مقالات

حيادية الدولة تجاه الأديان

د. محمود سليمان

أكاديمي سوري، دكتوراة في القانون الدستوري.
عرض مقالات الكاتب

عرفت البشرية الدولة الدينية ( الثيوقراطية) حيث الحاكم الإله أو نصف إله أو ظل الإله على الأرض، حتى جاء الإسلام فهدم الدولة الدينية، وأقام دولة بشرية ضابطها الشرع .
دعوة أثرت في محيط وجوار الدولة الإسلامية حين اتسعت وأصبحت امبراطورية عظمى .
رياح التأثير ضربت أوربا التي كانت تحكم بالكنيسة ورجال الدين ، ولعل الرشدية نسبة (لاين رشد) كانت ذات تأثير كبير على الفكر الأوربي، فضلا عن تأثير الاحتكاك بالمسلمين في الحروب الصليبية ، فنشات تيارات فكرية متعددة وانتهت بالدعوة لفصل الدين عن الدولة أو مابات يعرف بالعلمانية، وبعيدا عن اتفاقنا اختلافنا مع هذا النهج ، إلا أنه تطور مهم في الدولة الحديثة ؛ مع ما بات يعرف بالحياد الديني .
ما لاشك فيه أن كل مجتمع يصوغ قوانينه من خلال ثقافته المكتسبة ضمن مرحلة من الزمن ،فقد يكون فعل معين ضمن مجتمع معين مباحًا وغير محرم شرعًا أو عرفًا بينما يكون حراماً ضمن مجتمع آخر، مثل الربا على سبيل المثال.
ليس المطلوب سلخ المجتمعات عن معتقداتها الدينية أو الأخلاقية ،وإنما المطلوب حيادية الدولة تجاه الأديان جميعها، وبخاصة في الدول التي تدعي العلمانية والتي جوهرها الحرية الشخصية والمساواة تجاه الجميع ،وبالذات تجاه الدين وممارسته بحرية تجاه أي مجتمع له دينه الذي يؤمن به، يحاول بعض متطرفي العلمانية سلخ بعض المجتمعات من دينهم وأخلاقهم بذريعة فصل الدين عن السياسية ،وهذا إن توافق مع العالم المسيحي لأنه اقتصر على تنظيم علاقة الفرد بربه، فلايمكن تطبيقه على المسلمين المتمسكين بدينهم وشريعتهم التي نظّمت علاقة الأفراد مع ربهم وفيما بينهم، لاسيما وأن تلك الشريعة السمحاء تطالب الأفراد بتطبيقها والالتزام بأحكامها بعلاقاتهم الخاصة والعلاقات ذات الشأن العام ؛ وهي في معظمها يمكن وصفها بشؤون سياسية .
مطالبة البعض وبخاصة العلمانيين العرب بإبعاد كل من له مرجعية فكرية إسلامية مهما كان اعتدالها ووسطيتها بالابتعاد عن ممارسة حقوقهم العامة وبالذات في الإدارة والشأن العام والسماح للملحدين وعبدة البقر بممارسة تلك الحقوق ودون أي تحفظ الهدف منها محاولة يائسة لتجريد المسلمين من أخلاقهم وعقيدتهم الاسلامية .
الإنصاف والعدالة والديمقراطية من أولوياتها المساواة والحرية الشخصية بمختلف مجالات الحياة الخاصة والعامة، طالما لا تتعارض مع القيم والأخلاق والآداب العامة للمجتمع ،على العكس تمامًا ما نراه من بعض الأنظمة المتطرفة تشجيع الفساد الأخلاقي والفجور ومحاربة الأخلاق والسلوك الذي يحفظ الفرد والأسرة والمجتمع في مختلف نواحي الحياة.
الدعوة العلمانية في الدول العربية للأسف لا تخص الدولة التي هي في جوهرها علمانية (التعليم ، الاقتصاد، الجيش، البنوك، استبعاد كامل للحدود)
في واقعها قفز على آمال الجماهير بالديمقراطية، حيث لم يبق من الشريعة سوى الاحوال الشخصية، وقد نالها الكثير، والدول العربية والإسلام تحكم العلمانية جزئية أو كلية ، بل إن جلها حكم بأسوأ أنواع العلمانية ( السلبية العسكرية).
العالم الغربي الآن في مأزق حيث يدعي العلمانية بوصفها حيادًا دينيًا فيما يحارب الإسلام وهو الدين الثاني في أوربا !

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى