مقالات

لماذا سكت زعماء العرب عن الإساءة للإسلام؟

محمود الراوي

عرض مقالات الكاتب

منذ أيام صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن “الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم” مما أثار موجة استياء واستنكار من الشعوب المسلمة عبر العالم. وما أريد ان أقوله هنا لا يهم الشعوب المسلمة، فهي وان كانت مغلوبة على أمرها من طرف “ولاة امرها” إلا أنها إذا رجعت إلى دينها كان لها العز والمكانة. والمسلمون الآن في كل العالم يعيشون أزمة تظهر تجلياتها على كل المستويات: سياسية، اجتماعية، اقتصادية … الخ. والمسلمون في علاقتهم بالإسلام يعيشون أزمة حادة حقيقية، ألا وهي أزمة فهم الإسلام، تنتج عنها أزمة تطبيق. بتعبير آخر، يعيشون أزمة تصور تسبب أزمة سلوك. وأول خطوة في طريق علاج أزمة الفهم هذه، هو فهم الأزمة.
موضوع هذه السطور ليس رد فعل الشعوب المسلمة، وإنما رد فعل قادة وزعماء المسلمين وخصوصا في المنطقة العربية. فبعد تصريح الرئيس الفرنسي لم يستنكر أي زعيم عربي هذ التصريح الأرعن الذي يعتبر بمثابة ضوء أخضر لموجة جديدة من العنصرية الدينية ضد المسلمين على الأقل في فرنسا. تخيل معي أيها القارئ الكريم، لو أن رئيس أو حاكم دولة مسلمة قال بأن النصرانية تعيش أزمة عالمية. وكذلك هي. ألن تأتيه سهام الشجب والاستهجان من كل أطراف الدنيا؟ أما لو قالها في اليهودية، فإنه سيصير معاديا للسامية!
لماذا إذن لم يستنكر زعماء العرب تصريح ماكرون؟ يمكن القول أن السبب حبهم للكراسي وتشبتهم بالسلطة الذي يجعلهم يهادنون و يتملقون من يظنونهم ضامنين لاستمرارهم في سدة الحكم. ويمكن القول أيضا ان السبب حكمة هؤلاء الزعماء التي تجعلهم في غنى عن أزمات ديبلوماسية تضاف إلى سلسلة الأزمات الداخلية لبلدانهم. ويمكن إضافة أسباب اخري …
لكني أرى أن السبب الحقيقي هو أن هؤلاء الزعماء لا يمثلون الإسلام ويعلمون أنهم لا يمثلون الإسلام، حتى وإن حاولوا استمداد الشرعية الدينية من مؤسسات دينية يسطرون عليها ومن علماء باعوا دينهم للحاكم. فرغم أنهم يظهرون بمظهر المتدينين ويحرصون على بعض المظاهر الإسلامية كالبيعة والصلاة والاهتمام ببناء المساجد وطبع المصاحف، إلا أن كل هذا موجّّه لتخدير الرأي العام الداخلي. وهم يمارسون، حقا وصدقا، ما يمكن أن نسميه:” إسلام الضرار”، قياسا على مسجد الضرار. فهو ممارسة لبعض مظاهر الإسلام من أجل هدم الإسلام. فالحاكم الذي يلتزم ظاهريا بضرورة مبايعة الناس له، خرق روح البيعة بإلزامهم بها وانتقاء من يعطيها. والذي يصلي أمام الكاميرات، يشجع مختلف أنواع الموبقات. والذي يهتم ببناء المساجد يحولها إلى أوكار للتجسس عل المصلين، ومختبرا لغسل الأدمغة بخطاب يزكي التسلط والطغيان. والذي يطبع المصاحف، إنما يطبعها ليذكر اسمه فيها، وهو نفسه الذي يسمح بطبع كتب الإلحاد والطعن في الدين. ومظاهر “إسلام الضرار” كثيرة لا يتسع لها المقال الآن.
ويكفي أن نعطي أمثلة ثلاثة للتوضيح:
1- هل ينتظر المسلمون من السيسي ان يغضب للإسلام وهو الذي يهدم المساجد ويستغل الأزهر كواجهة دينية له، وهو الذي قتل آلاف المسلمين، وزج بمئات الآلاف في غياهب السجون، ويقف سدا منيعا لحماية الكيان الصهيوني وكلبا وفيا له، ويحارب الغزاويين بصب الإسمنت في أنفاق تمدهم بما يقيم صلبهم، وهو الذي يسم الإسلام بالظلم تجاه الملحدين حيث قال: “إن الملحدين اتجهوا إلى هذا الطريق لأنهم لم يتحملوا الإساءة والظلم الذي تعرضوا له في الإسلام”. وجرائمه عديدة تجاه الإسلام، لدرجة أن الشعوب الإسلامية اتفقت على أن “السيسي عدو الله”. وقد اقتصر هو نفسه الطريق علينا إذ قال في زلة لسانه “الفرويدية” أن كل ما لا يرضاه ربنا سيكون معه. وصدق وهو كذوب، فهو ما نراه.
2- هل ينتظر المسلمون من محمد بن سلمان (ابن “خادم الحرمين”، والحاكم الفعلي للسعودية) أن يغضب للإسلام وهو الذي قتل بوحشية قل نظيرها صحفيا مخالفا له في الرأي، وهو الذي قرعه ماكرون ووقف أمامه ذليل حقيرا يعده بالسمع والطاعة، وهو الذي زج في السجن آلاف العلماء والفضلاء، لا لأنهم انتقدوا بل لأن بعضهم سكت، وبعضهم لم يطبل بما يكفي. كيف له أن يغضب للإسلام وهو يهين العلماء ويؤنبهم كما حدث مع الفوزان وأعضاء اللجنة “الذائبة”، وهو الذي فتح الباب على مصراعيه للفسوق والعهر والمجون لإفساد المجتمع السعودي المتدين.
3- هل ينتظر المسلمون من “أمير المؤمنين” ،ملك المغرب، ان يغضب للإسلام و هو الذي لو أفصح عما في قلبه لقال بأن باريس هي قبلته، و هو الذي جمع بين الأذان (الشعيرة الإسلامية المقدسة) والتراتيل المسيحية و اليهودية الشركية، و هو الذي يكره الإسلاميين وصرح بذلك للأمريكيين، و هو الذي يفبرك كل مرة مسرحية بليدة للقبض على “إرهابيين” فقط من أجل إرضاء أمريكا بأن تصفه بالحليف القوي في الحرب على ما يسمي ب”الإرهاب”، وهو الذي إلى حد كتابه هذه السطور منع إقامة ثلاثين جمعة بمبرر كورونا رغم فتح الأسواق و المراكز التجارية و غيرهما، وغير ما ذكر كثير.
إن تصريح ماكرون يجب أن ينبهنا إلى حقيقتين ثابتين:
أولا: تشدق الغرب بالديموقراطية وحقوق الانسان وحرية الفكر والتدين والتعبير ليس سوى مجرد شعارات عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، فأين احترام حرية التدين والفكر في الجمهورية الفرنسية التي بشرت بالحقوق والحريات عبر ثورتها (1789)؟ وأين كان إعلان حقوق الإنسان والمواطن يوم احتلت فرنسا الجزائر وفعلت بشعبها الأفاعيل التي يندي لها الجبين؟ بل وأين حياء الفرنسيين الآن وهم يمتصون ثروات فقراء إفريقيا لينعم بها أغنياء فرنسا؟
ثانيا: عداء وكره الغرب للسلام والمسلمين حقيقة لا يمكن إنكارها مهما حاولوا التغطية عليها بمختلف الوسائل، وطالب رضى الغرب طالب أمحل المحال، فإنهم لن يرضوا حتى نتبع طريقتهم. وأنى لهم ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى