مقالات

الدين الإبراهيمي الجديد (1)

د. عطية عدلان

مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات – اسطنبول
عرض مقالات الكاتب

الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..

لماذا خَصّ الله إبراهيم عليه السلام بهذه المكانة فجعله قِبْلَةَ المسلمين وقدوة وأسوة لهم؟

ولماذا وُصف إبراهيم عليه السلام على وجه الخصوص بهذا الوصف الفيّاض بالمعاني: (حنيفاً)؟

ولماذا تناول القرآن قصة إبراهيم عليه السلام بطريقة مختلفة؛ تركز على تحليل الشخصية وإبراز مقوماتها؟

ولماذا يَرْكَبُ “المغضوبُ عليهم” و”الضالون” كلّ سبيل لإثبات أحقيتهم بإبراهيم عليه السلام؟

   فمِنْ بَين جميع الأنبياء؛ خَصّ الله إبراهيم عليه السلام بهذه المكانة؟ فالأصل أنّ أنبياء الله جميعاً موضعُ القدوة ومحلُّ الأُسوة: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90)، لكنَّه خُصَّ بتكرار التأكيد على أن يكون قدوة وأسوة للمسلمين يتبعون هداه ويقتفون أثره ويعتصمون بملّته، حتى صار ذلك شائعاً ذائعا في القرآن الكريم: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (النساء: 125)، (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (آل عمران: 95)، (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (الأنعام: 161)، (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (البقرة: 135)، (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (النحل: 123)، فلماذا وقع هذا التخصيص في كتاب الله عزّ وجلّ؟

   ومِنْ بَينِ جميع الأنبياء؛ يوصف إبراهيم عليه السلام بهذا الوصف الفيّاض بالمعاني: (حنيفاً)، ويأتي ذلك في آيات كثيرة ومناسبات عديدة، منها جميع الآيات السابقة، ومنها آيات أخرى، مثل: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) (النحل: 120)، (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا) (الأنعام: 79)، والحنيف هو المائل عن الباطل إلى الحق، والمستقيم على الحق بمنأى عن الباطل وأهله، والحنف ميل في القدم، فاسْتُعير هذا الوصف للدلالة على حالة يكون فيها الإنسان الفذُّ خارجا على الجاهلية الْمُطْبِقَةِ وعلى الباطل الضَّارب بأطنابه؛ فيكون دائما ميالا إلى الهدى والرشاد، نزّاعا نحو الحق والعدل والسداد، وهذا وصف شريف خُصَّ به أبو الأنبياء وإمام الحنفاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، فلماذا وقع هذا؟

   ومن بين جميع الأنبياء؛ يتناول القرآن قصة إبراهيم عليه السلام بطريقة لا تركز على الأحداث بقدر ما تركز على تحليل الشخصية وإبراز مكوناتها، فجميع قصص الأنبياء تركز على الإحداث وتترك معرفة طبيعة الشخصيات ومكوناتها لمهارة المتلقي في التحليل والربط والاستنباط، أمّا شخصية إبراهيم عليه السلام فالقرآن يتولى بنفسه بيانها وعرض مكوناتها والغوص في طبيعتها، فمفتاح شخصيته هو الصبغة الحنيفية؛ لذلك تكررت هذه الصفة في أغلب المواقف التي يذكر فيها، وملامح شخصيته تأتي مصرحا بها ومدعومة بالمواقف المثبتة لها.

   فمن جهة الطبيعة العقلية والفكرية فقد آتاه الله رشده فبلغ به قمة العقل والمنطق والإبداع في المحاججة والإقناع، ففي صباه يبلغ بالنظر والملاحظة والاستقراء الغايةَ التي تاقَتْ إليها نفسه وانطوت بعشقها جوانحه وهي “الحقيقة اليقينية”: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)) (الأنعام: 75-79).

   وفي سياق إقامة الحجة على قومه يأخذ خطوة أبعد ليبلغ المنتهى بتعجيز الخصوم عن مواصلة الحجاج: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) (البقرة: 258) (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)) (الأنبياء: 63-67).

   ومن جهة التكوين النفسيّ والخلقيّ فهو كما أخبر القرآن: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (هود: 75) (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 114)، وهو كثير اللجأ إلى ربه، إلى حدّ أنّه أكثر الأنبياء دعاء في القرآن، من مثل: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)) (إبراهيم: 35-41)، فلماذا هذا التركيز على تحليل شخصية إبراهيم عليه السلام؟!

   ومِنْ بَيْنِ جميع الأنبياء؛ يَرْكَبُ المغضوبُ عليهم والضالون الصَّعب بادعاء أحقيتهم بإبراهيم عليه السلام، بينما القرآن يتصدى لمحاولاتهم البائسة؛ فيحبطها ويبطلها ويجعلها كقلاع خيبر بعد فتحها، أو كأسوار القسطنطينية بعد اقتحامها، وذلك في آيات محكمات: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)) (آل عمران: 65-68)، فلماذا كل هذا؟!

   الإجابة على كل هذه الأسئلة واحدة؛ لأنّ السبب لكل هذه الظواهر واحد، وهو أنّ محور الصراع كان – ولايزال – يتخذ من إبراهيم عليه السلام وملته ووعده بالإمامة والخلافة نقطة ارتكاز ومنصة انطلاق، فالكل يدّعي أنّه على دين إبراهيم وأنّه أولى الناس به، ومن ثم فهو الأحق بالوعد الذي يكون لذرية إبراهيم، ذلك الوعد الذي ذكر في هذه الآية المحورية من سورة البقرة: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124)، فالوعد لإبراهيم بالإمامة على البشرية والخلافة على منهج الله تعالى امتدّ في ذريته من بعده، ولكنّه لا ينال الظالمين منهم، فلمّا كان بنو إسرائيل أفضلَ أهلِ زمانهم آتاهم الله المنهج واستخلفهم عليه وجعلهم بهذا أئمة: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (الجاثية: 16)، (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف: 137).

   لكنّ بني إسرائيل غيروا وبدلوا وحرفوا؛ ولم يعودوا بهذا الظلم الكبير مؤهلين لحمل أمانة هذا المنهج، وقد قصت علينا سورة البقرة وسورة الأعراف كثيرا من فعالهم التي أَخَّرتهم كثيرا عن رتبة الانتساب إلى إبراهيم ومن باب أولى عن رتبة استحقاق وعد الله لإبراهيم، فانتقل هذا الوعد إلى الطرف الآخر من ذرية إبراهيم عليه السلام، وهو ذرية إسماعيل؛ لذلك بعد تلك الآية المحورية الفاصلة من سورة البقرة جاء ذكر إبراهيم مع ولده إسماعيل في سياق التأهيل والإعداد لمسئولية هذا الوعد: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) (البقرة: 127-129)، فقد سبق في علم الله تعالى أنّ هذه الإمامة سوف تنتقل من ذرية إسحاق إلى ذرية إسماعيل لتَحِلَّ على هذه الأمة العظيمة أمة الإسلام.

   وإذا كان الإسلام بمعناه العام – الذي يعني الانقياد لأمر الله والاستسلام لشرعه – هو دين كل الأنبياء؛ فإنّ تركيز السياق الذي أعقب ما أوردنا من الآيات على أنّ دين إبراهيم وبنيه جميعاً هو الإسلام يحمل فوق هذا المعنى العام فحوى خطاب يشي بأنّ الصلة بين إبراهيم والأمة الإسلامية أوثق من كل صلة أخرى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)) (البقرة: 130-133).

   وعبثا يحاول أهل الكتاب التشبث بالادعاء الكاذب؛ فتزعم كل فرقة منهم أنّهم أحق بإبراهيم، فينزل القرآن ليحسم الأمر في آيات غاية في الصرامة والإحكام: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)) (آل عمران: 65-68).

   من هذا السياق يتضح لنا بيقين أنّ أولى الناس بإبراهيم عليه السلام ليس اليهود ولا النصارى ولا غيرهم، إنّما هم المسلمون، بل إنّ المسلمين يحتكرون هذه الصلة وهذه النسبة؛ إذْ إنّ الانتساب لحملة المنهج الربانيّ يكون بحمله وصيانته لا بتبديله وتحريفه وتزييفه مع التعلق بالنسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى