مقالات

قراءة هادئة في البيان المنسوب لهيئة “كبار” العلماء

عزت النمر

كاتب ومحلل سياسي مهتم بقضايا مصر والأمة
عرض مقالات الكاتب

بدأ البيان المنسوب لهيئة “كبار” العلماء بالسعودية بمُقدمة تناولت بعض الأثر حول النهي عن التفرق في الدين وعن اتباع السبل التي تؤدي اليه، وشملت تلك المقدمة آيات وأحاديث في الحض على وحدة المؤمنين وجماعتهم واعتصام الصراط المستقيم وما يستتبعه من النهي عن المذاهب والنحل المنحرفة عن الحق.

بعدها قفز البيان بهذه المقدمة الى نتيجة قال فيها: (فعُلم من هذا: أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبه وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة).

قفزة أخرى أشد من سابقتها بالتحذير من الإخوان المسلمين، معتبرها جماعة منحرفة، وفسر أسباب الانحراف تراتيبياً بمنازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية.

وكانت القفزة الكبرى حينما جاء في البيان أن تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، وأن من رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم.

ووصل البيان في النهاية الى نتيجة كان يسعى اليها من هذه القفزات الموجهة، هذه النتيجة نص عليها صراحة: أن الإخوان جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، ومن ثم طالب الجميع بالحذر منها وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها.

انتهى مضمون البيان، وثمة قراءة وازنة تتلخص في نقاط مهمة أتناولها من حيث الشكل والإخراج، ثم من حيث المحتوى والمضمون:

من حيث الشكل، فهو بيان عام سطحي لا يتسق مع مسمى الهيئة ولا يليق بتاريخها ورموزها السالفين.

يبدو كذلك من ظاهر البيان أنه أُعد خارج علماء الهيئة أو بعيداً عن إجماعاً لهم، إذ يظهر من الصياغة أنه صياغة اعلامية وربما أمنية؛ إذ أن وسم جماعة الاخوان بالإرهاب هو توصيف سياسي وإعلامي وليس توصيفا شرعياً يقدمه علماء “كبار”.

لذا فالأقرب عندي أن البيان حِيك في عُجالة لغرض ما ويخدم أحداث ما أو يشوش على شيء ما، وبذلك تصبح الجهة التي أصدرته هي أدرى بسبب هذا البيان وتوقيته والاستعجال فيه، سواء أكانت هذه الجهة في الرياض أو في أبو ظبي أو في سواهما.

هذه النقاط في شكل البيان وإخراجه تهين تاريخ هيئة “كبار” العلماء، وتزدري بلا مواربة العلم الشرعي والفتوى، وتضيف مزيد من السقوط السعودي في جانبه المحافظ، والذي ظل النظام السعودي يتدثر به طوال تاريخه ويحتفظ به كسبب وشرعية للحكم والمُلك. 

ننتقل الى مناقشة لمكنون ومضمون البيان:

أولاً: مقدمة البيان جاءت شديدة العمومية والسطحية، ومن ثم لا يمكن وفق أي تفسير علمي متزن، – أو رؤية شرعية صحيحة أو حتى فهم سليم- لا يمكن الارتكان اليها والوصول من خلالها إلى أي نوع من أنواع التحريم الذي وصلوا إليه.

ثانياً: ذهب البيان أن هذه الأمور تؤثر عل وحدة الصف حول ولاة أمر المسلمين، دون أن يتناول البيان من هم ولاة أمر المسلمين، باعتبار أن البيان يفترض أن وحدة الصف حول “هؤلاء” هي واجب شرعي. فهل يقصد محمد بن سلمان فقط أم أن السيسي وعيال زايد وغيرهم، خاصةً وأن المملكة ليس فيها تنظيم معلن للإخوان المسلمين “محل الاتهام أو الشكوى”.

رابعاً: سواء أكان المقصود المملكة فقط أو أي دول أخرى؛ فالبيان لم يحدد ما هي الأهلية التي تجعل من الحاكم ولياً شرعيا تجب طاعته، وإلى أي مدى تتحقق هذه الشروط الشرعية في ولي أو أولياء الأمر هؤلاء؟!.

خامساً: تناول البيان ما سماه الحق التي خرجت عليه الجماعة، ولم يفسر لنا البيان كنه هذا الحق أو صفته، ولا أعتقد أن محمد بن سلمان يمثلاً حداً أو حقاً شرعياً في ذاته، خاصة وأن الرجل غير مُجمَع عليه في إطار أسرته وعائلته، فكيف يطالب البيان الشعب السعودي -مثلاً- باعتباره الحق الذي لا يجوز تجاوزه والخروج عليه، وقل أكثر من ذلك في السيسي وابن زايد إن وسعنا الأمر.

سادساً.. فقرة أخرى لا تليق ببيان منسوب لـ “كبار” العلماء، وهي أن يصم تاريخ جماعة بأن ملئ بالشرور والفتن، وبنص البيان” أن من رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم”، بيد أن هذه الاتهامات الكبيرة لا يجب أن تطلق هكذا من غير إحصاء وحصر لوقائع مثبته ودلائل نزيهة مؤكدة مُجمع عليها.

وبالطبع لم يُذكر شيء من هذا في البيان، وإنما إلقاء للتهم على عواهنها ليس على المستوى المحلي والإقليمي فحسب بل على المستوى العالمي كما جاء في نص البيان، مع أن جرائم الرأي العام العالمية لم يتورط فيها فرد واحد من الإخوان المسلمين، بل ربما كان المتهمون في كثير منها من الجنسية السعودية، وليست أحداث 11 من سبتمبر أولها، وربما لن يكن آخرها جريمة قتل مواطن سعودي في السفارة السعودية وتقطيعه بالمنشار وإذابة جثته بالأسيد.

وأخيراً.. أعتقد أن صدور مثل هذا البيان ونسبته لهيئة تمثل كبار العلماء في المملكة يمثل جريمة في حق الهيئة وتاريخها، وإجرام أشد وإزدراء موجه لكل العلم الشرعي والفتيا، بل وسقطة مدوية للنظام السعودي في نسخته الحالية تضاف إلى سجل أسود يسطره محمد بن سلمان ويسود به وجه آل سعود أو ربما يكشف معدنهم.

وكلمة أقولها بمنتهى الإخلاص والصدق وأتوجه بها إلى العلماء الكبار بل إلى كل من يتصدى لأمر الإسلام والمسلمين:

إن الحديث عن الفتنة هو حديث عظيم وأمر جلل، فلا ينبغي أن نناور أو نتحزب في تناول أمرها وتقصي أسبابها، خاصة وأن عموم المسلمين ينتظرون كلمة العلماء في بيان الفتن وأسبابها.

وأُذَكِّر علماء الهيئة الكبار -لا الدخلاء المدسوسين- وأسائلهم باعتبار أن البيان محسوب عليهم جماعة وأفراد:

 أنتم تمثلون مَنْ؟!.. الدين والرسالة أم مؤسسة الحكم والنظام السعودي ؟! ..

ممن تخافون، ومَنْ أولى بتطبيق كلامه وطاعته، آلله أم محمد بن سلمان؟!..

أما وإنكم تخشون الفتنة وتخرجون بهذا البيان تخوفون الأمة منها؛ هل الفتنة تحدث بعموم بخروج الشعب على ولي الأمر، أم تحدث بخروج ولي الأمر على الله وعلى منهجه وصراطه المستقيم؟!.

ماذا قدم ولي أمركم في الداخل السعودي وماذا قدم معه عيال زايد في الامارات وسيسي مصر؟!

هل جاءوا لشعوبكم بالهداية والعفاف وبالدين ولاء وبراءً، أم أنهم جاء بالقتل والتفزيع والاعتقالات، وخارجياً بإهدار ثروات الأمة والتطبيع؟!.

هل الإصرار على تبعية هؤلاء على شرورهم والدفاع عنهم يجمع الأمة ويوحدها، أم يصرف الأمة عن رجالات العلم والشريعة ليضعوهم في سلة واحدة مع القتلة والمجرمين والعملاء؟!.

ما هي الصورة التي قدمها أولياء الأمر _هؤلاء_ للإسلام في الغرب؛ حين ينظر غير المسلمين والكفار إلى ولايتهم باعتبارهم نموذج للحكم في الإسلام، خاصةً وأنها ممهورة بتأييد علماء الإسلام الشرعيين وتمثلهم هيئة كبار العلماء.

كيف يرى الغرب غير المسلم سلوك ولي أمر “مؤيد بأعلى هيئة إسلامية” في قتله لجمال خاشقجي بهذه الصورة البشعة الخسيسة.

أهذه صورة مقبولة عندكم للحاكم المسلم تصدرونها للعالم؟!..

ألا تمثل تشويهاً للإسلام ومهد رسالته الأول؟!، أليست قادحة – على الأقل – في ولي الأمر المُلْهَم المنزه عندكم؟!

أي صورة تقدمونها لرسالة الإسلام الطاهرة السامية ولعلماء الإسلام باعتبارهم رموزه؟!؛ حين يراكم غير المسلمين و”الكفار” في الغرب وأنتم تتسترون على ذلك وتبررونه، بل وتدافعون عنه وتجرمون من يُنكِره.

راجعوا أنفسكم وأجيبوها اليوم قبل أن تتحملوا وِزْر هذا الجيل مسلميه وكافريه على السواء، والأمر لا يحتمل الصمت بل التبرؤ والتطهر.

يقيني – وأنتم أعلم- أن الفتنة الحقيقية ليست في جماعة الإخوان ولا مسلكهم ولا تاريخهم، وليست لا في اسلامهم الذي يجعل الحكومة جزء منه والحرية فريضه من فرائضه، وكرامة المسلم وحرمة دمه من أَجَّلِ المقدسات، إنما الفتنة الكبرى أن يصبح “أولياء أمر” في أمة الإسلام مجموعة من السفهاء والحمقى والعملاء والمعوقين، ثم يظاهر هؤلاء ويبرر إجرامهم من يتصف بالعلم الشرعي، بل ويجعل منهم الحق وما عاداهم الباطل.

لا شك أن الحياة قصيرة، وستدول الأيام وسينتصر الإسلام ويتمكن في الأرض بعز عزيز أو بذل ذليل، وسنذهب الى الله فرادى يحاسب كل منا عن عمله وحده.

نسأل الله أن يخرج أمته من هذه الفتن السوداء ويعصمنا بحكام يخافون الله، وعلماء يحيون فيها سيرة العز بن عبد السلام وأحمد بن حنبل.

اللهم بلغت اللهم فاشهد.

بقلم: عزت النمر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى