التّضبيع.. فالتّطبيع

بعد نيل إمارات الخليج استقلالها الوطنيّ من المستعمر الإنكليزي /ولو ظاهريا/، و بدء تشكّل مؤسّسات الدّولة الوطنيّة في سبعينيّات القرن الماضي، استطاعت أن تتحوّل بالمجتمعات البدويّة إلى مجتمعات مستقرّة، تغذّيها شرايين البترول بكلّ احتياجاتها بحسب الأنظمة الرّيعية.
على أثر العدوان الثّلاثيّ على مصر اهتزّت مكانة بريطانيا العظمى، وبدأ نجمها يأفل؛ ممّا أفسح المجال للولايات المتّحدة الأمريكيّة بأن تضع يدها على مجمل الإرث البريطانيّ.
كانت هذه المحميّات، أو الدّول الخليجيّة تحظى برعاية خاصّة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة؛ لأنّها تنام على ثلث مخدّة البترول العالميّ، ولها أكبر قاعدتين عسكريّتين في الظّهران بالسّعوديّة، و السّيليّة بقطر؛ لضمان تدفّق هذه الشّرايين بدم الأرض في أوصال مستلزمات العالم.
كان لأحداث ١١ سبتمبر، و احتلال أفغانستان، و من ثمّ العراق، وما نتج عن ذلك الإحتلال من خسائر ماديّة و بشريّة باهضة، الأثر الكبير في إعادة رسم الخارطة الاستراتيجيّة الأمريكيّة، و خاصّة بعد الصّعود الصّاروخيّ للإقتصاد الصّينيّ، الّذي بدأ يهدّد المصالح الأمريكيّة، و سيطرتها على الأسواق التّجاريّة الدّوليّة.
كان لهذه الاستراتيجيّة أضرار بالغة الخطورة على دول الخليج لأنّها مسّت بأمنها القوميّ، و أصبحت مهدّدة ليس بعروشها فقط، و إنّما بكياناتها الهشّة، فقد انكشفت فضاءاتها أمام أطماع الدّول الإقليميّة بها، و خاصّة إيران، الّتي اهتبلت الفرصة، و أخذت تتمدّد في المشرق العربيّ على عربة المذهب، وصهيل تصدير الثّورة ضاربة بعرض الحائط كلّ القوانين الدّوليّة، و علاقات حسن الجوار.
احتلال العراق أحدث خللاً استراتيجيّاً كبيراً، مازالت دول المنطقة تدفع ثمن انهياره، ومرجّح أنّه سيستمرّ إلى أن يعود العراق إلى مجاله العربيّ، وتصفى مشاربه ،الّتي عكّرتها سموم الاحتلالات .
بسقوط الجدار السّياسيّ العراقيّ ضبعت دول المنطقة أو مورس عليها التّضبيع؛ من أجل سوقها إلى التّطبيع بتصميم سياسيّ خفي إلى البحث عن حلفاء جدد، و لو كان عدوّ الأمس يحفظ كياناتها من الغزو، و يثبت عروش ملوكها خشية الزّلازل.
فالتّطبيع الإماراتيّ، و البحرينيّ، و……
مع دولة إسرائيل جاء وفق سياق تاريخيّ يبرّر لهم بمنظورهم ما قاموا به، حفاظاً على كياناتهم تحسّباً من توغّل أو تغوّل إيرانيّ، و استباقاً لما ستفضي إليه الإنتخابات الأمريكيّة من رئيس جديد للبيت الأبيض، وتخوّفهم من مجيء “جون بايدن”، الّذي يغازل إيران.
الدّور العكسيّ، الّذي يلعبه التّركيّ قد يهدف إلى تهدئة المخاوف، و بثر قمح الأمان و الطّمأنينة في حقول خوف هذه الشعوب المنكوبة بحكّامها من التّمدّد الإيرانيّ؛ فزيارة الرّئيس التّركيّ إلى قطر و الكويت في جزء منها لتوقيف كرة ثلج التّطبيع مع إسرائيل، فلدى تركيا أوراق ضغط متعدّدة تستطيع أن تلعب بها لضمان مصالحها، ومصالح حلفائها ، ولولا التّنافس السّلفيّ الإخوانيّ، أو الإتّكاء عليه دولاتيّاً لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه في الثّورة السّوريّة، وفي القضيّة الفلسطينيّة.