بحوث ودراسات

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في محبته – 1 من 27

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

موقع رسالة بوست ينفرد بنشر مؤلف د. أكرم كساب كل ثلاثاء وجمعة

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين….

أما بعد

    فتعد شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبرز الشخصيات التي كُتب ويُكتب عنها، وتُحدث ويُتحدث فيها. كما أنها أبرز الشخصيات شهرة في الغرب والشرق، والشمال والجنوب، وفي القديم وفي الحديث. ومن هنا فلا يفتأ الكتاب أن يكتبوا عن هذه الشخصية ذات الأثر العظيم، سواء من آمن به، أم لم يؤمن به.

وفي الآونة الآخيرة برز الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بصور جديدة، منها الكاريكاتير، ومنها الفليم، إلى غير ذلك من وسائل التعبير الحديثة. وقد حدث أن أقحم أحد الرسامين الدنماركيين شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في مسابقة لا أخلاقية، أساء فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون أن يكون هناك أي نوع من أنواع الاحترام والتقدير؛ لا لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، ولا لمشاعر ما يقرب من ثلث سكان البسيطة!

واعتبر الكثير من الغرب أن هذا وأضرابه يدخل فيما يعرف عندهم بحرية الرأي والتعبير.

وقد كانت البداية حين نشرت صحيفة (يولاندز بوسطن) الدنمركية يوم الثلاثاء 26/شعبان/1426هـ الموافق30/9/ 2005م اثني عشر رسماً كاريكاتيريا تسيء للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم. ومع الرسوم نشرت الصحيفة تعليقاً لرئيس تحريرها يعتبر فيه تعظيم المسلمين لنبيهم صلى الله عليه وسلم ضرباً من (الهراء الكامن وراء جنون العظمة) ودعا إلى فضح ما أسماه (التاريخ المظلم) لنبيِّ الإسلام، وتقديمِهِ إلى الرأي العام في صورته الحقيقية التي عبرت عنها الرسوم المنشورة !

(اثنتا عشر) رسماً كاريكاتيرياً ساخرا.. بمن يا ترى؟!

بأعظم من وطأت قدمه الثرى؛ بسيد البشر في الدنيا، وخيرهم يوم القيامة.

بعظيم العظماء، وبطل الأبطال، وسيد السادة.

بأفضل المصلحين، ومنقذ البشرية، ومعلم الجهلاء، وهادي الحيارى.

بإمام الأنبياء وسيد المرسلين… محمد صلى الله عليه وسلم.

لقد بلغت الصور مداها في الشر، فكانت صورا- ما يميزها – أنها جمعت بين الوقاحة والإسفاف، والبذاءة والافتراء؛ وقاحة الكفر وإسفاف أهله، وبذاءة الشرك وإفتراء ذويه.

لقد أظهروا النبي صلى الله عليه وسلم  في إحدى هذه الرسومات وعلى رأسه عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه!! وكأنهم يريدون أن يقولوا: إنه مجرم حرب؛ (كبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)(الكهف: 5) ثم جاءت جريدة (ماجزينت) النرويجية لتنكأ الجراح، وتشن الغارة من جديد، فتعيد نشر الرسوم البذيئة التي نُشرت في المجلة الدنمركية من قبل! وكأنها لا تعبأ هي الأخرى بمشاعر الأمة التي آثرت السلامة فسكتت، وما كان لها أن تسكت.

ولم تكن هذه الرسوم هي بداية التطاول، وإنما هي استمرار لحرب قديمة[1] حديثة، ومن ذلك:

 1- صدور كتاب باسم “نبي الخراب” Prophet Of Doom – بعد أحداث 11 سبتمبر لمؤلفه كريج ونن Craig Winn الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم   بقاطع طريق استعمل العنف والغدر للوصول إلى الحكم والسلطة، وكان أيضا حسب زعم المؤلف شاذًا جنسًيا ! والكتاب حقق مبيعات خيالية!!

2- أدلى النائب عن حزب الشعب الدانمركي مارتين هنريكسن بتصريح بثه على موقعه الإلكتروني، جاء فيه إن الإسلام منذ بداياته كان عبارة عن شبكة إرهابية. ووصف المسلمين المنحدرين من جذور دانمركية بأنهم: أناس ساقطون أخلاقياً، إلى مستوى يصعب وصفه، وأنهم يخونون جذورهم وإرثهم الحضاري باعتناقهم الإسلام.

 3- وهذا “بورتز ” يقول: أعتقد أن المسلمين لا يأكلون أثناء النهار في رمضان. إنهم يصومون خلال النهار ويأكلون بالليل. (إنهم) نوع من الصراصير.

والحق أن هذه الرسوم والتصريحات- وغيرها من السفاهات والبذاءات – لم تنل من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فأنى للجبل أن يطاوله الأقزام، أو للكريم أن يسبقه اللئام، وصدق الله إذ يقول: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(التوبة:32).

         ولا يسعنا إلا أن نقول كما قال الأعشى:

ألست منتهيًا عن نحتِ أثلتِنا

ولستَ ضائرَها ما أطَّتِ الإبلُ

كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنَها

فلم يضِرْها وأوهى قرْنَهُ الوَعِلُ

أو كما قال الحسين بن حميد:

يا ناطح الجبل العالي ليكلمــــه      أشفق   على الرأس لا تشفق على الجبل

وكما قال أبو العلاء:

فَوَا عَجَبًا كَمْ يَدَّعِي الفَضْلَ نَاقِصٌ

وَوَا أَسَفًا كَمْ يُظْهِرُ النَّقْصَ فَاضِلُ

إِذَا وَصَفَ الطَّائِيَّ بِالبُخْلِ مَادِرٌ

وَعيَّرَ قُسًّا بِالفَهَاهَةِ بَاقِــــلُ

وَقَالَ السُّهَى يَا شَمْسُ أَنْتِ خَفِيَّةٌ

وَقَالَ الدُّجَى يَا صُبْحُ لَوْنُكَ حَائِلُ

فَيَا مَوْتُ زُرْ إِنَّ الحَيَاةَ ذَمِيمَةٌ

وَيَا نَفْسُ جِدِّي إِنَّ دَهْرَكِ هَـازِلُ

    وليت الأمر وقف عند هذا الحد، وإنما كانت الداهية الدهماء، والجريمة النكراء: أن أعادت (17) صحيفة دنمركية هذه الرسوم مرة ثانية، تضامنا مع الرسام الذي اتُهم بعض المسلمين في الدنمارك من أصول عربية بالتخطيط لقتله، على الرغم من تبرئة القضاء الدنمركي لهم.

وفي الوقت الذي كاد المسلمون يتناسون إساءة الدنمارك للنبي صلى الله عليه وسلم فوجئوا بمجموعة من السفهاء تنتج فيلما مسيئا لا لنبي الإسلام فحسب؛ وإنما لنبي الإسلام ولدين الإسلام وللمسلمين كذلك.

وخلاصة الفيلم أن بعض الباحثين عن الشهرة يتقدمهم عدد من أقباط المهجر، وعلى رأسهم عصمت زقلمة، الداعى إلى تقسيم مصر ورئيس الدولة القبطية المزعومة، وموريس صادق أحد المحامين الأقباط، الذى لا ينفك يهاجم مصر فى كل المحافل الدولية، ويؤلب الدول الخارجية ضدها، ومعهما القس الأمريكي تيرى جونز الذى أحرق المصحف أكثر من مرة، عمد هؤلاء إلى إنتاج فيلم عن محمد صلى الله عليه وسلم يتضمن إساءات بالغة وتجن كبير على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

وعمد القائمون على الفيلم إلى تصوير المسلمين باعتبارهم مجموعة من الإرهابيين، وأنهم يتحملون وزر أحداث وهجمات 11 سبتمبر، فضلا عن تصويرهم النبي صلى الله عليه بأنه رجل شاذ جنسيا، ومفتون بالعملية الجنس، ومتعطش لسفك الدماء، بل صور الفيلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه ولد زنا.

وقد تعددت ردود الفعل تجاه هذه الجريمة النكراء، كان منها المقبول شرعا وعرفا وقانونا، ومنها ما لم يكن كذلك، منها ما كان بقصد ومنها ما كان بغير قصد، وقد كتبت هذه الكلمات معبرا عن الحب الدفين تجاه أفضل شخصية عرفها التاريخ كله، من آدمها وحتى الآن…. وإلى قيام الساعة.. صلى الله عليه وسلم.

وقد جعلت هذا الكتاب على النحو التالي:

مقدمة.

تمهيد.

المبحث الأول: الحب والمحبة: تعريفات ومتعلقات.

المبحث الثاني: مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم.

المبحث الثالث: نماذج من فداء الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث الرابع: نماذج من محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث الخامس: نماذج للحب والطاعة في عالم الحيوان والنبات والجماد.

المبحث السادس: ثمار محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث السابع: من شهد لهم الرسول بالحب.

المبحث الثامن: الوسطية في حب النبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث التاسع: مظاهر الجفاء.

المبحث العاشر (الخاتمة): نصرته صلى الله عليه وسلم بما وكيف؟

وأخيرا: فما كان من توفيق فمن الله وحده، فهو صاحب النعم والجود، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}(إبراهيم:34)، وما كان من خلل أو زلل، أو خطأ أو خطل، فبما كسبت يداي {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }(الشورى:30). ذلك أن قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أن يجمع في مثل هذه الورقات، ولا يسعني إلا أن أردد قول الشاعر:

عذراً رسول الله إن قصرت في وصف

فإن جمالكم لن يوصفا

والله لو قلم الزمان من البداية

للنهاية ظل يكتب ما كفى

يكفيه لقيا في السموات العلى

وبحضرة الرب الجليل تشرفا

يكفيه أن البدر يخسف نوره

لكن نور محمد لا يخسـفا

وتمر الأيام ويأتي (ماكرون) رئيس فرنسا ليسيء إلى الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فيزعم أن الإسلام يعيش في أزمة، ويؤكد أن الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم التي نشرتها إحدى الصحف المغمورة في فرنسا لن يمنعها أحد، وأن ذلك من حرية التعبير، والمصيبة هنا أن هذا الكلام صدر من رأس الدولة في فرنسا.
لذا كان حقا علينا أن نعلم كيف نتعامل هع هذه الإساءات وهذا التطاول، ونعلم ما هو دورنا تجاه الحبيب صلى الله عليه وسلم…

الفقير إلى عفو ربه

أكرم عبد الستار كساب


[1]  سيأتي الحديث عن ذلك قريبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى