مقالات

إسقاط تاريخي على قضيتنا السورية

أحمد عبد الحميد

معد تقارير

كاتب صحفي
عرض مقالات الكاتب

“التاريخ يعيد نفسه”
هي جملة كثيراً ما نقرؤها في بطون الكتب، وبما أن التاريخ يعيد نفسه أقوالاً، وأفعالاً، فلا بد أن يُسقط نفسه على الحاضر جملةً وتفصيلاً.

ثم إذا ركّزنا فكرنا، وراجعنا تراث العرب بأحداثه السياسة لابدّ أن تقودك لصور فوتوغرافية تتمثل أمامك حاضرة لما نحن عليه من مشاهد مكتملة كتلك الصور.
وهنا لابدّ من ضرب أمثلة في مشاهد حية حدثت في حقبة زمنية قديمة تتجسد أمامنا بشريط أصلي مصور لما يجري باختلاف الشخصيات، واتفاق الأدوار.

(الناس على دين ملوكها)

يقول “ابن كثير” في “البداية والنهاية”: “كانت همة “الوليد ابن عبد الملك” في البناء، وكان الناس كذلك يلقى الرجلُ الرجلَ؛ فيقول: ماذا بنيت؟.. ماذا عمرّت؟
وكانت همة أخيه “سليمان” في النساء؛ فيقول الرجلُ للرجل:
كم تزوجت؟ ماذا عندك من السراري.؟
وكانت همة “عمر بن عبد العزيز” في الصلاة والعبادة وقراءة القرآن، وكان الناس كذلك. يلقى الرجل الرجل؛ فيقول: كم وردك؟ كم تقرأ كل يوم؟ ماذا صليت؟
في فترة الثمانينيات كان هناك حربٌ ضروس على تنظيم “الإخوان المسلمين” في عدة محافظاتٍ سورية أبرزها “حماة” معقل الإخوان الذين أرادوا قلب نظام الحكم في سوريا، وكلنا يعرف أن الأسرة الحاكمة آنذاك، ومن والاها استخدمت الحديد، والنار في إطفاء جذوة هذه الحركة الطامحة للوصول إلى سدة الحكم، وإحداث تغيير سياسي، وكان للعنف والنار كلمة الفصل في القضاء على أكثر رجالات التنظيم وملاحقتهم والتنكيل بهم.
بيت القصيد، والإسقاط أذكر أني سمعت ممن عاصر تلك الأحداث أنه كان وجود شعرةٍ واحدةٍ على صفحتي وجه الرجل كفيلةً بإلصاقه تهمة الانتساب للتنظيم، وتجريم صاحبها، فقلّما ترى رجلاً على وجهه لحيةٌ بمختلف مقاساتها؛ حتى كسر هذا البروتوكول نجل الأسد الأكبر “باسل”حين بدأت صوره تنتشر في شوارع، وأحياء البلاد، وعلى شاشات التلفاز، وهو مطلقٌ لحيته الخفيفة؛ ليتسابق من على دين ملوكهم إلى تقليد الأسد الابن، والإعلان الضمني محلياً لعودة المياه إلى مجاريها بحذرٍ لا يجهله عاقل.

(السلوك السياسي الأفضل)

“يوسف بن تاشفين” أسس مملكةً قويةً بالمغرب الكبير، وانتصر على جيوش قشتالة في الزلاقة، ثم خلع ملوك الطوائف المُقعدين، ووحّد الأندلس، وأنهى عهد “المعتمد ابن عباد” أسيراً مكبلاً بعد فشله في السياسة، وانغماسه في اللهو، وتحالفه مع “ألفونسو” كان المعتمد قد حاول جاهدًا تغطيه استبداده وفساده وطمعه بالحكم بالوطنية تارة، ومصلحة الأمة تارة، والسياسة الشرعية المزيفة تارة أخرى.
طبعاً لا داعي لإسقاط التاريخ هنا على عهدنا الحديث فملوك الطوائف نراهم أمامنا في كل بقعة من بقاع بلادنا.
كلٌ يتحكم بمملكته الصغيرة (شارع وحارة أو ضيعة) ولها نظام حكمٍ، وشرعٍ خاصٍ، ولا سيما تحالفاتهم الصبياني؛ لتحقيق غايات، ومكاسب شخصية، ولو على حساب دماء العزل، بصورة تحاكي تاريخ عهد انتهاء الأندلس واللهاث خلف سياسة “شد اللحاف”.

(انبطاحٌ وخيانة)

لعل “بغداد”حاضرة العباسية التي سقطت نتيجة عوامل منها اتفاق وزير المستعصم (مؤيد الدين ابن العلقمي) مع المغول ودوره الكبير في التنكيل بعاصمة الخلافة، وتدميرها، وقتل أهلها، وسفك دم خليفتها “المستعصم” عبر خطةٍ كان أشد الطعنات إيلامًا في خاصرة الإسلام.
فالقلاع والحصون غالبًا لاتسقط إلا من الداخل.
كثرٌ هم على “علاقمة العصر الحديث” في بلادنا، وما كان ذلك ببعيد خلال عملية تهجير عدة مدن سورية خيانةُ بعض من أسمى نفسه قائداً لدرجة سعيه؛ لإدماج بطانته ضمن مليشيات الدفاع الوطني، والبقاء ضمن حوزة الأعداء.
لا، وبل تكثير سوادهم دون أي رادعٍ ديني، أو أخلاقي يحول دون عملتهم، أو اتفاق يقضي بتسليم هنا، وهناك مقابل مكاسب شخصية، أو فصائلية والحديث يطول..

أحداث كثيرة مرت، وصورها المطابقة للأصل أكثر من أن تحصى، لكن يبقى أن نستوعب تلك الأحداث، ونحاول الاستفادة منها في كل حدث سياسي معاصر، ونحاول التفسير، والتأويل لاستظهار واقعٍ يخاطب العقل حتى نتلافى مخاطر قد لاينفع بعدها الاجتهاد؛ فالماضي ليس حكايةً مضت، وانقضت إنما هو روايةٌ متجددةٌ متنوعة تصلح لكل زمانٍ ومكان، إن اختلفت شكلًا، فقد اتفقت مضموناً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى