مقالات

لغة قرآنكم أيها اللاجئون..

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

إذا أرادت دولة مستعمرة أن تفرض سيرتها، ونفوذها، وإرادتها على قوم تجمع إلى السيف فرض لغتها ! لأنها بذلك تتمكن من فرض ثقافتها، ودينها، وعقيدتها، وتاريخها، وإحكام سيرتها؛ لتجعل تلك البلاد جزءًا من بلادها، أو تابعًا لها .
لا تفعل ذلك إضاعة للأوقات، أو شغلًا للناس بما لا فائدة منه، بل تخطيطًا، وتدبيرًا تسعى منه إلى المستقبل ، هناك حيث تفصل الجيل القادم عن لغته، ثم عن تاريخه، ثم عن تراثه، ثم عن دينه ، فإذا غير لسانه انقطعت صلته بكل ذاك ، وصار يقرأ، ويكتب، ويسمع بلسان آخر، وتلكم هي الغاية .. ومع مرور الزمن ينسلخ شيئًا فشيئًا حتى يصبح جزءًا من دولته الاستعمارية الحديثة، أو الدولة التي يقيم بها ..
فعلت فرنسا ذلك بكل دولة احتلتها في إفريقيا، فمنعت المخاطبات، و المراسلات، والدواوين والخطط بغير اللغة الفرنسية، وجرمت مخالفيها ،بل ومنعت جنودها أن يخاطبوا الناس بغير لغتهم؛ ليجبروا الناس على تعلمها ..
أنشأت بريطانيا مدارس، وجامعات لأبناء الأغنياء؛ ليلتحقوا بها عندما رأت صعوبة إغلاق المدارس، والكتاتيب التي تعلم العربية، بيد أن فرنسا فعلت، وأغلقت العديد منها ووضعت قيودًا شديدة عليها ..
عمدت الدول الاستعمارية إلى محاصرة، وإفقار، بل واغتيال العلماء، ومدرسي اللغة العربية ..
قامت بتشيجع الناس بكل وسيلة على استعمال اللهجات الدارجة من خلال عملائها، وعلمائها ؛ لينسلخوا كمرحلة أولى قبل الانسلاخ الكلي ..

الدول الاستعمارية تدرك أنه لا شيء يمكن أن ينزع المسلم من إسلامه، ودينه، وتراثه كتغيير( لسانه وسمعه وبصره) ، ولا يكون ذلك إلا بتغيير (لغته العربية ).

قدر للاجئ أن يهجّر ، وكتب له أن يستقر في تلك البلاد ، فأُلزم أن يعلم أبناءه لغة القوم، حتى يتمكنوا من الاندماج، والعمل ،ومتابعة الحياة ، ومن يدري أيعود أم لا؟ وغالبًا لن يفعل “وإن انتهت الحرب “وفق إحصائية أجرتها الأمم المتحدة ..

وإذا كان شغل اللاجئ المسلم المحافظ المحب لدينه، وأمته، وشغل الدعاة، والمصلحين، والمحبين الغيورين على دينهم هو كيف يحافظون على أبنائهم
بالتمسك بدينهم وعقيدتهم وتاريخهم وانتمائهم فليعمدوا إلى بذل كافة ما بوسعهم في تعليم أبنائهم اللغة العربية إلى مرحلة الإتقان ،وتحفيظهم القرآن الكريم الذي سيحفظ عليهم دينهم وآخرتهم ، وهم بذلك قد أدوا أمانتهم، وفعلوا ما يستطيعون، واعذروا إلى ربهم، والله تعالى خير حافظًا وهو أرحم الراحمين ..
وإن لم يفعلوا، وتهاونوا في هذا كان هذا بداية السقوط والانسلاخ عن كل شيء ، وليذكر هؤلاء، عرب الأندلس، وما صاروا إليه ، والبلاد الإفريقية في أدنى، وأقصى المغرب، وعندها سيستبدل الله بهم قومًا غيرهم، ولن يكونوا أمثالهم، ولا عزاء لهم، وقد فقدوا فلذات أكبادهم، وضيعوا أبناءهم .
أيها المهجرون :
“نفهم الأوضاع التي مررتم بها ، نفهم الفقر ، نفهم الجوع ، نفهم الشتات والنزوح ، نفهم شدتها، ألمها سطوتها نفهم ضروراتكم التي قذفتكم بتلك البلاد ” لكن: ” ما لا نفهمه، ولا نعقله، ولا ندركه” ما مسوغ إهمال تعليم العربية، والتهاون فيه، وهو أقصى ما تعطونه لتلك البلاد من أنفسكم ..
في عالم مفتوح اليوم، هناك ألف وسيلة مجانية لتعليم أبنائكم من مدارس خيرية، وقنوات تعليمية، وأجهزة لوحية، ودعاة ومعلمين ، فلا عذر لأحد يقول لم أجد سبيلًا، أو معلمًا، أو مالًا ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى