مقالات

المحددات المطلوبة في سجال المسلمين مع متطرفي الغرب

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

هناك تيارات متطرفة في العالمين الغربي والإسلامي لا تزال تنشط في مجال إشعال نيران الصراع الحضاري، وتستغل بعض الحوادث التي تقع هنا أو هناك من أجل تأجيج هذه النيران، وقد اندلعت موجة جديدة مع ما نُسب إلى شاب شيشاني من قتل لمدرس فرنسي قام بتصوير النبي صلى الله عليه وسلم في صور غير لائقة.
ومن أبجديات المنطق العقلاني أنه ينبغي التفريق بين المخاطبين في أي خطاب يتم توجيهه، حيث يختلف المخاطَب المسلم عن المخاطب الغربي بأمور كثيرة، ولذلك فإن من أهم المحددات والضوابط التي تنبغي مراعاتها في مخاطبة الغربيين، ما يأتي:

١ – استخدام المنهج العقلاني بكثافة في مخاطبة الغربيين بعيدا عن المفردات العاطفية ومشاعر الانفعال، وإبراز آداب الخطاب الموضوعي البعيد عن الشخصنة، والميل دوما إلى التدليل والبرهنَة واستخدام الحُجَج والوقائع الموثوق بها، مع معرفة تامة بالمزاج الغربي وطرائق التفكير ومراعاتها في الخطاب.

٢ – إدراك أن الغرب ليس شيئا واحدا، فقد وصف الله اليهود بقوله: {ليسوا سواء}، وهم أشد حقدا على المسلمين من غيرهم، بل إن الغرب منظومة معقدة من الأعراق والثقافات والأفكار والطوائف والمذاهب والقناعات والمصالح، وبينها اختلافات شاسعة.

٣ – التفريق الصارم بين اتجاهين رئيسين في الغرب وهما: الاتجاه الحضاري الذي تبرز فيه قيم المساواة والحرية والعدل والإنصاف والموضوعية، ويمتلك ناصية العلم وعلى قدر من الأخلاق والتعامل الإنساني الكريم مع غير الغربيين. والاتجاه الاستعماري الذي تملأ أصحابه أوهام التميز وأحلام الهيمنة، ويسعى بكل ما يمتلك من سطوة وقوة ومكر من أجل السيطرة على الآخرين، حيث ينبغي التفريق الحاسم بين البُعد الحضاري الذي ينبغي احترامه والتفاعل معه والسعي لمحاورته والتعاون معه في المشتركات الإنسانية والحضارية وبين البُعد الاستعماري الذي ينبغي فضحه بحكمة ومقاومته بمعرفة، وتحريض التيارات الإنسانية في الغرب ضده.

٤ – لفت أنظار الاتجاه الإنساني في المجتمعات الغربية إلى الصورة النمطية السيئة الظالمة للمسلم والحاضرة في الوعي الغربي ومجافاتها للموضوعية والعدل، حيث تقوم على الاستعلاء والتعميم، وتوفر أرضية خصبة لنمو النزعات العنصرية وإشاعة خطاب الكراهية، وطلب مساعدتهم في تجفيف منابعها ومحاصرة ناشريها؛ باستخدام الإعلام والعلاقات والضغوطات الاجتماعية والقوانين.

٥ – توظيف مفردات الخطاب الإنساني الذي لا يستخدم مصطلحات دينية ذات ظلال سلبية في الغرب، والتذكير دوما بالأخوة الإنسانية الجامعة، وإبراز الومضات الإيجابية في تأريخ الأمتين، مثل انفتاح الحضارة الاسلامية على الثقافة اليونانية واستفادتها من كل الحضارات السابقة ومعاملة المسلمين لغيرهم بقدر كبير من العدل بصورة تشبه المواطنة المتساوية في عصرنا، وإبراز ما استفادته الحضارة الغربية الحديثة من الحضارة الإسلامية، ولا سيما ما يتعلق بالمنهج التجريبي في العلوم، ورفض وساطة رجال الدين في العلاقة مع الله، ورفض الحكومة الثيوقراطية وصولا إلى الديمقراطية، مع التسلح بشهادات الغربيين المنصفين على ذلك دوما .

٦ – استحضار القواسم الإنسانية المشتركة، وإبراز مصالح الشعوب التي تكمن في التعاون البناء أو في التنافس التدافعي الشريف لا في الصراع المحموم والحروب الدموية التي تتلفع بثياب الدين وتتخفى تحت شعارات مضللة.

٧ – إبراز المفردات الإسلامية التي تعلي من شأن الأواصر الإنسانية والقيم الحضارية وما يتعلق بالمشتركات والتعاون الأممي والمصدرية الواحدة للبشر وللأديان؛ حتى يتأكد الغربيون أن هذا الخطاب أصيل في ديننا وليس ضرورة أملاها ضعفنا.

٨ – عقد المقارنات الموضوعية الدقيقة بين ما تحلى به المسلمون في عصورهم الذهبية من قيم عدالة وحريات ومساواة وما أنجزوه من حقوق في تعاملهم مع غيرهم، وبين ما فعله حكام الغرب أثناء الحروب الصليبية والغزوات الاستعمارية من ظلم وقهر ومعاملات دونية وإبادات جماعية.

٩ – استخدام لغة الأرقام ما أمكن إلى ذلك سبيلا، وذلك في الحديث عن موضوعات كثيرة تهم الغربيين مثل فوائد التعاون الحضاري وأضرار الصراع بين الأمم، ومثل أمراض التخمة التي صنعتها الهيمنة الاستعمارية والاحتكار، مقابل أرقام الفاقة والفقر والأمراض في الطرف الآخر من معادلة الاستغلال والاستعمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى