بحوث ودراسات

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في محبته – 4 من 27

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

– مايكل هارت: صاحب كتاب (مائة رجل من التاريخ): إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي. فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها.

16- تولستوي (أديب عالمي): يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة.

17- شبرك النمساوي: إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته.

هذه هي بعض كلمات المنصفين من القوم، والتي تعبر فيما تعبر عن مدى أثر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليس على أمته فحسب، وإنما على العالم كله.

ثالثا: أسباب الإساءة

يتعجب المرء من الإساءة التي تعرض لها –وما زال- رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لكن العجب قد يزول إذا أدرك الإنسان أسباب هذه الإساءات المتكررة من صنوف متعددة وفئات مختلفة، ويمكن تلخيص أسباب هذه الإساءات فيما يلي:

1- الجهل:

من أهم أسباب الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل بشخصه وبدينه الذي جاء به، وقديما قالوا: إن من جهل شيئا عاداه، وقد رأينا الطفيل بن عمرو الدوسي يعادي النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لمجرد أن سمع عنه من كفار مكة، وقد لام نفسه على سوء صنيعه لسماعه، يقول ابن هشام راويا عن الطفيل: أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ الطُّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا، فَقَالُوا لَهُ: يَا طُفَيْلُ، إنَّكَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا، وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا، وَقَدْ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتْ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَلَا تُكَلِّمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ: فو الله مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلِّمَهُ، حَتَّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيَّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا  فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ: فَغَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَقُمْتُ مِنْهُ قَرِيبًا، فَأَبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفسِي: وَا ثكل أُمِّي، وَاَللَّهِ إنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ! فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ. قَالَ: فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، حَتَّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ قَوْمَكَ قَدْ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، للَّذي قَالُوا، فو الله مَا بَرِحُوا يُخَوِّفُونَنِي أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَكَ، فَسَمِعْتُهُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ. قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ. قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ[1].

والحق أن كثيرا من الإساءات التي تعرض لها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناتجة عن جهل المستهزئين به صلى الله عليه وسلم وبروائع شريعته، وهذا الجهل ناتج من تقصيرنا نحن المسلمين، أو هو جهل متعمد من أعداء الأمة الذين يعملون على طمس الحقائق وإشاعة الأباطيل، وتصوير النبي صلى الله عليه وسلم على عكس ما عرف به من طيب أخلاق وحسن عشرة وبديع معاملة وروعة دين وإحكام شريعة.

2- تقصير الأمة:

         ومن أسباب هذه الإساءات البالغة – كما ذكرت سابقا- تقصير الأمة بالتعريف بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فأمة الإسلام ما زالت حتى الآن مقصرة في نشر دينها، وتبليغ رسالتها، وتعريف الناس بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.

         إن عالم البشر الآن يقارب السبعة مليارات من البشر، يتجاوز عدد المسلمين منهم المليار ونصف المليار، وتبقى البقية الباقية لا تعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القليل، وهي في معلوماتها يحوطها التشويه، وأمتنا ما زالت حتى الآن مقصرة في تبليغ الرسالة إلى ما تبقى من عالم البشر.

إن أمتنا ما زالت تتناحر وتتشاجر فيما بينها وبين بعضها، هذا على مستوى الأفراد والجماعات والدول. لقد ابتليت الأمة على مستوى الأفراد بأشخاص أصيبوا بخلل في فهم الإسلام، فكبروا الصغير وصغروا الكبير، وحقروا العظيم وعظموا الحقير، وأقاموا الدنيا وأقعدوها من أجل مسائل خلافية يقبل الخلاف فيها؛ بل يستحيل رفعه، وهم بذلك أساوا إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام.

         كما ابتليت الأمة على مستوى الجماعات بمن يحتكر الصواب لنفسه، ويدعي استحواذ الحق وحده، ففسق غيره، وبدع الآخر، وادعى أنه المحق وغير المبطل، وأنه صاحب السنة وغيره مبتدع، فشوه صورة الإسلام من حيث لا يعلم.

         وعلى مستوى الحكومات فإن الأمة ابتليت بحكومات تقدم مصالحها المحدودة على مصالح الأمة مجتمعة، وغدا عِرْض قادتها أقدس من عِرْض أمتها، وذات الحاكم أقدس من ذات الرسول، فحاربت من أجل الكرسي، وتخاذلت في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.

         والحق أن الجميع تألم لظهور فيلم أو صورة تهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كم فيلما قدمناه ليعرض جميل خصال النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم فعاله؟

         وإلى كم لغة ترجمت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟

         وكم عدد البرامج التي تبث سيرة النبي صلى الله عليه وتعلم الناس أخلاقه؟

         وكم مؤسسة فاعلة تسعى لتجسيد منهج الإسلام على أرض الواقع؟

         إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مخزي.

         لذا فإن على أمة الإسلام أن تلوم نفسها قبل أن تلوم غيرها؛ لأنها أساءت إلى نبيها صلى الله عليه وسلم قبل أن يسيئ إليه غيرها.

 3- الحقد والحسد:

         ومن أسباب الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إمتلاء قلوب أعدائه حقدا وحسدا، والحقد جدير بأن يري صاحبه الحق باطلا، والحلو مرا، وقد قال الشاعر:

عجبًا لهذا الحِقد يجرِي مثلما

يجري صديدٌ في القلوب وقارُ

         وفي التنزيل يقول ربنا جل وعلا: {أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، وقد ذكر ابن إسحاق في أسباب غزوة الأحزاب قال: وَكَانَ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنْي قُرَيْظَةَ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسِلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، أَبُو رَافِعٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَبُو عَمَّارٍ، وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ. فَأَمَّا وَحْوَحُ، وَأَبُو عَمَّارٍ، وَهَوْذَةُ، فَمِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، فَسَلُوهُمْ: دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ فَسَأَلُوهُمْ، فَقَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمَّنْ اتَّبَعَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} إلى قوله تعالى:  {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}(النساء: 51)[2].

         إنه الحسد الذي أعمى القلوب والصدور، وقد تعجب سيد قطب من هذا الحقد فقال: يا عجباً! إنهم لا يطيقون أن ينعم الله على عبد من عباده بشيء من عنده.. فهل هم شركاؤه- سبحانه! – هل لهم نصيب في ملكه، الذي يمنح منه ويفيض؟ لو كان لهم نصيب لضنوا- بكزازتهم وشحهم- أن يعطوا الناس نقيراً.. والنقير النقرة تكون في ظهر النواة- وهذه لا تسمح كزازة يهود وأثرتها البغيضة أن تعطيها للناس، لو كان لها في الملك نصيب! والحمد لله أن ليس لها في الملك نصيب.. وإلا لهلك الناس جميعاً وهم لا يعطون حتى النقير!!! أم لعله الحسد.. حسد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، على ما آتاهم الله من فضله.. من هذا الدين الذي أنشأهم نشأة أخرى ووهب لهم ميلاداً جديداً، وجعل لهم وجوداً إنسانيا متميزاً ووهبهم النور والثقة والطمأنينة واليقين كما وهبهم النظافة والطهر، مع العز والتمكين[3].

         وهذا الحقد هو الذي أودى بالكثير إلى المهالك، ومنهم حيي بن أخطب، تقول أمنا صفية: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ أَبِي وَعَمِّي أَحَبَّ إِلَيْهِمَا مِنِّي، لَمْ أَلْقَهُمَا فِي وَلَدٍ لَهُمَا قَطُّ أَهِشُّ إِلَيْهِمَا إِلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَاءَ، قَرْيَةَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا إِلَيْهِ أَبِي وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخطب مغلسين، فو الله مَا جَاءَانَا إِلَّا مَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَجَاءَانَا فَاتِرَيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى، فَهَشِشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كنت أصنع، فو الله مَا نَظَرَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ يَقُولُ لِأَبِي: أَهْوَ هُوَ؟ قَالَ: نعم وَالله! قَالَ: تعرفه بنعته وَصِفَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ. قَالَ: فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاللَّهِ مَا بَقِيتُ [4].

وقد أودى الحقد والحسد بحيي بن أخطب إلى القتل في الدنيا والخزي يوم القيامة، ويذكر لنا ابن إسحاق نهاية حُيَيّ بْن أَخْطَبَ فيقول: أتي بِحُيَيّ بْن أَخْطَبَ عَدُوِّ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فَقَّاحِيَّةٌ -شَقَّهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ لِئَلَّا يُسْلَبَهَا- مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ. فَلَمَّا نَظَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللَّهَ يُخْذَلْ[5].

وما كان من ِحُيَيّ بْن أَخْطَبَ تنفس بمثله عبد الله بن أبي بن سلول، حتى رأيناه يدبر المكايد ويحيق المكر لاستئصال شأفة الإسلام، لأنه كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ملكا تجهز له، يقول سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ موضحا سبب حقد ابن سلوه وحسده: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ[6].

تلك هي أهم أسباب الاستهزاء والسخرية التي ظهرت وتظهر بسببها الإساءات المتكررة للنبي صلى الله عليه وسلم في القديم والحديث.. ونحن نعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من إساءة هؤلاء ونقول مع الشاعر:

يــا رســول الله عـــذرا        قالـت الدنـمـارك كـفـرا

قـد أســاءو حـيـن زادو        في رصيد الكفـر فجـرا

حاكـهـا الأوباش لـيــلا        و استحلوا السب جهرا

حـاولـوا النـيـل و لـكـن        قـد جـنـو ذلا و خـسـرا

كـيـف للنـمـلـة تـرجــو        أن تطـال النـجـم قــدرا

هل يعيب الطهـر قـذف        ممـن استرضـع خـمـرا

دولـــة نصـفـهـا شـــاذ         ولـقـيـط جـــاء عــهــرا

آه لـــو عـرفــوك حـقــا        لاستهامـو فيـك دهــرا

سـيـرة المـخـتـار نـــور       كيف لـو يـدرون سطـرا

لـو درو مـن أنـت يـومـا       لاستـزادوا منـك عطـرا

قـطـرة مـنـك فـيــوض         تستحق (العمر) شكرا

يـا رســول الله نـحـري        دون نحرك أنـت أحـرى

أنت في الأضـلاع حـي        لم تمـت و النـاس تتـرا

حبـك الـوردي يـسـري        في حنايا النفـس نهـرا

أنت لـم تحتـج دفاعـي         أنت فـوق النـاس ذكـرا

ســيـــد للـمـرسـلـيـن        رحمة جـاءت و بشـرى

قــــــدوة لـلـعـالـمـيـن        لو خبت لـم نجـن خيـرا

يــا رســول الله عـــذرا      قومنـا للصمـت أسـرى

نــدد الـمـغـوار مـنـهـم        يـا سـواد القـوم سكـرا

أي شـئ قــد دهـاهـم          مـا لهـم يثنـون صـدرا؟

لـم يعـد للصمـت معنـى       قـد رأيـت الصمـت وزرا

ملـت الأسـيـاف غـمـدا       ترتـجـي الآســاد ثـــأرا

إن حـيـيــنــا بـــهـــوان       كان جوف الأرض خيـرا

يـألــم الأحـــرار ســـب       لــرســول الله ظــهــرا

و يـزيــد الــجــرح أنــــا       نسـكـب الآلام شـعــرا

فـمـتـى نـقــذف نــــارا        تـدحـر الأوغــاد دحـــرا

يـا جمـوع الكفـر مـهـلا        إن بعـد العـسـر يـسـرا

إن بعد العسر يسرا[7]


[1]  سيرة ابن هشام (1/ 382).

[2]  سيرة ابن هشام (1/ 561).

[3]  في ظلال القرآن (2/ 683).

[4]  السيرة النبوية لابن كثير (2/ 298).

[5]  سيرة ابن هشام (2/ 241).

[6]  رواه البخاري في الاستئذان (6254) ومسلم في الجهاد والسير (1798). ومعنى (شَرِقَ بِذَلِكَ) غص حسدا.

[7] (http://montada.rasoulallah.net).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى