مقالات

الأكاديمي السياسي والسياسي غير الأكاديمي

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

أستهل حديثي بسؤال ربما يتبادر إلى ذهن كثير من المهتمين بالشأن السياسي، ثم أحاول تفكيك هذا السؤال، والاجتهاد في الإجابة عنه.

هل كل أكاديمي سياسي يكون ناجحًا؟ وهل كل سياسي غير أكاديمي يكون فاشلًا؟

بداية لا بد من الكشف عن الهويتين المستهدفتين، فمن هو الأكاديمي ومن هو السياسي؟

الأكاديمية: هي مدرسة فلسفية أسسها أفلاطون في بساتين اكاذيمس في أثينا.

وتعتبر الأكاديمية الفرنسية الأقدم التي أسسها ريشيلو سنة 1632م.

والأكاديمي في عصرنا: هو الذي يحمل المؤهلات والدرجات العلمية، ويعمل في مجال التدريس في الجامعات والبحث العلمي، وقادر على الإنجاز في مجال تخصصه.

أما السياسي: فهو الشخص الذي يشارك في التأثير على الجمهور من خلال التأثير على صنع القرار السياسي، أو الشخص الذي يؤثر على الطريقة التي تحكم  المجتمع من خلال فهم السلطة السياسية، وديناميت الجماعة، وهذا يشمل الأشخاص الذين يشغلون مناصب صنع القرار في الحكومة، والناس الذين يبحثون عن هذه المواقف، سواء عن طريق الانتخابات، أو الانقلاب، أو التعيين، أو تزوير الانتخابات.

والرجل السياسي رجل مهتم بشؤون الجماعة، وطريقة عملها من خلال العمل السياسي، ولا يمكننا أن نفهم من هو الرجل السياسي إلا بمعرفة الأساس الذي يقوم عليه وهي السياسة، لأن السياسة بالمعنى الأقرب هي طريقة التعامل في المجتمع، فهي الآليات والميكانيزمات  التي يستخدمها الرجل السياسي في حل المشاكل بالطريقة الصحيحة بصناعة قرارات تكون في خدمة المجتمع.

ولو استحضرنا بعض الشخصيات الأكاديمية – في العصر الحديث – التي وصلت إلى سدة الحكم، وشرعت في ممارسة السياسة بعيدًا عن عملية التنظير التي كانت تقوم بها عبر  كتبها، ومحاضراتها، ومقالاتها ( وهي  خارج صندوق  المسؤولية وصنع القرار) وقارناها بشخصيات سياسية كان حظها من المؤهلات، والشهادات العلمية متواضع، لوجدنا أن السياسيين غالبًا ما يبزّون الأكاديميين، فالعبرة بممارسة السياسة إذًا ليست بحمل الشهادات، وتصنيف المؤلفات، وإنما بحسن قيادة دفة سفينة الدولة.

ولو وقفنا عند بعض النماذج لتجلى الأمر أكثر:

ففي عام /2007/ وصل غوردون براون إلى رئاسة الوزرارة  في المملكة المتحدة وقاد البلاد حتى عام /2010/ وكان أكاديمي يحمل شهادة الدكتوراه بالفلسفة، ولم يكن الرجل فاشلًا في قيادته للبلاد، ولكنه لم يستطع المحافظة على منصبه أكثر من ثلاث سنوات، في حين نجد جون ميجر قد تولى رئاسة الوزراء قبله من /1990/ إلى /1997/ أي أنه استطاع قيادة البلاد باقتدار وبراعة لمدة سبع سنوات، وهذا يدل على أنه أنجح من براون مع أن جون ميجر لم يكن أكاديميًا، ولم يكن يحمل من الشهادات سوى الابتدائية، ولو تحولنا إلى نموذج آخر وهو الدكتور برهان غليون، وهو أكاديمي، ومفكر سوري، وقد أسندت له رئاسة المجلس الوطني السوري؛ لإنقاذ الشعب من إجرام الأسد، لكنه استقال قبل أن يتمم العام في منصبه، وفشل في أداء واجبه.

ولو انتقلنا إلى المفكر، والأكاديمي التونسي محمد منصف المرزوقي الذي له العديد من المؤلفات، والمحاضرات في السياسة، وحقوق الإنسان والطب…لوجدنا أنه قد شغل منصب الرئاسة عقب الثورة التونسية المباركة لمدة ثلاث سنوات، ولم يستطع تجاوز هذه المدة الوجيزة، لأسباب متعددة منها عجزه عن تحقيق مطالب الشعب وأهداف الثورة.

ولو انتقلنا إلى الضفة الأخرى لوجدنا أن ثمة شخصية كانت مضرب المثل في النجاح والعطاء والصبر ونشر السلام، وهي شخصية السيد نيلسون مانديلا الذي يعتبر أيقونة، ورمز من رموز القادة السياسيين العالميين الناجحين، ولم يكن أكاديميًا في المقياس الذي أتينا عليه في السطور السابقة (يحمل بكالوريوس بالفنون) ولكنه كان بارعًا في قيادة البلاد إلى شاطئ الأمن والأمان، والمحبة والسلام، شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا بين عامي 1994 – 1999 ركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية، والفقر، وعدم المساواة وتعزيز المصالح العرقية، وقد أراده الشعب أن يستمر في حكمه ويجدد ولايته ولكنه رفض ذلك.

ولو أتينا إلى النموذج الأخير والشخصية التي مازالت تشغل رئاسة تونس أعني قيس سعيد، لوجدنا أنها شخصية مثيرة للجدل، فصاحبها قد عقد عليه الشعب التونسي الآمال العريضة كي ينقذ البلاد من الأزمات المتعددة التي حلت بها، ولكن رويدًا رويدًا تبين أن الرجل لم يكن على مستوى أحلام الشعوب، ولا على مستوى الثقة التي منحت له، بل إنه راح يتخبط في سياسته يمينًا وشمالًا، ولا أحد يدرك ماذا يريد، وربما هو لا يعرف ماذا يريد، فهو يتغنى بالقانون، والدستور، والديمقراطية ليل نهار، ولكن قراراته، وسياسته، وخطاباته تدل على أنه يسعى لتقويض الديمقراطية، ولتجاوز القانون، فقد اشتهر  – قبل أن يصل إلى سدة الحكم – بمداخلاته الأكاديمية المميزة للفصل في الإشكاليات القانونية المتعلقة بكتابة الدستور التونسي بعد الثورة.

لكن الأمر اختلف اختلافًا كليًا بعد أن ظفر بالرئاسة، فقد أصبح رجلًا آخر.

 نخلص مما تقدم إلى أن فن قيادة الدول غير مرتبط بالشهادات، والمؤهلات بقدر ما هو مرتبط بالموهبة، والذكاء، والدهاء والثقافة العامة.

 إن الإنسان في موقع التنظير يختلف عن الآخر الذي هو في موقع التطبيق وفي قلب الحدث.

يقول إبراهيم الفقي: ” القيادة هي فن اتخاذ القرار”.

ويقول نورمان شوارزكوف: ” القيادة هي مزيج من الاستراتيجية والشخصية …ولو أن عليك أن تتخلى عن أحدهما، فتخلَ عن الاستراتيجية”.

ويقول أوليفر جولد سميث: ” القائد الناجح هو من يوازن بين ثقافة القيادة، ومبادئها مع المزاج العام لاتباعه “.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى