مقالات

حروب البروفايل

محمد بشير الخلف

كاتب وسياسي
عرض مقالات الكاتب

مسألة الصور المسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وكذلك للنبي عيسى عليه السلام، وأمه مريم العذراء. مدانة، ومرفوضة بكل المعايير الدينية، والأخلاقية، والإنسانية.
هذه الصورة ليست بنت اليوم. وإنما لها سنوات، وكل ما تجدد تلك الصحيفة نشر هذه الصورة، تخلق إشكالات اجتماعية داخل بنية المجتمع الفرنسي المتعدد الأديان، والمذاهب، والغارق، في تنابذ الهويات الأصيلة، والدخيلة. فهناك انقسامات عامودية داخل هذا المجتمع، لايحتاج إلى أسمدة تصعيدية كي تنمي مشاعر الغضب، والكره بين أطراف المجتمع.
قتل الأستاذ الفرنسي، كان صناعة تلك النظرة العدائية للمسلمين في فرنسا، إن لم يكن هناك خيوط مخابراتية، دقيقة الحبك وراء هذه الجريمة الشنيعة، فالقتل بهذه الطريقة، وقتل القاتل ،بطريقة بشعة أيضًا. محط أسئلة كثيرة؛ لأن في قتل هذا الفتى – الذي كان اعتقاله، واستجوابه ممكنًا – ولكن بقتله دفن سره معه.
التصعيد في هذا الأمر بدون دراية، ودراسة، وتقليب جوانب الربح، والخسارة المعنوية، والمادية تداعياته على أهلنا اللاجئين في الدول الغربية تكاد أن تكون كارثية، ليس عليهم كجالية ،وإنما لنهج حياة مجتمعات العالم بالكامل.
قد تغطي غيمة الغضب -وهي بمحلها- على الرؤية الثاقبة، والصحيحة لما يجب علينا أن نفعله؛ لأن أي تصرف غير محسوب، سوف يصب برصيد اليمين المتطرف ليس في فرنسا وحدها. وإنما في الغرب بعمومه. هل أحد منا؛ سأل نفسه لو أن- لاسمح الله- أعلن الغرب إجراءات مشددة اتجاه أهلنا المقيمين في الغرب – بغية إعادتهم إلى أوطانهم الأصلية-. تلك البلاد التي لم يصلوها إلا بشق الأنفس، والتي أمنت لهم المسكن، والعيش الكافي، والحرية و…
فالكثير من هؤلاء تنتظرهم سجون دولنا، وأنظمة العهر، والاستبداد كي تصفيهم على امتداد جغرافيا العرب المكلومة، والمظلومة بحكامها.
لاشك أن ماكرون الصغير في تفكيره. حاول الاستثمار السياسي في هذه القضية، بحيث يأخذ مواقف متشددة؛ لكي يسحب البساط الانتخابي من تحت أقدام ماري لوبان زعيمة اليمين الفرنسي المتطرفة، وهناك من يريد الاستثمار بالطرف النقيض ممن ثاراتهم تعاظمت في أكثر من موقع تفور منه رائحة الخبز، أو رائحة البترول، فاستلت سيوف البروفايلات، ورفعت بوجه فرنسا، واستدعيت ذخائر الأديان، وبدأ القصف اللساني ،فهذا صليبي كافر.!! وهذا مسلم إرهابي .!!
قد تكون، إحدى زوايا التعبئة، والتجييش، باستخدام الذخائر الدينية، ولكنها في الحقيقة ليست أكثر من دخان تغطية على مصالح قذرة لهذا الطرف، أو ذاك، تجرؤوا على سيرة الرسول الأعظم، لتكون محط تجاذب سياسي، بين أطراف جوهر حكمها علمانية الدولة.
تأذى رسول الله من أقربائه، ومن أهل الطائف، واتهم بعرضه ، في حادثة الإفك ،فكان حكيمًا في الدفاع عن نفسه، حليمًا في الرد على خصومه بحيث كسب كل جولاته معهم .
أين نحن من أخلاق النبي، إن كنا فعلًا نحتذي به، ونقتدي، أم ترانا نعطي رقابنا لعدونا، بل، و نمده ببعض أفعالنا الطائشة بإقامة الحجة علينا، فنصبح المطرودين، بعد أن كنا الطاردين.
أمر آخر. انظروا إلى الموقف الإيراني من سب الصحابة، والطعن بعرض النبي، والبعض منا يصادقها، ويقيم العلاقات، والتحالفات معها، بل ويصف قتلاها بالشهداء.
وجانب آخر، إن إيران في هذه القضية، لم تحرك ساكنًا، لماذا مع أنها لاتفوت هكذا أمر، إلا، وتحاول استثماره؟! والسبب مصالحها السياسية التي لاتقتضي التصعيد.
النبي محمد، ماعاد جسدًا، وإنما هو معنى انساب في وجدان المسلمين، فالدفاع عنه هو دفاع عن النفس، وبالتالي الهوية، ولكن يجب أن يكون دفاع العارف بموطئ الحرب، وبزمانها لاتسوقه مجرد العاطفة الطاغية على الجوانب الأخرى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى