مقالات

الرُّسوم الكاريكاتوريّة الآثِمَة

عصام العطّار

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

هذِهِ مقالات قَديمَة كتبتُها ونشرتُها سنة 2006م وتناولتُ بها قضية الرُّسوم الكاريكاتوريّة التي رَسَمَتْها ونشرتْها أَوّلَ الأمر في الدانمارك صحيفةُ ” يلاندس بوستن “ أوسع الصحف الدانماركية انتشاراً تحت عنوان : ” وجوه محمد “ ، ثم أعادت نشرَها صحف أوروبية محترمة باسم التضامن مع حرية الرأي


الرسوم الكاريكاتورية الآثمة -1-

عصام العطار في 4 محرم 1427هـ 3/2/2006م

نحن من أقوى الناس إيماناً بالأخوة الإنسانية ، ووعياً بالمصير الإنسانيّ الواحد أو المشترك ، وحرصاً على التواصل الإنسانيّ والحضاريّ بين البشر ، والحوار الإيجابيّ المؤدّي إلى التعارف والتفاهم والسلام والتعاون على درء كلِّ خطر وتحقيق كلّ خير

ولا يكون الحوار مُجْدِياً إلا إذا كان صادقاً أميناً منصفاً صَريحا

أمّا الحوارُ الذي يُظْهِرُ ويُبْطِن ، ويَغُشّ ويَخْدع ، ويُمَوِّه ويُضلّل ، ولا يَنْسجم في أهدافه ومقاصده الحقيقية مع ما يُدَّعَى ويُعْلَن من المقاصد والأهداف ..
وأمّا الجهلُ والجبنُ ، والنفاقُ والرياءُ ، وما شابه ذلك من الصفات والأخلاق .. فهذا كلُّه مِمّا لا يَكشف وجهَ الحقّ ، ولا يوصل إلى تحقيق مصالح الأمم والشعوب والعالم الحقيقية ، ولا يرضي الله عزَّ وجلَّ

بهذه الروح ، وبهذه الوجهة من النظر ، نتناول قضية الرسوم الكاريكاتورية التي رسمتْها ونشرتْها أَوّلَ الأمر في الدانمارك صحيفةُ ” يلاندس بوستن “ أوسع الصحف الدانماركية انتشاراً تحت عنوان : ” وجوه محمد “ ، ثم أعادت نشرها صحف أوروبية محترمة باسم التضامن مع حرية الرأي ، وكلُّها رسوم جارحة شائنة

فمن هذه الرسوم على سبيل المثال رسم يمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورة قبيحة وفي عمامته قنبلة ، بما يرمز إلى أنه إرهابي مجرم ، وإلى أنه يخفي وراء عمامتهِ ورسالتهِ حقيقةَ الإرهاب والإجرام !!

ولو أنّ هذه الصورة القبيحة رُسمت لرئيس جماعة إسلامية ، أو فريقٍ إسلامي ، لانْحصر هذا الاتّهام – على قبحه وظلمه – في جماعة محدودة وفريق محدود .. أما أن يُتّهم به بالباطل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهو اتِّهام لكلّ مسلم على وجه هذه الأرض آمن بالرسول وبرسالة الرسول ، واقتدى بالرسول أو أحبّ الرسول ؛ ولكلِّ مسلم كان أو سيكون على وجه هذه الأرض ..

ولكن ما هو هدفُ هذه الصور الكاريكاتورية ؟ وما هي رسالتُها ؟ ولكلّ صورة كاريكاتورية كما هو معلوم رسالة وهدف ؟
لا نريد أن نرجم بالغيب ، ولا أن نحكم على النوايا ، ولكننا نستطيع أن نحكم على آثار أمثال هذا العمل ونتائجها : إنها تزيد معاناة المسلمين .. تزيد التّوَجُّسَ منهم ، والتشكيكَ فيهم ، وتهيئ الأجواء النفسية والاجتماعية والسياسية لمزيد من الإجراءات المهينة الظالمة ، والتمييز الدينيّ والعنصريّ في عدد من الدول والمناطق والمجتمعات ضدّهم

أمّا الصحف الأوروبية التي أعادت نشر هذه الصور باسم التضامن مع حرية الرأي – ونحن نحمل لأكثرها الاحترام والتقدير – فنحب أن نلفت نظرها إلى أن الصور التي أعادت نشرها ، وتضامنت معها ، لا تحمل رأياً موضوعياً نزيهاً ، ولا توصل إلى هدف نبيل مفيد ، إنّها شتائم .. شتائم صارخة وقحة ، وافتراءات وأباطيل ، فهل يجوز التضامن مع الشتائم والافتراءات والأباطيل ؟!!
ثمّ لماذا يُضيفون بإعادة النشر جراحاً إلى جراح بدل أن يأسوا الجراحات ويضعوا عليها البلسم ؟
لماذا يُعَمِّقون هذه الجراحات في النفوس والذاكرة والزمن ؟!
لماذا يستفزون المسلمين ويتحدّونهم ، بدل أن يحسّوا بإحساسهم ، ويشعروا معهم بشعورهم ، ويَمُدّوا لهم يدَ العون بما يُعَزّز الروابط الإنسانية معهم ، والثقة المتبادلة بينهم وبينهم ، ويساعد على تخفيف التوترات ، وحلّ المشكلات ، لمصلحة السلام والوئام والحوار والتعاون

إن المجتمعات الغربية والسلطات الغربية تدين – كما نقرأ ونسمع ونرى في التعامل مع المسلمين – كلَّ ما يُوَلِّد البغضاء والعداوة والصراع بين الحضارات والأديان والأعراق ، وتعاقِب على ذلك أو تُنذر على ذلك بالعقاب ، فهل أمثالُ هذه الصور الكاريكاتورية مما يُوَلِّد المحبة والوئام والتعاون والسلام ؟!!

إننا نستنكر هذه الصور الكاريكاتورية الآثمة المؤذية أشدّ استنكار بكل مقياس؛ ولكننا نطالب في الوقت ذاته المسلمين في كل مكان أن يعبّروا عن استنكارهم واحتجاجهم بالطرق السلمية القانونية ، وألاّ يأخذوا بأيّ حال من الأحوال بريئاً بذنب مذنب فـ „لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى“
ونطالبهم – كما يأمرهم بذلك إسلامهم – أن يحافظوا كلّ المحافظة على كلّ من يقيم بينهم من أبناء الدول التي نُشِرت فيها هذه الصور ، وعلى أموالهم وممتلكاتهم وسلامتهم وكرامتهم وسائر حقوقهم
وأن يحرصوا على إقامة الجسور بينهم وبين عالمهم ، وعلى الحوار المسؤول بينهم وبين غيرهم ، لإقامة الحق والعدل والإحسان بين البشر جميعاً ، لمصلحة البشر جميعاً ، في الحاضر والمستقبل
وندعو المجتمع الدولي ومؤسساته المختصة أن يَدرس ما حدث بمسؤولية وإنصاف وعمق ، وأن يَضع من الضوابط الواعية العادلة ما يحمي الحريات من جهة ، ويصون حرمات الأديان والمقدسات من جهة أخرى ، ويقلّص أسباب التنافر والتباغض والنـزاع والخصام
إنّها لَمسؤولية من أكبر المسؤوليات ، وأخطر المسؤوليات
مسؤوليةٌ راهنة لا تحتمل الإهمال أو الإرجاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى