مقالات

الظاهرة الترامبية ومدلولاتها

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

يتفق معظم المراقبين، والمثقفين، والمحللين السياسيين على وصف شخصية ترامب بأنها مثيرة للجدل، وأنه أتى بالأشياء التي لم يأت بها أحد من قبله من رؤساء أمريكا، فقد اتسمت شخصيته بالنرجسية، ونهمه  للمال، وللجنس، وللسلطة بشكل مفرط، إضافة إلى إيمانه بتفوق العرق الأبيض الذي ينتمي إليه، ولم يستطع كبح جماح هذه الأمراض التي تلف شخصيته أثناء حكمه للولايات المتحدة الأمريكية، مديرًا ظهره، ومتنكراً لفحوى الوظيفة التي أسندت إليه، وهي خدمة الشعب الأمريكي والمساواة بينه، والسهر على أمنه، وأمانه طبقًا للقوانين والأعراف الأمريكية.

وقد صنفت الكتب الكثيرة حول شخصيته أثناء حكمه على خلاف المتعارف عليه في سنن من قبله، وكلها تتناول الرجل بالذم والهجاء المقذع، فمن وصفه بالغبي إلى وصفه بالديكتاتور في تعاطيه مع القضايا السياسية، إلى وصفه بضحالة الثقافة، وأنه لا يمكن أن يتمم قراءة مقالًا فضلًا عن كتاب، إلى وصفه بأنه قد أساء لسمعة أمريكا، وخالف كل ماهو مألوف، ومتعارف عليه في التعاطي مع الديمقراطية الأمريكية المتجذرة منذ مئات السنين في جسم المجتمع الأمريكي، ومن مثالبه أنه كان معجبًا بالزعماء المستبدين، وعمل على ترسيخ العلاقات معهم، ودعمهم، فقد مدّ حبال الوصل مع الرئيس الروسي، والصيني، وحكام الخليج ، بل إنه دافع عن ابن سلمان الذي قتل خاشقجي، ووفر له الحماية من القوانين الدولية، ووصف السيسي بأنه ديكتاتوره الصغير المفضل، وبدل أن ينتقد تلك الدول ذات الأنظمة الشمولية، والمنتهكة لحقوق الإنسان على عادة الرؤساء الأمريكيين من قبله، فقد أشاد بتلك الدول، وتأثر بها وراح يحاكي تجربتها، ولولا القيود، والأغلال القانونية التي تقف حجرعثرة أمام طموحاته، لسعى إلى تغيير هوية الولايات المتحدة، وذهب بها إلى ضفة تلكم الدول…

وثمة ممارسات كثيرة قام بها ترامب خلال فترة ولايته – لا يتسع المقام لسردها في مقال – ولكن اللافت للانتباه، على الرغم من كل الصفات التي صبغت شخصيته بتلك الألوان العجيبة، فقد تبين أن شعبية الرجل عارمة – مع أنه خسر الانتخابات –وحطمت الأصوات التي اختارته أرقامًا قياسية، فقد ناهزت السبعين مليونًا ممن يحق لهم التصويت، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المجتمع الأمريكي – على خلاف ما يصدّر إلينا – مأزوم، ثقافيًا، وأخلاقيًا، وسياسيًا…

من المعلوم أن أمريكا تعتبر قدوة شعوب العالم وحلم الشباب في الوصول إليها ، لما تتمتع به من تفوق عالمي على جميع المستويات، العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والحربية…

ولكن المدرسة الترامبية الجديدة – إن صح التعبير – وتلك الحشود التي أعلنت الانتماء إلى مناهجها، تبث رسالة مفادها أن الحضارة الأمريكية المعاصرة ليست صنيعة  تلاميذ هذه المدرسة ، وإنما ثمة ثلة قليلة متميزة في أمريكا أسند إليها تطوير هذه البلاد فوصلت إلى ما وصلت إليه.

ولا نغالي إذا قلنا أن بعض الدول التي تصنف من العالم الثالث، وتوصم بالجهل والتخلف والجمود و..

ربما تكون شعوبها متطورة أكثر من الشعب الأمريكي، لكن نظامها السياسي الاستبدادي، حال دون فسح المجال لتلك الشعوب لتحلق في سماء التطور والتقدم.

هل يمكن لتلك الظاهرة الترامبية أن تتبلور ويشتد عودها، وتغير وجهة أمريكا، أم أنها ستندثر، أو تتبخر بخروج ترامب من المشهد السياسي.

الأيام والشهور القادمة كفيلة بالإجابة عن تلك الأسئلة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السياسة الأمريكية الخارجية مرسومة بالخطوط العريضة وما على الرئيس سوى تنفيذها حرفياً إن كان بالترغيب أو الترهيب!
    ومن يعتقد أن هناك ديمقراطية حقيقية في أمريكا فهو واهم الرئيس الأمريكي يتم تعيينه من قبل المجمع الإنتخابي من جميع الولايات الأمريكية وما نراه من إنتخابات وضجة إعلامية لها هي عبارة عن إقتراع وليس إنتخاب.
    ولو لم ينجز ترامب المهام الموكلة اليه وزيادة لكان في فترة رئاسية جديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى