مقالات

فرنسا، والعداء المستحكم للإسلام

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

لماذا فرنسا دائماً كانت راعية الإساءة إلى الإسلام ؟ سؤال يتطلب الإجابة عليه التطرق إلى عدة تفاصيل حيث إن ماكرون أو غيره ليست حربهم على الإسلام حربًا شخصية ، بل يعتبرون حربهم مع الإسلام حرب أمة وفكر ، خاضعة تحت قواعد الأصولية فمن يعود إلى جذور هذه الإساءات المتواصلة يجد إنها تقبع خلف خطوط تأريخية وفكرية ومجتمعية قبل أن تكون سياسية :
تأريخياً : تعد فرنسا وريثة العهد الإفرنجي الصليبي في الغرب وتصدر الإفرنجيون على مدار قرون عديدة زعامة الحروب الصليبية ضد المسلمين ، ففي الحملة الصليبية الأولى عام 1096انطلقت الحملة من مناطق فرنسا بين الراين والدانوب بالاشتراك مع إيطاليا وكان قائد الحملة جودفري الرابع من الراين الفرنسية واستطاعوا احتلال الشام والرها وصولاً إلى بيت المقدس وتم ارتكاب مجازر دموية بحق المسلمين ولم يسلم منهم طفلاً أو امرأة أو شيخ مسن، وستبقى وصمة عار عليهم على مدارالتأريخ .
وفي عام 1147 قادوا حربًا صليبة ثانية بقيادة لويس السابع حيث منيت القوات الفرنسية بهزيمة خطرة( بجوار خونة ) أنهكهم فيها السلاجقة بغاراتهم المتواصلة، وانهارت هذه الحملة بظهور القائد صلاح الدين الذي أبادهم في معركة حطين 1187 واسترجع بيت المقدس، وهزموا عدة هزائم ساحقة دعت بالبابا غريغوري الثامن للدعوة إلى حملة صليبية جديدة، والتي على أثرها قاد الفرنسي فليب الثاني وروتشيلد قلب الأسد الحرب الصليبة الثالثة ،وباءت بالفشل عام 1192 وثم حملة رابعة وخامسة وسادسة جميعها أخفقت في تحقيق أهدافها أمام الصد الإسلامي الشرس ، وبعدها قاد الفرنسي لويس التاسع حملة صليبة على مصر عام 1248 وانتهت بالسحق والفشل على يد السلطان نجم الدين الصالح أيوب و،أسر لويس التاسع على أثره ثم أطلق صراحة بفدية، وبعدها قاد لويس التاسع نفسه حملة صليبة ثامنة على تونس انتهت بموته إثر تفشي وباء بين جنوده مع صمود قوات الأمير المستنصر أمير تونس ، وأيضاً تلتها حملة الهراطقة من جنوب فرنسا عام 1209 ومنيت بالهزيمة ، وبين 1443 إلى 1444 حدثت آخر حملة صليبية بتمويل من بابا روما هي حملة ( ڤأرنا) الصليبية ضد الإمبراطورية العثمانية، وتم فيها سحق التحالف الصليبي الأوروبي وقتل الملك ڤلاديسلاڤ الثالث والمبعوث البابوي المحرض على الحملة.
إضافة إلى معارك عديدة خارج الحملات مني الإفرنجة بهزائم سحيقة منها معركة ممر رونسفال سنة 778 هجرية أمام الاندلسيين ، وقبلها الحملة التي قادها السمح بن مالك الأندلسي والأمير عبد الرحمن الغافقي عام 102 للهجرة ووصلوا فيها إلى أراضي مقاطعة سبتاميا وراء السفوح الشمالية الجنوبية لجبال ألبرت في جنوب شرق فرنسا وخوض معركة تولوز الشهيرة مع الفرنسيين ، وكاد المسلمون أن يستحوذوا على جميع أراضي فرنسا لولا الهزيمة التي حدثت في معركة بلاط الشهداء الشهيرة ، ومن ينسى معركة الزلاقة الخالدة عام 1068 م وقائدها يوسف بن تاشفين والتي سحق فيها جيش ألفونسو السادس ملك ليون وقشتالة والحق بالإفرنجة شرّ هزيمة بعد أن كادت الأندلس أن تسقط بيدهم ، أما في عصر العثمانيين فقد كانوا قوة ضعيفة أمام هيبة الإسلام المتمثلة بالعثمانيين واعتاشوا في زمن السلطان سليمان القانوني على الامتيازات التي منحها لهم مع تقديم الجزية عن يد وهم صاغرون ، وبتتابع الزمان منيت حملة نابليون 1798م على مصر بالفشل ، وانهار قواته بحصار عكا وقتل قائدهم كليبر، وقامت ضدهم ثورة القاهرة الأولى والثانية التي قادها الأزهر وانتهت بانسحابهم من مصر بخية أمل كبيرة ، وكذلك أعقب بعد الحرب العالمية الأولى احتلال أراضٍ شاسعة من البلدان الإسلامية في آسيا وأفريقيا اثر اتفاقية سايكس- بيكو وذاقت جيوشهم الأمرين من الجهاد الإسلامي في سوريا والجزائر وتونس على الرغم من بشاعة جرائمهم وكثرة الدماء التي سفكوها من الأبرياء إلا أن قوتهم انكفأت ودولتهم تقهقرت.
لنستنتج من التأريخ بأن المسلمين دائماً ما كانوا الشوكة التي في فم الفرنسيين وكان للمسلمين الدور الأكبر في عدم استطاعة فرنسا أن تكون الدولة العظمى الأولى على العالم.

أما من الناحية الفكرية : قديماً ؛ كان الفرنجة قد حملوا لواء الدفاع عن الصليب ،وأعلنت حروبهم الدينية وتوجت بحملات صليبية ، ودائماً ما كانت فرنسا تنظر إلى نفسها بأنها الصندوق الذي يحفظ البابوية والكاثوليكية في العالم، ولكن كان المصد الفكري والعقدي الرئيس هو الإسلام؛ فالإسلام بحملاته الدعوية كان يكتسح الدول شرقاً وغرباً وأصبحت منافستهم مع الإسلام وانتشاره منافسة وجودية مما حدا بتفعيل كل هذه الحروب على المسلمين وما كانت صدمة الأديان عندما غزا المغول البلاد الإسلامية ثم دخول أغلب قبائلهم إلى الإسلام جعل من البابوات والبطارقة والقديسين أن ينظروا بتوجس إلى المد الفكري الإسلامي، أما حديثاً فبعد الثورة الفرنسية عام 1789 م رفعت فرنسا لواء العلمانية للعالم الذي يدعوا بعزل الدين عن السياسة نتيجة ظلم سلطان الكنيسة والطبقة البرجوازية واستطاعت تحيز الكنيسة بدعم شعبي وغالبت الدول الأوربية لإتباع المنهج الجديد واستطاعت فكرياً اكتساح كثير من الدول بدعوى التنوير ولكن هنالك من بقي يحمل الصد القوي لهذا الفكر الجديد وكان لابد من مواجهة الإسلام لما يقوم به من معارضة شديدة لعزل الأحكام الشرعية عن منهج حياتهم السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وكان جدار الدولة العثمانية يمثل عائقاً ، ولكن بعد أن سقطت وتقسمت أراضيها قد غذيت كثير من دويلات الحديدة بهذا الفكر الجديد ولكن بقت النوازع الشعبية والعلمية متمسكة بثوابت الإسلام لمناهضة هذا الفكر الخطير وخاض الإسلام مع الفكر العلماني معارك شرسة جداً ومستمرة إلى اليوم .

أما اجتماعياً وسياسياً : إن الكراهية الفرنسية المسيحية، أو العلمانية، للمسلمين هي جزء من الخطاب اليومي للحكومة الفرنسية ومثقفيها ووسائل إعلامها. وفي واقع الأمر، لا يؤدي انتشار وهيمنة خطاب الكراهية ضد المسلمين إلى إضفاء الشرعية على التمييز المؤسسي الذي يتعرض له المسلمون الفرنسيون فحسب، بل إنه يحرض أيضا على العنف ضد المسلمين داخل فرنسا وخارجها ، والتخوف من المسلمين اجتماعياً يكاد يدق ناقوس الخطر لإنه يعتبر الإسلام الدين الثاني في فرنسا من حيث العدد والأول من حيث الانتشار ، وتتراوح نسبة المسلمين وفقاً لتقديرات جريدة لوموند عام (2007) ومؤسسة أيبسوس موري سنة 2011 بين 3% وبين 5-8% وفقا لكتاب حقائق العالم، تشير أغلب التقديرات أن عدد المسلمين في فرنسا يتراوح بين 5 إلى 6 ملايين. في حين قدرت وزارة الداخلية الفرنسية أعدادهم ب 4.5 مليون. ذكرت إحصائية أن 33% من مسلمي فرنسا هم ممارسون وملتزمون في أداء الشعائر الإسلامية ، ففي فرنسا هناك نسب كبيرة من العوائل ذات الأصول العربية والأندلسية ، فضلاً عن أن استمرار تدفق هجرة الأفارقة ودول المغرب العربي مدن وجزر فرنسا يشكل عائقاً استراتيجياً لفرنسا ، وآخرها الزحف الأقتصادي حيث أصبح للعرب موضع قدم في أغلب الاستثمارات التجارية داخل فرنسا ، ما دعا فرنسا لأن تعلن حربها علناً مع المسلمين ، و ليكون هنالك صراع حقيقي بين المسيحية والإسلام وطبيعة هذا الصراع يأخذ بعدًا استراتيجيًا .

فإساءة ماكرون ، وقبلها تصريحاته حول أزمة الإسلام ، والحروب التي شنت على الحجاب في فرنسا ، والعنصرية الرياضية والمجتمعية ورسوم شارل ليبدو ، وإعادة نشر الرسوم المسيئة دوماً ، لم تكن قائمة على محض الصدف ولا إلى النظرة الشخصية لماركون بل هي موجودة في التركيبة الفكرية داخل البنية المجتمعية حيث إن نزاعهم مع الإسلام نزاع أصولي ووجودي وعقدي مستنداً على عدة عوامل تأريخية وفكرية وسياسية بالاعتماد على الأحقاد التي رسمت في عقولهم من خلال وجود عقدة أبدية قديماً وحديثاً ومستقبلاً اسمها الإسلام.
وما كان من تصريح ماكرون السابق حول أن الإسلام في أزمة أي أن ضمن رؤيته إن الإسلام في (ضعف) بعد ما ملك من قوة عجزت فرنسا دوماً على مر التأريخ في مجابهتها.
ولكنهم نسوا أن يفرقوا بين الإسلام كمنهج والمسلمين كأفراد ففي ذلك يقول الدكتور أحمد الهواس في مقال له بين الماكرثية والماكرونية (( كان على ماكرون العودة لمستشاريه للشؤون الإسلامية، قبل أن يستفز مشاعر المسلمين، لكي يبلغوه أن الأزمة في المسلمين وليست في الإسلام، وأن أزمة العالم الإسلامي سببها غياب النظام الإسلامي، فالدول الإسلامية منذ 1830 تُحكم بعلمانية جزئية أو كلية)).
لذا على ما أعتقد كان ينظر ماكرون إلى الشعوب الاسلامية من خلال نظرته إلى حكوماتهم الحكومات الضعيفة التي تكون على استعداد ان تتخلى عن كل الثوابت الاسلامية مقابل عدم المساس بكراسيهم ونفوذهم، وظن إنه بتكرار الإساءات سيضعف من نفوذ الاسلام وهو واهن التفكير والاعتقاد ، ويحتاج إلى إعادة عقلية جديدة، وعلى المسلمين أن يتخذوا من تصريحاته موعدًا لتحقيق الإسلام بأحكامه وتشريعاته وثوابته كمصدر قوة لهم يجمع شتاتهم ويضعف من قوى أعدائهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى