مقالات

من منا ليس إرهابياً؟!

محمد الأسواني

إعلامي مصري مقيم في النمسا
عرض مقالات الكاتب

إن المشكلة ليست في أن تكون إرهابياً فهذا حق إن أردت ذلك بشرط أن لا تظلم، و بحيث يكون الإرهاب بقصد الدفاع عن النفس، وحماية الديار من الأعداء، و المُغيرين ، و إن الطبيعة البشرية تحتم عليك أن تكون إرهابياً، و منذ أن خُلق الإنسان على وجه البسيطة، فهو صاحب خصال، ومن أهمها خصلة الإرهاب، فمن منا ليس إرهابياً ؟ كلنا بني البشر إرهابيون، والأسوأ في الإرهابي هو أن يكون أحياناً ظلومًا جهولًا أي: يستخدم أداة الترهيب في غير موضع مناسب، فإن الإنسان كثير ما يحمل بين عينيه نظرات تلازمه، ولا تفارقه وهى نظرات الانتقام، أو الثأر، وملامح الغيظ، والغضب، أو الاستكبار، وكل هذا يدخل في حيز الترهيب للآخرين ، وأما إن يكون إرهابه لغيره؛ لكونه مظلوماً، فعندئذ قد يتطور الأمر إلى ما هو أبعد من الإرهاب ما لم يجد شريعة عادلة تجلب له حقه ممن ظلمه ، وهكذا تطفو بين الفينة، والأخرى مظاهر قد يسميها البعض بالتلويح في استخدام القوة، وإن تلك القوة قد يصحبها العنف، والعنف ما هو إلا سلاح الشجب، والزجر بقصد التخويف عسى أن يحصل على مراده سواءً كان هذا المراد حقًا، أم باطلًا، وإن جميع تلك المظاهر تندرج تحت عنوان واحد ألا، وهو الإرهاب، فحينها يتزين الإنسان بقناع الإرهابي، ومن هنا نؤكد بأن علامة الجودة للإنسان أن يكون هكذا، ولا يُستثنى أحد من بني آدم من كونه إرهابياً، فمن  أولئك البشر من يستخدم الإرهاب؛ لإحقاق الحق، و وضع الأشياء في نصابها، ومنهم من يستخدم الإرهاب في البلطجة، والاغتصاب، والسلب، والنهب، فإن مصطلح الإرهاب لا معنى له سوى كونه، وبمعناه الحقيقي في قاموس لسان العرب  ( الإخافة أو التخويف ) أي إخافة الآخرين منه مستخدماً مظاهر القوة للتهديد في حال التعدي على قوانينه الخاصة به، فإن التلويح بإنزال العقوبة لا يكون إلا باستخدام أدوات التخويف كتنفيذ الجزاء الذى يترتب عليه الأشكال المختلفة من الإيذاء في حالة المخالفة، وعدم الاستجابة للترهيب بحيث يستجمع قواه، وقدراته كي يدخل الرعب، والهيبة على من حوله باستخدامه سلطان القوة، وهذا ما نجده داخل البيوت، حيث الأب، أو الأم مع أولادهم، أو المعلم مع تلاميذه، القائد العسكري مع جنوده، أو كل من هو في السلطة، أو في المسؤولية، وبذلك يكون الاستعراض الإرهابي الذى يمكنه تحقيق المصلحة، وما أجمل ذلك إذا ما كان صاحب حق، أو بغرض إحقاق الحقوق، فكل مالا تستطيع تحقيقه بالترتيب، فيمكنك تحقيقه بالترهيب، وهكذا الدولة مع مواطنيها، وهاهنا يمكننا القول بأن الإنسان لديه خصال يوصف بها، وتنسب له هي، من أهمها ذانك العنصرين الهامين الأول، وهو الترغيب، والثاني هو الترهيب، وهنا تكمل الصورة في كون الإرهاب أمر مباح، وشرعي في الأديان، والعادات، والأعراف، وأما أداة الإرهاب، فلها حدود، وتلك الحدود في إطار التخويف، وإدخال الرعب في الخصم، أو إن لم يكن خصم، فيكون ممن ترعاهم حتى يلتزمون حدودهم، إذن مفهوم الإرهاب هو لا يعدو كونه أكثر الترهيب أي ( التخويف أو التلويح باستخدام أدوات العقوبة ) و لا يتجاوز ذلك الحد، وأما ما إذا تخطى ذلك، ودخل في دائرة الاقتتال، والقتال هنا في لسان العرب لا يعدو كونه الدخول في مجابهة بين طرفين، وليس بالضرورة كل قتال يكون مميت؛ لأن لفظ القتل له معنى قريب، وهو، فقط الدخول في الحرب، و المواجهة، وأما المعنى البعيد، فيقصد منه الإماتة، فإن تحول الاقتتال إلى إزهاق للأرواح فعندها لا يسمى الإرهاب إرهاباً، ولكنه يوصف على وجه الدقة بأنه إزهاق للأرواح، وهنا يوجد نوعان من القتل ( قتل بغير حق، وقتل بغير عمد أثناء الدفاع عن النفس ) وحتى كلمة قتال في لسان العرب، وهو الشائع ليس معناه إزهاق الأرواح بل يقف المعنى عند حد المواجهة، والمجابهة، وصد الأذى من كل معتد أثيم، وإن كان في المعنى البعيد ترتب عليه إزهاق الروح، وهنا نتوقف عند معنى الإرهاب، وأما ما يحدث من اعتداء غاشم كما حدث من حروب للإبادة الجماعية من جراء سوء استخدام القوى الطاغية، والباغية، والمدمرة حينها لا يقال إن هذا إرهابًا، بل هو جريمة، ويوصف فاعلها بالمجرم، ويسمى الفعل بالإجرامى، وإن المجرمين لا تردعهم القوانين والشرائع، وقال عنهم رب العزة ( أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ) فهم أولئك المفسدين في الأرض الذين يتعمدون إبادة كل حي يعترض طغيانهم إذن هؤلاء هم المجرمون، ومن هنا نقول، فليعرف الناس ذلك الحد الفاصل بين الإرهاب، والإجرام، فإن الإرهاب هو، فقط التخويف، وأما سفك الدماء، فهو فعل الجرم بغير حق، وما أسوأ ذلك القاتل الذي يميت، ويقضي على كل حرث، و نسل، فإنه إفساد في الأرض، وإن جزاءهم كما قال رب العزة “ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)” و من المفسدين في الأرض أولئك الذين يدمرون البشرية من وراء حجاب، وعن بعد عبر الطائرات، والصواريخ، فإن ذلك الرامي لو عرف من هو مقتوله لما أقدم على ذلك، وأقل ما نصف ذلك بأنه ظالم، وحسب الشرع مجرمًا، والإجرام مرض غاشم لا تقبله الفطرة السليمة، ولا يقبله العقل الراشد، ولا يستأنسه إنسان، فإن موت الآلاف من البشر ظلمًا تحت أي مسمى يصبح قتلًا للإنسانية جمعاء، وإن صار الإنسان في فلك الثأر، والانتقام، فحينها تكون التهلكة، والدمار؛ لأن الثأر لا يتبعه سوى الانتقام إلا من تاب إلى خالقه من قريب، ثم عفا، وأصلح كما أوضح الله في شرعه، وهكذا يكون الإرهاب مباحاً في حالة الدفاع عن النفس، أو بقصد الردع، وإقامة العدل، يقول تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) ﴾ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى