ثقافة وأدب

حضور الحيوانات في أدب العرب

أحمد عبد الحميد

معد تقارير

كاتب صحفي
عرض مقالات الكاتب

كان وَضع العرب في البرازيل (عرب المَهْجَر) وضعاً مأساوياً جداً أشبه بوضع الزنوج في الولايات المتحدة قديماً.
كان البرازيليون ينظرون إليهم نظرة زرايةٍ دونية باعتبارهم من بقايا الدولة العثمانية المنهارة آنذاك، وكانوا يطلقون عليهم اسم (توركو) وهو اسم يحمل معنى السخرية والاستهزاء منهم هذا الاسم يلازمهم مهما بلغوا في البرازيل مبلغاً عظيماً، وهذا ما صوّره الشاعر اللبناني “رشيد سليم القروي” المَهْجري الذي لامس هذه المعاناة شخصياً بقوله ساخراً:

أنتَ توركو ولو بلغتَ الثُريّا
ولئنْ شِدْتَ نَاطحات السحائبْ!

ويقول في موضع آخر:

كن بينهم رجلَ الزمان
تظل «توركو» محتقرْ
حتى العبيدُ السود قد
سخروا بنا مع من سخر

نتيجة هذا الواقع المؤلم من تمييز عنصري عاناه الأدباء في بلاد المهجر، وساعات عمل مرهقة دون مردود يقابل مجهودهم اليومي كان لهم طرائف رائعة في شعرهم، عبّروا عنها وما وصلوا إليه تعبيرًا جمع بين الاستهزاء بحالهم وتصوير ما يؤلمهم في تلك البلاد، لدرجة أوصلتهم إلى “حسد الحيوانات” على ماهي عليه من رغد العيش تميزت به عن سائر المهاجرين.

يقول “الخوري” في قصيدة طويلة مخاطبًا “بقرة سارحة في “غابات البرازيل” أختار منها هذه الأبيات:

طوباكِ سارحة في القفر طوباكِ
إن كنت أحسد مخلوقا فإياكِ
تاللهِ كم يتمنَّى عيشك البشر
ماذا تخافين فـي البيداء، يابقرُ
إن كنتِ تخشينَ من أنياب فَتَّاكِ
طوباكِ، فالجِلدُ غيرُ العِرضِ،طوباكِ!

تشكين فصلَ الشتاء البارد القاسي؟!
مـاذا أقول أنا في عشرة الناس؟!!
نامي على الثلج، نامي ليس من باس
لو كنت تعلمين عن الإفرنج والعرب
وما يلاقيـه في الأوطان كل أبي
ماكنت تخشـيـن مـن سكِّيـن سفَّاكِ
طوباك، فالموتُ غير الـذل، طـوبـاكِ!

في الجهة الأخرى من هذا الكوكب على أرض الشرق لم يغب حضور الحيوانات أيضاً في شعر الأدباء إعجاباً بسلوك عايشوه وأحسوا به مع مايمرّ به من صدمات أو مواقف سلبية من معشر البشر.

هاهو “عباس محمود العقاد” الأديب المصري يرثي كلبه “بيجو”، ويذرف دمعه على قبره؛ فينتجُ لنا عن هذا الحزن مرثية رائعة في الفقيد الوفي، متحملاً استهزاء معشر الأدباء الذي كان في مقدمتهم “الرافعي” حيث لقب “العقاد”ب( كاتب المراحيض) نسبة لبيت في هذه المرثية:
“كأن مرحاضه أعزّ أثوابنا”

ومع أن الكلب “بيجو” لم يعش كثيرا في بيت العقاد لأنه بالأصل قد حلّ ضيفًا مؤقتاً عنده، فقد أودعه صديقه عنده برسم الأمانة نتيجة مرض طفله، لكن هذه المدة القصيرة كانت كفيلة بنشوء علاقة يسودها الوفاء والود مع الشاعر الذي يعيش وحيدًا في بيت نديمه الأشباح.

يقول العقاد يرثي الكلب “بيجو”:

حزناً على بيجو تفيض الدموعْ
حزناً على بيجو تثور الضلوعْ
حزناً عليه جهدَ ما أستطيعْ
وإنّ حزناً بعد ذاك الوَلوع

والله -يا بيجو- لحزن وجيعْ

والقصيدة طويلة لكني اخترت هذا المطلع؛ فالقصيدة تتدفق منها مشاعر جياشة يسودها الحزن والوفاء والحنين لنباح “بيجو” ولو نبحة واحدة فهو مؤمن بأنها ستردّ روحه إلى صدره، يقول:

لو نبحة واحدة وأين النباح؟!
ضيّعت فيها اليوم مالا يضيع

فتأمل يارعاك الله فإن للشعراء عادات وتقاليد وفلسفة خاصة منها الغريب العجيب، ومنها المقبول المألوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى