ماكرون المتخبط!

لا أحد يتمنى أن يكون مكان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فأزماته المتعددة داخليا وخارجيا كلفت فرنسا كثيرا، من تصادم مع المسلمين (الفرنسيين) إلى التصعيد مع تركيا في كل الملفات تقريبا، انتهاء بصعود “اليمين المتطرف” الممثل بمارين لوبيان. كل تلك الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنخر في الهيكل الفرنسي وتزيد من عزلته.
الصدام مع المسلمين واتهامهم بالإرهاب، هي سياسة ماكرون الجديدة، التي يسعى من خلالها جذب أصوات اليمين المتطرف، وخاصة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية، وتراجع شعبية ماكرون؛ بسبب الإدارة السيئة لملف “كورونا” المرافق بتراجع اقتصادي ملحوظ. هذه السياسة العنصرية تجاه المسلمين، يعتقد من خلالها ماكرون أنه سيكون الأوفر حظا من أي منافس على التجمعات اليمينية، بل يعتقد أنها تلهي الشعب الفرنسي عن قضايا كبرى، كالاقتصاد والصحة…
فرنسا الصدامية
برزت سياسة فرنسا الصدامية مع حليفتها تركيا بحلف “الناتو” فيما يتعلق بشرق المتوسط وليبيا وأرمينيا وسوريا، وأخذت هذه السياسة منحى تصعيدي خاصة في شرق المتوسط؛ حيث دعمت فرنسا اليونان عسكريا بطائرات “رافال” وعدد من السفن الحربية، إضافة إلى تأييدها الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على أنقرة. وفي أرمينيا دعمت فرنسا يريفان في أزمتها مع أذربيجان وسلحت جيشها، على الرغم من النفوذ الروسي في أرمينيا، وعلاقات أذربيجان المميزة مع الغرب.
أما سوريا، فسلحت “قوات سوريا الديمقراطية” وقدمت لها الدعم السياسي؛ في سبيل إقامة “كانتون” كردي يهدد أمن تركيا مستقبلا.
كل هذا التصعيد الفرنسي تجاه تركيا يعود لرؤية أن أنقرة هي العدو، ولا ضير في أن تتحالف فرنسا مع روسيا (العدو التقليدي للغرب) في سبيل مواجهة “التوسعات التركية”.
ففي ليبيا دعمت باريس خطوات موسكو العسكرية ضد “حكومة الوفاق الوطني” وضد الشرعية الدولية، في تعارض واضح مع المصالح الأوروبية والأطلسية وحلف الأطلسي.
ساهمت فرنسا أيضا بتقلبات المشهد الليبي منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي؛ حيث دعمت الحركة العسكرية لخليفة حفتر بالعتاد العسكري، فما كان من حفتر إلا بتعزيز تحالفه مع روسيا ومصر والإمارات؛ مما قلل من نفوذ فرنسا المباشر في ليبيا.
الانتقائية المستفزة
في آخر الصدامات والتخبطات “الماكرونية” أثارت الرسوم المسيئة للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم- موجة مقاطعة للمنتجات الفرنسية على مستوى العالم الاسلامي. وأحدثت تصريحات ماكرون المؤيدة للرسومات المسيئة موجة غضب عارمة في العالم الاسلامي، وطالب المحتجون الرئيس الفرنسي بالتخلي عن تأييد الرسومات ومعاقبة صحيفة “شارلي إيبدو”.
نستنتج مما سبق، بأن ماكرون متخبط في سياسته الخارجية بشكل لا تخطئه عين، فقد ورط فرنسا في مواجهات مع العالم الاسلامي، عدا عن الشرخ العميق الذي أحدثه داخليا في فرنسا؛ الذي يشعر فيه المسلمون بأنهم المقصود من كل سياسات ماكرون الداخلية، مع تزايد الهجمات العنصرية ضد المسلمين والكتابات العنصرية على مساجدهم.
في النهاية، يجب على العقلاء التدخل “للجم” تصريحات ماكرون المستفزة وضبط البوصلة الفرنسية بشكل صحيح، بعيدا عن الصدامية والمشاحنة التي تنتهجها فرنسا حاليا.