مقالات

بكائية الضحك

محمد الفضلي

كاتب وأديب سوري
عرض مقالات الكاتب

كنت برفقة بعض الشباب السوريين في أحد الدول.
فانضم إلينا رجل أردني أربعيني، صديق أحد المتواجدين.
وأخبرنا كيف طلب لجوءاً في أحد الدول الأوربية، وعن سبب طلبه للجوء.
كان يحدثنا عن قصته، ومأساته في بلاده ، وأنه تعرض للظلم والإضطهاد من قبل حكومته ودولته، بسبب مواقفه السياسية الرافضة لنظام الحكم في الأردن، وأنه دخل سجن المخابرات وتعرض للتعذيب الشديد.
ولما استفسر أحد الموجودين عن وسائل التعذيب، التي اتبعتها المخابرات الأردنية معه.
أجاب المعارض السياسي العربي بجدية بالغة:
عند إلقاء القبض عليّ أمام منزلي وعائلتي وأطفالي…. كان برفقة عناصر الأمن كلاباً بوليسية نبحتني بشدة فخفت خوفاً شديداً، ثم اعتقلوني ووضعوني في سجن المخابرات (الجويدة) في عمان، في زنزانة منفردة، ولمدة 28 يوماً، ومنعوا عني الزيارة، ولم يسمحوا لي بإجراء اتصالٍ هاتفيٍّ واحد، وأنهم كلما أخذوني للتحقيق!! كانوا يجلسوني وحيداً في غرفة لمدة 3 ساعات دون أن يسمحوا لي بالتدخين، ويشتموني بألفاظ شخصية (يا حمار، ويا خائن) طبعا دون أن أتعرض لتعذيب أو تعنيف جسدي!!
نظر بعضنا إلى بعض، فانفجر الجميع ضاحكاً بمافيهم أنا، ليقف كالمشدوه بيننا مستفسراً عن سبب ضحكنا؟!!
فقام أحد الشباب بخلع ملابسه، وآراه خارطة المجموعة الشمسية التي خلفها التعذيب على طول جسده، وعل مدى سنوات، والذي تعرض له في معتقلات النظام السوري بسبب اشتراكه بأحد المظاهرات، وأخبره كيف فقد اثنين من أشقائه تحت التعذيب، وكيف هدموا له قريته وأبادوها عن بكرة ابيها؟!! وكيف وكيف؟!!!
تأثر جميعنا بقصته، التي ما انفك يخبرنا بها بين الفينة والأخرى، مذ عرفناه
ولما نظرت في وجه الأردني، لم أشاهد مدى التأثر الذي تأثر به كثير منا، فقلت له:
ما رأيك بما سمعت؟!
أو تسمي الذي تعرضت له تعذيباً أمام هذا؟!
فابتسم ساخراً، وقال لي:
يا صديقي، أو تسمي الذي كان عندكم دولة ونظام وقانون؟!
يا حبيبي… أنتم أمام قطيع من الوحوش المتعطشة للدماء همها القضاء عليكم، وأعذرني…فلقد كنتم أمام عصابات مجرمة قاتلة، ومافيا ساقطة تعمل لجعلكم خرافا في مزرعة الحاكم
أما أنا فلقد كنت في نظام ودولة ومؤسسات تدّعي أنها محترمة وتحمي حقوق الإنسان، ولدينا انتماء وهوية
وواجب على دولتي، وضمن الدستور والقانون، ومن حقوقي كإنسان أن تبقَ كرامتي مصانة، وأن حرية التعبير مقدسة، وألا أُعتقل بسبب الرأي السياسي، وألا أتعرض لأي شكل من أشكال الحرمان أو التعنيف أو التعذيب النفسي أو الجسدي.
لذا لا تقارن ما حدث معكم بما حدث معي.

ثم غادرنا وهو ينظر إلينا بكثير من الشفقة، وبقي أغلب الشباب السوريين يتداولون قصته لأيام عديدة، وكانت تعلوا الأصوات بالضحك كلما رويت مرة أخرى، وكلما انضم سوريٌّ جديد للمجموعة
الجميع كان يضحك والدموع في عينيه…ربما استهزاءً بمفهوم التعذيب وأشكاله، وربما مثلي استهزاءً بواقعٍ متوحش نعيشه في ظل عصابة مجرمة لازالت تغتصب الوطن، مدعومة من كل شياطين الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى