بحوث ودراسات

الاعتداء على سفن الحرية في القانون الدولي 2 من 5

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

 تفرض إسرائيل حصاراً بحرياً وجوياً وبرياً على الأراضي الفلسطينية وخاصة علي غزة مما أدي إلي تردي الأوضاع الإنسانية فيها يوماً بعد يوم، وأدى عدم تزويد غزة بالوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية وغيرها إلي إظلام غزة وتوقف الحياة شبة الكامل وحرمان المستشفيات والمستوصفات وغيرها من المرافق الطبية من عمل المعدات الطبية الضرورية، كما أن عربات الإسعاف وطواقم الإنقاذ تعرضت للهجوم من قبل القوات الإسرائيلية، بينما كانت تحاول الوصول إلى ضحايا القصف، ومع أن عمليات الحصار غير محظورة بحد ذاتها، فإنها ينبغي أن تلتزم بحق السكان المدنيين الذين يحتاجون إلى تلقي الإغاثة الإنسانية، كما تنص على ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م والبروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977م. إن استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب عن طريق حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك إعاقة وصول مواد الإغاثة بشكل متعمد، يعتبر جريمة حرب طبقا للمادة (8/2 /ب/xxv) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية([1]).

والمجتمع الدولي يعرف تماما أن سفن الحرية كانت تحمل المواد الغذائية والطبية لشعب محاصر ظلما وعدوانا، وأنها تعتبر من قبل سفن الإغاثة في القانون الدولي الإنساني الذي فرص لها حماية، يجب علي قوات الاحتلال احترامها والالتزام بها طبقا لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكول الإضافي الأول لها لعام 1977م.

كما أن دليل سان ريمو بشأن القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة في البحار الذي أعده عدد من القانونيين الدوليين والخبراء البحريين الذين دعاهم المعهد الدولي للقانون الإنساني للإجتماع، وقد أعتمد النص في يونيو/ حزيران 1994م، نص في دليل سان ريمو في الجزء الثالث : القواعد الأساسية والتمييز بين الأعيان أو الأشخاص المحميين والأهداف العسكرية في الفرع الثالث : سفن وطائرات العدو التي لا يجوز مهاجمتها فئات السفن التي لا يجوز مهاجمتها.

47- لا يجوز مهاجمة سفن العدو من الفئات التالية :

2″ السفن المشاركة في مهمات إنسانية, بما في ذلك السفن التي تنقل مواد لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين, والسفن المشاركة في أعمال المساعدة وعمليات الإغاثة,

هـ) سفن الركاب إذا ما نقلت ركاباً مدنيين لا غير,

و ) السفن المكلفة بمهمات دينية أو خيرية أو علمية غير عسكرية. ولا تتمتع بالحماية السفن التي تجمع بيانات علمية من المحتمل أن تكون لها تطبيقات عسكرية,

135- مع مراعاة أحكام الفقرة 136, يجوز ضبط السفن المعادية, سواء كانت تجارية أو غير تجارية, وبضائعها خارج المياه الحيادية, دون ضرورة الزيارة والتفتيش مسبقاً.

136- تستثنى من الضبط :

2″ السفن المساهمة في مهمات إنسانية, بما في ذلك السفن التي تنقل مواد لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين, والسفن المساهمة في أعمال المساعدة وعمليات الإنقاذ,

د ) السفن المساهمة في نقل ممتلكات ثقافية تحت حماية خاصة,
هـ) السفن المكلفة بمهمات دينية أو خيرية أو علمية غير عسكرية, ولا تحمي السفن التي تجمع بيانات علمية من المحتمل تطبيقها عسكرياً,

137- تستثنى السفن الوارد ذكرها في الفقرة 136 من الضبط فقط إذا :
أ ) استخدمت على نحو مباح في وظيفتها العادية,

ب) لم ترتكب أي عمل مضر للعدو,

ج ) خضعت على الفور لإجراءات التعرف على الهوية والتفتيش إن تطلب الأمر,
د ) لم تعرقل عن قصد تحركات المقاتلين, وأذعنت للأمر بالتوقف أو الابتعاد عن طريقها إن تطلب الأمر.

ج ) الذين يكونون من بين أفراد طواقم السفن التجارية أو الطائرات المدنية المحايدة أو المعادية, يجب أن يطلق سراحهم, ولا يجوز أن يقعوا أسرى حرب, ما لم تكن هذه السفن أو الطائرات قد ارتكبت عملاً يشار إليه في الفقرات 60 أو 63 أو 67 أو 70, أو يكون أحد أفراد طاقمها قد ارتكب شخصياً عملاً عدائياً ضد من أسروه.

167- يجب معاملة الأشخاص المدنيين, بخلاف أولئك المشار إليهم في الفقرات 162 – 166, وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م.

ترتيبا علي ما سبق ذكره من قواعد دليل سان ريمو، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلية ليس لها حق تفتيش والقبض علي سفن الحرية لأنها كانت تحمل مواد إغاثة إنسانية وهي سفن مدنية وليست عسكرية ، لذلك فتفتيش والقبض علي سفن الحرية، يعد مخالفة صريحة لقواعد دليل سان ريمون الملزمة طبقا للمادة الأولي من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م، الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والتي نصت علي (مبادئ عامة ونطاق التطبيق:1- تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم وأن تفرض احترام هذا الملحق “البروتوكول” في جميع الأحوال.2- يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها في هذا الملحق “البروتوكول” أو أي اتفاق دولي آخر, تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي كما استقر بها العرف ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام.

3- ينطبق هذا الملحق “البروتوكول” الذي يكمل اتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب الموقعة بتاريخ 12 آب/ أغسطس 1949 على الأوضاع التي نصت عليها المادة الثانية المشتركة فيما بين هذه الاتفاقيات.4- تتضمن الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة, المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية, وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير, كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.).

  ويعد قتل بعض ركاب سفن الحرية جريمة حرب وجريمة إرهاب فضلاعن كونها جريمة قرصنة كاملة الاركان، يجب محاكمة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية والوطنية، وقد رأي فقهاء القانون الدولي أن الاعتداء علي سفن الحرية جريمة قرصنة، وقد نظمت اتفاقية جنيف للبحار العالية الصادرة في فبراير 1958م نصوص خاصة بالقرصنة البحرية فأورد بالمادة (15) منها النص على أن 🙁 تتكون أعمال القرصنة من الأعمال التالي: 1- أي من أعمال العنف أو اعمال الحجز غير القانوني أو السلب التي يقوم بها بارتكابها الطاقم أو الركاب على سفينة خاصة أو طائرة خاصة لأغراض خاصة وموجهة:

أو ‌ضد سفينة أو طائرة في البحار العالية أو ضد الأشخاص أو الأموال في السفينة ذاتها أو في الطائرة ذاتها.

ب‌ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال في مكان يقع خارج نطاق الاختصاص الاقليمي لأي دولة من الدول.

2 –  أي عمل يعد اشتراكاً اختيارياً في ادارة سفينة أو طاشرة مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تمارس القرصنة.

3 – أي من أعمال التحريض أو التسهيل عمداً لأي من الأعمال التي ورد وصفها في الفقرة (1) أو (2) من هذه المادة.).

وقد أضافت المادتان (16 و 17) من اتفاقية جنيف السابق الاشارة إليها حالتين أخريين هما:

1 – أعمال القرصنة كما حددتها المادة (15) والتي ترتكب بواسطة سفينة حربية  أو سفينة حكومية ، أو طائرة حكومية تمرد طاقمها وتحكم في السيطرة عليها.

2 – تعد السفينة أو الطائرة من سفن أو طائرات القرصنة إذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها فعلاً يهدفون إلى استعمالها بقصد القاعدة ذاتها إذا كانت السفينة أو الطائرة قد استعملت لارتكاب أي من هذه الأعمال مادامت باقية تحت سيطرة الأشخاص المذنبين.

وقد اتفاقية الأمم المتحدة للقانون البحار لعام 1982م ( اتافاقية جامايكا لعام 1982م) علي جريمة القرصنة في المادتين (101 و 102) منها، فقد نصت المادة (101) علي (أي عمل من الأعمال التالية يشكل قرصنة: 1 – أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلب يرتكب لاغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة ويكون موجها:

 أ – في أعلي البحار ضد سفينة أو طائرة أو ضد أشخاص أو ممتلكات علي ظهر تلك السفينة أو علي متن تلك الطائرة.

ب – ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية اية دولة.

2 – أي عمل من أعمال الاشتراك الطوعي في تشغيل سفينة أو طائرة مع العلم بوقائع تضفي علي تلك السفينة أو الطائرة صفة قرصنة.

3 – أي عمل يحرص علي ارتكاب احد الأعمال الموصوفة في الفقرتين الفرعيتين أو يسهل عن عمد ارتكابها.)

المادة السابقة عرفت القرصنة بذكر الافعال المكونة للركن المادي للجريمة وتتمثل بالعنف والاحتجاز والسلب، وهذه الأفعال يكون الدافع من ورائها مغنم مالي، ووسعت المادة من الدافع وراء ارتكاب الجريمة بان اعتبرت ان القرصنة قائمة كجريمة حتي وان كان الفعل يدخل في إطار سياسي، والدليل علي ذلك وورد عبارة (لاعتبارات خاصة) بعد تعداد الأشياء التي تشكل جريمة القرصنة، كما اوضحت المادة ان مرتكب الفعل عادة يكون من طاقم السفينة.

 الا ان المادة وسعت من ذلك بان اعتبرت ركاب سفينة أو طائرة يمكن ان يعدو مرتكبين لجريمة القرصنة، ومن قرأءة المادة (101) من الاتفاقية نحد انها قصرت جريمة القراصنة علي السفن والطائرات الخاصة، ولكن الاتفاقية استدركت ذلك ونصت في المادة (102) منها علي (اذا ارتكبت اعمال القرصنة المعرفة في المادة (101) سفينة  حربية أو سفينة حكومية او طائرة حربية تمرد طاقمها واستولي علي زمام السفينة أو الطائرة اعتبرت هذه الاعمال في حكم الاعمال التي ترتكبها سفينة خاصة او طائرة خاصة).


[1] – راجع للمؤلف كتاب الحرب الأخيرة علي غزة في ضوء القانون الدولي المعاصر، دار ايتراك، القاهرة، عام 2009م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى