية، وإذ تؤكد كذلك ان المسائل التي لا تنظمها هذه الاتفاقية تظل تخضع لقواعد ومبادىء القانون الدولي العام،وإذ تعترف بالحاجة إلى أن تلتزم جميع الدول، في كفاحها ضد الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية إلتزاماً صارماً بقواعد ومبادىء القانون الدولي العام).


[1] – الدكتور / عبد الحسين شعبان، قرصنة وقانون: أليست كوميديا سوداء؟الحوار المتمدن – العدد: 3029 في9/6/2010م  المحور: دراسات وابحاث قانونية.

[2] – الدكتور/ عبد العزيز محمد سرحان ، القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1969م، ص336.

[3] – الدكتور/ محمد حافظ غانم، مبادئ القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1986م ، ص455.

[4] – الدكتور/ حسني محمد جابر ، القانون الدولي ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1973م ، ص133.

[5] – الدكتور/  محمد طلعت الغنيمي ، الأحكام العامة في قانون الأمم ، منشأة المعارف ، الاسكندرية 1970م ، ص1133 وما بعدها.

[6] – الدكتور/ محمد يوسف علوان ، القانون الدولي العام ، الجامعة الإردنية ، عمان 1978م ، ص81.

[7] –  الدكتور / عبد الحسين شعبان، المرجع السابق.

[8] – الدكتور/ عبد الناصر حريز: الإرهاب السياسي، دراسة تحليلية، الطبعة الأولى، 1996م، مكتبة مدبولي، القاهرة ص: 174.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى