مقالات

فحيح ماكرون

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

لا ريب أن فرنسا تعدّ واحدة من أسوأ الدول الغربية في التعامل مع مواطنيها المسلمين، نتيجة تبنّيها لنموذج متطرف في العلمانية استُخدم كمبرر للتمييز ضد مواطنيها والمقيمين على أراضيها، وبدعوى الاندماج ومحاربة التطرف ، و الخطورة في تصريحات “ماكرون” ليس في كونها نقداً لبعض المسلمين ولتصرفاتهم فماكرون ليس مفكّراً يطرح أفكاره للحوار وللنقاش، بل هو المسؤول الأول في بلدٍ يتراوح عدد المسلمين فيه بين خمسة إلى ستة ملايين،  ولم تأتِ تصريحاته ضد شريحة من المسلمين، بل جاءت ضد الإسلام كدين
تمهيداً لسن قانون ضد ما سمّاه ((الانفصال الشعوري)) حيث استغرق تحضيره أشهراً ويهدف حسب واضعيه إلى ((مواجهة التطرف الديني وحماية قِيم الجمهورية الفرنسية)) وهو يرمي إلى فرض رقابة أكثر صرامة وتقييداً على الجمعيات الإسلامية تحديداً وعلى المساجد، لذا كان لا بد من تمهيدٍ لتلك الخطوة بافتعال أزمة تدغدغ مشاعر الفرنسيين ولا شيء يخدمه في مشروعه القذر هذا أفضل من ركوب موجة “مكافحة التطرف والإرهاب” فهي دارجة و مضمونة النتائج .!
● من هو المأزوم ؟
إن أول دليل على أن الإسلام ليس في أزمة هو اضطرار رئيس “دولة عظمى” إلى التعليق والافتراء عليه، ولو كان الإسلام في أزمة وفي أفول لما استحق منه ومن غيره كل ذلك الاهتمام، ناهيكم عن الحرب المعلنة على الإسلام، سواء تحت اسم “الإرهاب”الذي هو من صنعهم وإنتاجهم، أو تحت مسميات أخرى عُقدت وتُعقد حولها العديد من المؤتمرات المعلنة وغير المعلنة للتآمر على هذا الدين.
● الخطة الخبيثة:
إن الحديث عن نظرية “صراع الحضارات” و”الخطر الأخضر” و”الإسلاموفوبيا” دليل على أن الإسلام لا يعيش أزمة بل على العكس من ذلك، فهو يعيش تصاعداً وانتشاراً وقوة تخيف وترهب من يتربصون به ، وهذا بالضبط هو سر اهتمامهم بالتآمر عليه ومحاولات تشويهه التي استمرت منذ أن انبلج فجرُه وحتى يومنا هذا ، والتي تزايدت مع تزايد انتشاره واقتناع الكثيرين من علماء اقتصاديبن واجتماعيين بأنه الحل الأنجع وأنه السبيل الأوحد للانعتاق من براثن الماديّة القذرة التي ابتلي بها العالم والتي نَشرَت الفقر والعوز والحروب والكوارث، وبعد أن فشلت محاولاتهم الحثيثة قديماً في تحريف القرآن -ذلك الكتاب الذي تعهد الله بحفظه- انتهوا إلى قناعة بأن سبيلهم الوحيد يكمن في اختراق المسلمين وإبعادهم عن هذا الدين من خلال الطعن برموزهم وعلمائهم وذلك بتحضير ودس شخصيات تابعة لهم ليتقمصوا دور الدعاة حيث فتحت المنابر الإعلامية لهم وتم دعمهم وتلميعهم وترويجهم ، ومن ثم تكليفهم بمهمة الطعن بأصول الدين وثوابته ورموزه وأئمته ، فإن لخطتهم الخبيثة تلك احتمالين وكلاهما يخدمان مخططهم :
الأول أن ينجح مروّجوها في إقناع العامة بضرورة “تحديث” و “تحرير” الفكر الإسلامي وهو هدفهم الأساس الذي يمهد لتهجين الدين وتدجين أتباعه .
أما الاحتمال الثاني -إن فشِل عملاؤهم في إنجاز المهمة وكُشفت غايتهم- يكونوا قد قدموا الصورة السيئة المشوهة في نفوس العامة عن قدوات الدين الإسلامي ودعاته ورموزه .. فيكونوا بذلك أنجزوا قسماً كبيراً من خطتهم الخبيثة في كلتا الحالتين .
●هل المسلمون في أزمة
لا ريب أن المسلمين اليوم في أزمة وأزمتهم تلك ليست جديدة ، لكن الثابت أن أبرز أسبابها هو التدخّلات الغربيّة ذات الطّابع الاستِعماري في شُؤون الدّول الإسلاميّة
مَن الذي يَقِف خلف الإرهاب الإسرائيلي ؟
ومن الذي زوّد “إسرائيل” بالأسرار التي مكّنتها من إنتاج أسلحة نوويّة؟
ومن الذي احتلّ العِراق وقتل مِليونين من أبنائه ؟
ومن الذي موّل وسَلّح الجماعات المُتطرّفة في سورية وغيرها، وحوّل ليبيا إلى دولةٍ فاشلةٍ، وشرّد نِصف شعبها، وفتح الباب على مِصراعيه لنَهبِ مِئات المِليارات مِن ثرواتها وأرصِدَتها؟
ثم من الذي يتعمد الإساءة إلى المسلمين من خلال ازدراء عقيدتهم و رموزهم الدينية المقدسة ؟
وهل ما سلف ذكره يدخل في إطار “حرية التعبير” أم حرية الاعتداء والإساءة ؟
● هدفهم الأهم :
الذي أرعبهم وقض مضاجعهم هو أن الإسلام حقائق وجودية خالدة تملك حلاً للمشاكل المستعصية على السلطات وعلى القوانين الوضعية، فهو دين الله وليس نظام حكم يعتمد على مزاج الناخبين و تزييف الوعي، فقد ثبت أن الإسلام هو الحضور المستمر للعقل والبرهان وحماية الإنسان والإنسانية دون تمييز أوتفرقة ، ولا شك أن تعارضه مع قيمهم المشوهة وانحلالهم وتسلطهم وجشعهم وتعاليهم هو ما جعله الهدف الأول والأهم لعدائهم الممنهج لكل من يعتنقه صافياً .. نقياً .. واضحاً كما أُنزِل ، ووقتئذٍ بدأت تحاك خيوط المؤامرة على الإسلام .. وما زالت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى