مقالات

‏كيف انتصرت الثورة السورية

د. أحمد موفق زيدان

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

‏خال قيصر الكرملين فلاديمير بوتين حين تعملق لاحتلال الشام قبل خمس سنوات أنه سيُخضع كل شيء للوصي القاصر ذيل كلبه كما أطلق على عميله بشار الكيماوي لاحقاً، فتوعد بالقضاء على ثورة الشام في خلال ثلاثة أشهر فقط ، لكن لنصف عقد وبوتين يفشل في إخضاع أكثر من ثلث أراضي سوريا ومعها أكثر من سبعين بالمائة من سكانها الهاربين والمقيمين خارج سلطة احتلاله. هذا الاحتلال الذي ظل في حالة استنزاف حقيقي أخلاقي وسياسي وعسكري وفوق هذا اقتصادي، وبينما لا يظهر في الأفق حل سياسي يجد المحتل نفسه مرغماً على دفع فاتورة يومية لا يقوى عليها، وإلا ففاتورة خسارة حاضنة النظام الأقلوية هي البديل كما رأينا في حرائق الساحل، حيث فشل أو رفض أن يتدخل لإخمادها مما أغضب حاضنة النظام عليه.
‏من يخال أن الروسي قد انتصر لا يفقه عمق وجغرافية خسائره وعلى كل الصعد، والاستنزاف الذي حصل له ويحصل وسيحصل ما دام يصر على الغوص في الرمال السورية دون أفق يجزم أن الاستبداد الروسي لا يعرف المناورات وإنما يريد فرض لون واحد واستبداد واحد وهو ما دفع ثمنه باهظاً في أفغانستان، فالحياة عندة لونان أسود وأبيض، كحال كل النظام الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية..
‏انتصرت الثورة السورية حين فككت عصابة أمنية وعسكرية وليدة الاحتلال الفرنسي التي بُنيت على عينه منذ تشكيل الوحدات الخاصة الفرنسية وجيش المشرق شبيحة ماقبل الاستقلال، فبعد أن كان السوري قادراً على عدّ عشرات الشخصيات العسكرية والأمنية القامعة قبل الثورة، لا يذكر اليوم شخصية مجرمة واحدة مرهوبة الجانب.
‏ وعلى امتداد عشر سنوات انتهت قدما العصابة الطائفية التي تقف عليهما تماما، وهما القدم العسكري والقدم الأمني…. ومهما سعى الاحتلال ليُعوضه فلن يُفلح.. فلا بقاء لاحتلال هكذا علمنا التاريخ.
‏لقد انتصرت الثورة السورية يوم استطاعت إيجاد نظام إداري بيروقراطي موازٍ لنظام العصابة الطائفية المحصورة بالمناطق المحتلة، فقد أوجدت مناطق الثورة السورية إن كان في الشمال المحرر بإدلب وما حولها، أو في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات نظاماً إدارياً موازياً، بمقدوره أن يقدم بديلاً للسكان المدنيين أولاً وثانياً يعزز ثقة الأهالي بالنظام الجديد القادرعلى الإيفاء بمتطلباتهم واحتياجاته. وتكمن قوته بقدرته على إنتاج كوادر وطاقات إدارية تعتز بنفسها وتثق بذاتها مستقبلاً، فإن أعظم وأخطر ما اجترحته العصابة الطائفية بالإنسان السوري هو تشكيكه بنفسه وهزّ ثقته بذاته في القدرة على أن يكون البديل.
‏لقد انتصرت الثورة السورية يوم استطاعت تقديم قيادات شامية سورية خالصة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في صفوفها، ولم تتقدم شخصيات أجنبية خارج الحدود عليها كما حصل في الحالات الأفغانية والعراقية وغيرهما، وبالتالي كان الانسجام واضحاً بين الفصائل والقيادات وبين الحاضنة الشعبية، وهو ما حجم دور التطرف والإرهاب، فلم نر أو نسمع أو نقرأ عن تهديد من داخل جغرافية الثورة السورية، وظل كل من جاء إلى سوريا لحرب العصابة الطائفية وسدنتها مشغولاً بقتال العصابة، ولم تشغله استهدافات غربية عما جاء من أجله…
‏وسيأتي اليوم الذي تقدم الشام أنموذجها للعالم وللربيع العربي في خلطة بماء الفيجة وبنكهة شامية خالصة تماماً كما استطاعت أن تقدم للمسلمين وللعالم خلافة بني أمية التي حكمت أكثر من نصف الأرض في حينه..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى