بحوث ودراسات

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في محبته – 5 من 27

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

موقع رسالة بوست ينفرد بنشر مؤلف د. أكرم كساب كل ثلاثاء وجمعة

المبحث الأول

الحب والمحبة تعريفات ومتعلقات

المبحث الأول

الحب والمحبة: تعريفات ومتعلقات

يجدر بنا في البداية: أن نتعرف على الحب في اللغة، والاصطلاح، وأن نذكر أنواعه.

أما في اللغة: فقد جاء في كتب اللغة ما يلي:

الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ.

والحُبُّ: الودادُ والمَحَبَّةُ، وكذلك الحِبُّ بالكسر.

وأَحَبَّهُ فهو مُحِبٌّ وهو مَحْبُوبٌ على غير قياس هذا الأَكثر.

والمحبَّةُ: اسم للحُبِّ.

والحِبابُ بالكسر: المُحابَّةُ والمُوادَّةُ.

وتَحَبَّبَ إِليه: تَودَّدَ.

وامرأَةٌ مُحِبَّةٌ لزَوْجِها ومُحِبٌّ.

والحِبُّ بالكسر: المَحْبُوبُ والأُنثى حِبَّةٌ، وجَمْعُ الحِبِّ أَحْبابٌ وحِبَّانٌ وحُبُوبٌ وحِبَبةٌ.

والحُبابُ بالضم: الحِبُّ. والأُنثى بالهاءِ.

والحُبابُ بالضم: الحُبُّ[1].

الحب والمحبة في الاصطلاح:

ذكر الإمام الهروي المحبة وعدّها إحدى (منازل السائرين) إلى الله رب العالمين، ثم جاء ابن القيم فأورد تعريفات عديدة للمحبة في كتابه (مدارج السالكين)؛ وسأنقل هنا عددا من هذه التعريفات:

قيل: المحبة: الميل الدائم بالقلب الهائم.

وقيل: إيثار المحبوب على جميع المصحوب.

وقيل: موافقة الحبيب في المشهد والمغيب.

وقيل: مواطأة القلب لمرادات المحبوب.

وقيل: استقلال الكثير من نفسك، واستكثار القليل من حبيبك.

وقيل: استكثار القليل من جنايتك، واستقلال الكثير من طاعتك.

وقيل: أن تهب كلك لمن أحببت، فلا يبقى لك منك شيء.

وقيل: أن تغار على المحبوب أن يحبه مثلك.

وقيل: إرادة غرست أغصانها في القلب؛ فأثمرت الموافقة والطاعة.

وقيل: غض طرف القلب عما سوى المحبوب غيرة، وعن المحبوب هيبة.

وقيل: ميلك للشيء بكليتك، ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرا وجهرا، ثم علمك بتقصيرك في حبه.

وقيل: المحبة نار في القلب تحرق ما سوى مراد المحبوب.

وقيل: المحبة سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه، ثم السكر الذي يحصل عند المشاهدة لا يوصف.

وقيل: أن لا يؤثر على المحبوب غيره، وأن لا يتولى أمورك غيره.

وقيل: الدخول تحت رق المحبوب، والحرية من استرقاق ما سواه.

وقيل: سفر القلب في طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام.

وقيل: المحبة أن يكون كلك بالمحبوب مشغولا وذلك له مبذولا.

وقال أبو بكر الكتاني: جرت مسألة في المحبة بمكة أعزها الله تعالى أيام الموسم، فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سنا، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي. فأطرق رأسه، ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبه أنوار هيبته، وصفا شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله، ولله، ومع الله.

قال ابن القيم: وهو من أجمع ما قيل فيها [2].

وهذه التعريفات على كثرتها ليس بينها كثير اختلاف، قال النووي: واختلفت عبارات المتكلمين في هذا الباب بما لا يؤول إلى اختلاف إلا في اللفظ[3].

المقصود بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم:

         ومن خلال تعريف المحبة؛ فيكون تعريف محبة الرسول صلى الله عليه وسلم: ميل القلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتفضيله على غيره من الخلق، وفداؤه بالغالي والثمين.

وما أود التنبيه عليه هنا: أن الحب الذي نعنيه ليس عاطفة مجردة، ولا كلاما تلوكه الألسنة، ولا معان تدغدغ بها العواطف، وإنما نعني به: موافقة أقوالنا وأفعالنا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة، وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يجب نفسه، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة[4].

ولذلك جاءت آية آل عمران توضح أن المتابعة شرط الحب؛ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(آل عمران:31)، قال القرطبي: قال الحسن وابن جريج: نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا: نحن الذين نحب ربنا. وروي أن المسلمين قالوا: يا رسول الله، والله إنا لنحب ربنا فأنزل الله عز وجل هذه الآية[5].

ويقول ابن كثير: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله[6].

ويقول الشنقيطي: يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – هي اتباعه صلى الله عليه وسلم، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر؛ إذ لو كان محبا له لأطاعه، ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة[7].

وقال سيد قطب: إن حب الله ليس دعوى باللسان، ولا هياماً بالوجدان، إلا أن يصاحبه الأتباع لرسول الله، والسير على هداه، وتحقيق منهجه في الحياة.. وإن الإيمان ليس كلمات تقال، ولا مشاعر تجيش، ولا شعائر تقام. ولكنه طاعة لله والرسول، وعمل بمنهج الله الذي يحمله الرسول… [8].

ولله در القائل:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه            هذا لعمري في القياس شنيع

إن كان حبك صادقاً لأطعته             إن المحب لمن يحب مطيع

وقال آخر:

من يدعي حب النبي ولم يفد           من هديه فسفاهة وهراء

فالحب أول شرطه وفروضه             إن كان صدقا طاعة ووفاء

بين محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم:

         ومحبة النبي صلى الله عليه تابعة لمحبة الله تعالى، إذ محبة الله جلّ وعلا أصل ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فرع، قال ابن تيمية: وليس للخلق محبة أعظم ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى. وكل ما يحب سواه فمحبته تبع لحبه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يحب لأجل الله ويطاع لأجل الله ويتبع لأجل الله. كما قال تعالى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ[9][10].

ويؤكد ابن القيم كلام شيخه ابن تيمية فيقول: وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة الله وتعظيمه؛ كمحبة رسوله وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لحب الله له، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له، فهي محبة لله، من موجبات محبة الله…[11].

الحب والمحبة في القرآن:

تكررت مادة (ح، ب، ب) في القرآن بصيغه المتعددة – فعلا واسما ومصدرا – عشرات المرات، قاربت المئة مرة، وبالتحديد ست وتسعين (96) مرة[12].

وفي هذه المرات لم ترد كلمة المحبة سوى مرة واحدة، ونسبت إلى الله تعالى، وجعلها لنبيه موسى عليه السلام قال تعالى:( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(طـه: 39).

من أحبهم الله:

 أما الحب فقد وصف الله به نفسه عشرات المرات، وأوضح الحق سبحانه من يحبهم ومن لا يحبهم، أما من يحبهم الله تعالى فهم:

المحسنون: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: 195) و(المائدة: 13).

(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 134، 148).

التوابون: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(البقرة: 222).

المتقون: ( فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(آل عمران: 76).

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: 4، 7).

الصابرون: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(آل عمران: 146).

         المتوكلون: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(آل عمران: 159).

         المقسطون: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين)(المائدة: 42) و(الحجرات: 9) و(الممتحنة:8).

المطهرون: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(التوبة: 108).

         الذين يقاتلون في سبيله صفا: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً)(الصف:4).

ويجمع هذا كله متبعو الرسول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31).

مَن نفى الله عنهم محبته:

وقد نفى الله حبه عن أصناف كرهها وأبغضها، وهم:

         المعتدون: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(البقرة: 190) (المائدة: 87). (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(الأعراف: 55).

الفساد والمفسدون: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)(البقرة: 205) (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(المائدة: 64). (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(القصص: 77).

         الكفّار الأثيم: ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)(البقرة: 276).

الكفار: (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)(آل عمران: 32) ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)(الروم: 45).

الظالمون: ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)(آل عمران: 57)و (آل عمران: 140). ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)(الشورى: 40).

المختال الفخور: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ  مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)(النساء: 36)و(لقمان:18) (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(الحديد: 23).

الخوان الأثيم:( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)(النساء: 107).

الجاهر بالسوء: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)(النساء:148).

         المسرفون: ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(الأنعام: 141) و(الأعراف: 31).

الخائنون: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)(الأنفال: 58).

المستكبرون: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)(النحل: 23).

الخوان الفخور: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)(الحج: 38).

الفرحين بمعصيتهم: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)(القصص: 76).


[1] لسان العرب / 289 وما بعدها، وتاج العروس/379 وما بعدها.

[2]  مدارج السالكين/ ابن القيم/ ج3/ 12 وما بعدها.

[3]  شرح النووي على مسلم(2/14).

[4]  تفسير القرطبي (4/ 60).

[5]  تفسير القرطبي (4/ 60).

[6]  تفسير ابن كثير (2/ 32).

[7] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن/ ط دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت/ ط 1995م (1/ 199).

[8] في ظلال القرآن (1/ 387(.

[9]  رواه البخاري الأيمان والنذور ( 6632) عن عبد الله بن هشام.

[10]  مجموع الفتاوى (10/ 649).

[11]  جلاء الأفهام/ ابن القيم/ 187/ ط دار العروبة – الكويت/ ط الثانية1987م.

[12]  المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم/ محمد فؤاد عبد الباقي/ ص243- 245/ ط دار الحديث القاهرة/ ط ثالثة 1991م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى