حقوق وحريات

إضاءات سياسية (67)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

أمريكا والديمقراطية

28/07/2005

إذا خرجنا عن مفهوم الديمقراطية التاريخي في اليونان حيث انبثقت ونمت ، فلا نجد لها تطبيقاً واحداً في العالم .

إنني أفهم الديمقراطية أسلوب للحكم يتعاقد الناس فيها على احترام الرأي الآخر والقبول بالأكثرية الانتخابية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع .

وباعتبار أنني أفهم الديمقراطية أسلوباً للحكم نجح حتى الآن في الكثير من بقاع العالم بتأسيس أنظمة حرية تعتمد الشفافية والحوار السياسي منهجاً للحياة ، أفهم كذلك أن الديمقراطية تؤسس لدولة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص ، وباختصار دولة الكل الاجتماعي .

ولا أعتقد أن البلد الذي تتحكم فيه وتديره شركات عملاقة واحتكارات يمثل حالة ديمقراطية .

في الولايات المتحدة الأمريكية التي زرتها مراراً وتكراراً من شرقها لأقصى غربها خرجت بانطباع بأن هذه الدولة إنما هي دولة شركات عملاقة واحتكارات كبرى ، المكان الرئيس فيها للثروة والقوة لا لشيء آخر ، صحيح أن صناديق الاقتراع تلعب دوراً أساسياً في الحياة إلا أن هذه الصناديق محتكرة من قبل حزبين لا يختلفان واحدهما عن الآخر سوى في السياسة الداخلية ، أما في السياسة الخارجية فهما سواء ، وتتمترس هذه القوى السياسية بإعلام يضرب طوقاً على الدولة فيحاصرها ويترك الشعب جاهلاً وغائباً عما يحاك في الخارج ، وحتى في الداخل فكثير من الأمريكيين لا يعرفون خارج الولاية التي يعشون فيها شيئاً .

الشعب الأمريكي كسائر شعوب العالم فيه السيئ وفيه الجيد وهو بالإجمال طيب وبسيط يقوده بلدوزر المال بلا شفقة ولا رحمة ، وكذلك السياسيون الذين يقبضون على مقاليد الأمور من طبقة أرباب الأموال .

يحاول حزب الخضر “رالف نادر” أن يشق طريقه وسط هذه اللجة إلا أنه لم يفلح حتى الآن ، وفي آخر زيارة لي للولايات المتحدة طلبت من شبابنا الذين يقيمون هناك الانخراط في هذا الحزب ضمن مقولة أنهم سيصبحون أكثر قوة إذا انضموا إليه كما يبادلونه القوة لشق طريقه بين لجّة عمالقة المال .

في عام 1987 زرت الولايات المتحدة واحتجت لمراجعة مشفى عام ، و هناك سمعت حديثاً جرى بين موظفتين تخبر الواحدة منهما الأخرى بأنها تملك قيمة وجبة الغداء “لنش” -وهي وجبة خفيفة تؤخذ أثناء العمل- ، إلا أن الغريب في الموضوع أن هذه الموظفة أعلمت زميلتها بأنها إذا تناولت وجبتها سوف لا تتمكن من العودة إلى دارها “بالباص” لأنها لا تملك أجرة العودة ، ولذلك استغنت عن تناول وجبتها .

فوجئت بهذا الحديث ، إذ لو أني سمعته في بلادنا لما استغربته ، إلا أنني سمعته من موظفة تعمل في مشفى في أكبر دولة في العالم ، وتكررت أمامي مشاهد البؤس والناس الذين لا يجدون منـزلاً يؤويهم  “homeless” كما يسمونهم ويقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة .

كيف لي أن اسمي هذا البلد ديمقراطياً ، لقد أسست الولايات المتحدة على القمع والقتل للسكان الأصليين وعلى التمييز ضد الملونين فأين يمكن لي أن أجد الديمقراطية هناك ؟ إنما يساعد الولايات المتحدة الآن هو المؤسسات فهي بلا شك دولة مؤسسات .

دعمت الولايات المتحدة في العالم الأنظمة الاستبدادية وأحياناً خلقتها كما يشرح ذلك “مايلز كوبلاند” في كتابه لعبة الأمم ، وهي ترى أن هذه الأنظمة يمكن أن تحقق لها مصالحها بعيداً عن أي معنى إنساني نبيل وبعيداً عن مصالح الدول التي تحكمها هذه الأنظمة ، فهل يمكن لنا أن نصدق بأن الولايات المتحدة بإداراتها الحالية يمكن أن تساعد في التحول الديمقراطي في عالمنا العربي المليء بالثروات ؟ ونحن لدينا خير شاهد على كذب هذا التوجه الأمريكي في ليبيا وتونس والباكستان وعدد آخر من الدول العربية والإسلامية .

إن ما تطرحه الولايات المتحدة علينا فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي وفي احترام حقوق الإنسان كلمة حق أريد بها باطل ، ذلك أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة هو السيطرة على عالمنا العربي والإسلامي وتحويله إلى تابع لها كلياً .

سبق أن اطلعت على مجموعة تقارير قدمت للكونجرس الأمريكي في عام 1974 عقب أزمة النفط وفيها دراسة كاملة لاحتلال منابع النفط في دول الأوبك بغرض السيطرة على اقتصاد العالم .

لقد ساهمنا مع الأسف الشديد ، في إسقاط الاتحاد السوفيتي وخلا الجو للوحش الأمريكي كما يقال في المثل المشهور “خلا لك الجو فبيضي واصفري” ، وبدأ باحتلال أفغانستان ليكون في وسط آسيا ، ثم أعقبه احتلال العراق ، ومن قبل تم احتلال الخليج ، فهل سيفرض علينا السيد الأمريكي ديمقراطيته العسكرية على رؤوس الحراب ؟ .

لقد أسسنا في الأندلس دولة التعدد والحرية والكل الاجتماعي ، ولم نكن نعرف الديمقراطية آنئذ إلا أن دولتنا أفلَتْ بعد الدماء التي سالت في أعقاب القتل على الهوية مارسه الغرب ، والذي لا يزال يمارس التصفية الجسدية على الهوية في البوسنة والهرسك ، فهل هذه الديمقراطية التي نريد ؟ .

لا بد لنا من وقفة مع الذات ومراجعة دقيقة لكل خطوة نخطوها حتى نتحاشا أن لا تدق فيها أعناقنا .

من نورييغا إلى روبرتسون

30/08/2005

بالأمس البعيد أقدمت الولايات المتحدة على احتلال باناما بهدف اعتقال رئيسها نورييغا ، ولم تنفع يومها سائر الأعمال الهادفة لحمايته بما فيها احتضانه من قبل السفارة البابوية .

تم اقتحام السفارة واعتقل نورييغا رئيس جمهورية دولة مستقلة هي باناما واقتيد إلى السجن في الولايات المتحدة حيث يقيم حتى الآن بين جدرانه .

تكرر عدوان الولايات المتحدة عبر أعمال كثيرة بعدها وقبلها بدءاً من قنابلها على هيروشيما وناغازاكي ومحاولة إحراق شعب فيتنام الشمالية بالنابالم ، وهبطت حديثاً جحافلها في أواسط آسيا
-أفغانستان- بحجة “الحرب على الإرهاب” ثم امتدت حربها القذرة على العراق الشقيق فدمرت البلد بكامله بحجة إزاحة “ديكتاتور العراق صدام حسين” وشرّعت لنفسها أن تكون شرطي العالم لتأديب المارقين والأشرار والخارجين على القانون .

ولم تنس أن رئيسها حين أعلن حربه على الإرهاب وصف الحرب بأنها حرب صليبية ، ثم خرج علينا هنتنغتون بمقولة صراع الحضارات وتصور بعض حسني النية بأن أفكاره هذه إنما هي آراء شخصية لا تعكس ما تراه الإدارة الأمريكية .

وبالأمس القريب طلع علينا القس روبرتسون الذي ينتمي إلى دين يدعو إلى التسامح والمحبة بتصريح  يدعو فيه إلى اغتيال شافيز رئيس جمهورية فنـزويلا بداعي أنه لا ضرورة لصرف الأموال للتدخل من أجل تغيير النظام في فنـزويلا كما حصل في غيرها ، ويمكن لجهاز المخابرات “C. I. A” القيام بذلك دون كلفة تذكر .

الإدارة الأمريكية أصابها “داء الخرس” فلم تنبس ببنت شفه ، في حين نراها صباحاً ومساء تنتقد تصريحات مسلمين أو خطابات بعضهم وتتهم من يدافع عن أرضه وعرضه بالإرهاب سواء في فلسطين أم في العراق أو أفغانستان ، لأن المطلوب هو الحل الأمريكي لا غير والانصياع لتعليمات الإدارة الأمريكية دون اعتراض ، وإلا يتهم من يعترض بالإرهاب وبالخروج على القانون الدولي ومخالفة المجتمع الدولي الذي تدافع عنه بحرارة هذه الدولة  “السوبر باور” .

كيف يمكن لنا أن نفسر القوانين والقرارات والتعليمات الحديثة في بريطانيا التي تبيح ترحيل أي شخص من غير البريطانيين “ذوي العيون الزرق” إذا تكلم كلاماً يفهم منه التحريض على العنف أو الإرهاب ؟ .

قلنا سابقاً أن العنف يتناسب طرداً مع انعدام العدالة ، ولم يصدقنا “العم سام” ولا من يؤيده من دول الغرب ، وشاهدنا كيف تصاعد العنف من بدء الحرب على الإرهاب التي تقوده الدولة الإرهابية الأولى في العالم “الولايات المتحدة الأمريكية” ولا تزال تصر على الاستمرار فيه ، فبدلاً من أن تبحث عن بواعث العنف أو ما تسميه “الإرهاب” وتعالج الأسباب المؤدية له ، تستمر الدولة في خداع رعاياها ، بحجة أن الإرهاب يستهدف الأمريكيين ولا بد من الاستمرار في الحرب عليه .

لا أعتقد أن اتجاه الدولة الأقوى في العالم قادر على استمرار التصرف بنفس الأسلوب الذي تدعي أنها تنبذه ، ذلك أن المزيد من الضغط سيؤدي حتماً إلى الانفجار ، وهو ما على الإدارة الأمريكية التنبه له قبل فوات الأوان .

ميدالية المقاوم (خوزن بينينغ)

14/03/2006

منحت “مؤسسة خوزن للمقاومة 1940-1945” الهولندية وسامها لعام 2006 للأستاذ هيثم المالح ، وهو وسام  يمنح سنوياً للمناضلين . وللهيئات العاملة في حقل حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية .

وكان الأستاذ المالح قد دعي لحضور الاحتفال الرسمي الذي يقام بهذه المناسبة في 13/03/2006 ، في مدينة فلاردينغن ، الذي يجري فيه عادة تقليد الوسام ، وللمشاركة في النشاطات الأخرى المتعلقة بهذه المناسبة . إلا أن السلطات السورية حالت بينه وبين السفر ، على الرغم من الوعود التي تلقتها ، والجهود التي بذلتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ووزارة الخارجية الهولندية والسلطات النمساوية بوصفها الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي .

وكان الأستاذ المالح قد أعد كلمة لهذه المناسبة ، ألقيت نيابة عنه لعدم تمكينه من السفر ، وهذا نصها :

أيها الحفل الكريم

بداية أسجل شكري العميق لمؤسسة (خوزن فيت زيت 1945) لتشريفي بجائزتها خوزن بينينغ عام 2006 .

 كما أشكر الحكومة المحترمة لصاحبة الجلالة ملكة هولندا

وأحيي جميع الحضور

أيها السيدات والسادة

أجدني حريصاً على أن أقدم نفسي في بداية هذه الكلمة ، فأنا محام قضيت من عمري نحواً من خمسين عاماً في العمل القانوني ، منها عشر سنين في القضاء ، وقد بلغت الآن الخامسة والسبعين .

عقب الحرب العالمية الثانية وانسحاب الجيوش الفرنسية من سورية بدأت تجربة ديمقراطية في عام 1945 وما إن حل عام 1949 حتى وقع الانقلاب العسكري الأول بدفع من السفارة الأمريكية في دمشق ، إذ استولى ضابط على الحكم وبدأت مرحلة حكم عسكري مختلف تماماً لا نزال نعاني منه حتى الآن .

وجدتني في بداية شبابي مدفوعاً لنقد السلطة في جانب الفساد فكنت أعتلي المنابر وأخطب مندفعاً بحماس الشباب مما أدى لاستدعائي للتحقيق في الأمن العسكري في عام 1951 وأوقفت فترة صغيرة كانت كافية لتفتح أفكاري حول الاستبداد ، وخضعت لمراقبة الأجهزة الأمنية لثلاث سنوات في أواخر الخمسينيات .

في عام 1966 أصدرت السلطات السورية مرسوماً قضى برفع الحصانة عن القضاء وأقصيت من العمل القضائي الذي سلخت فيه من عمري نحواً من عشر سنين ، مع ثلاثة وعشرين قاضياً من كبار القضاة وبدأ في سورية عهد جديد من التسلط على القضاء ، وغياب سيادة القانون .

في عام 1978 كنت عضواً في مجلس إدارة نقابة محامي دمشق (لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان) وقد طلبت من المجلس دعوة الهيئة العامة لنقابة المحامين لمناقشة حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، فاجتمعت الهيئة العامة في مايو/أيار وأصدرت القرار رقم (1) الذي اعتبر في ذلك الحين خطوة هامة في اتجاه حقوق الإنسان .

سرت العدوى إلى جميع نقابات المحامين في سورية ثم للنقابات العلمية التي اتخذت قرارات مشابهة ، وكان من ثمرة ذلك أن عمدت السلطات الحاكمة لحل النقابات العلمية وتعيين مجالس بديلة وإخضاع النقابات كلياً للسلطة واعتقلت مع آخرين في مطلع عام 1980 وبقيت رهن الاعتقال حتى نهاية 1986 دون تحقيق أو محاكمة .

خرجت من السجن وأنا أشد صلابة من السابق وتحركت في إطار الانتصار لحقوق الإنسان وممارسة الضغوط على النظام لإطلاق سراح المعتقلين الذين قدروا في ذلك الوقت بخمسين ألف وتعاونت مع منظمة العفو الدولية في هذا الشأن ومع فروعها في أوروبا بما فيها فرعها في أمستردام .

منذ خمس سنين أسست مع رفاق لي في سورية “جمعية حقوق الإنسان” التي قامت بنشاط متميز يتصف بمصداقية وشفافية عاليتين .

منحت درع المدافعين عن حقوق الإنسان من البرنامج العربي لحقوق الإنسان في القاهرة عقب دفاعي عن معتقلي ربيع دمشق وبعد إلقاء محاضرة في نادي الصحفيين في القاهرة عام 2003

في كانون الأول/ديسمبر 2004 دعيت من رئيس الوزراء الفرنسي لحضور احتفال في قصر الاليزيه لمنحي جائزة عن بحث يتعلق بالتعذيب كما كنت مدعواً من الاتحاد الأوروبي للمشاركة في منتدى حول المدافعين عن حقوق الإنسان (في لاهاي) ، إلا أنني منعت من المغادرة وأعدت من مطار دمشق الدولي في نفس اليوم ، فسطرت للسيد رئيس الجمهورية في سورية رسالة مرفقة بصورة عن كل من الدعوتين .

أرسلت لي الحكومة الفرنسية الميدالية إلى سفارتهم في دمشق وأقام سعادة السفير حفلة تكريم سلمني خلالها جائزتي وشكرتهم على ذلك بكلمة مماثلة .

السيدات والسادة :

بدأت علاقاتي مع أوروبا مع نهاية 1967 فزرت بلدكم هولندا للمرة الأولى في حياتي ، ومنذ ذلك الوقت وحتى ثلاث سنين خلت وأنا أتنقل بين عواصم أوروبا ، متخذاً لنفسي أسلوباً حوارياً مفتوحاً مع الناس جميعاً فأنا أؤمن بضرورة الحوار واعتقده أنه المفتاح لتعاون أوثق بين الشعوب .

إن بين بلداننا وأوروبا علاقات تاريخية قديمة اكتنفت بعضها جوانب مظلمة وأخرى مشرقة ، يمكن استشفافها من خلال الحروب الصليبية ، وما بعدها .

إن الحضارة الإنسانية أيها الإخوة هي سلسلة مترابطة لا تستطيع أي أمة أو شعب الادعاء باحتكارها ، فهي نتاج الإنسانية جمعاء ، ولقد ساهم العرب والمسلمون مساهمة فعالة في هذه الحضارة ، والتاريخ خير شاهد على هذا ، فقد كانوا صلة الوصل بين الحضارات القديمة والحديثة .

تعلمون أيها السادة أنه في ظل قيادة دولة الولايات المتحدة -القوة المتفردة الآن- في اتخاذ القرار وتنفيذه بعيداً عن احترام الأمم المتحدة أو القانون الدولي أو شرعة حقوق الإنسان ، نقف مشدوهين إزاء ما يعانيه العالم من انتكاسة ورِدَّة ، ذهبت بما أحرزه الإنسان من مكتسبات ، وبكل القيم والمبادئ والمصداقية .

إن ما يواجهه هذا العالم من زيفٍ ، قلبَ المفاهيم وأفسد الموازين واقتلع الثقة وهيج العداوات والبغضاء بين الشعوب ، وأعاد الناس إلى شريعة الغاب ليحتكموا إليها فيما ينشب بينهم من نزاعات ، بعد أن كانوا تجاوزوا هذه الشريعة ، وأيقنوا أن استخدام القوة وإشعال نار الحروب والفتن لا يحل المشكلات بقدر ما يعقدها ، وأن المشكلات إنما تحل على طاولة المفاوضات مهما طال أمد التفاوض . وكان الاتحاد الأوروبي ثمرة هذا التحول ، وشكل منعطفاً حاداً أو شوطاً متقدماً في مسيرة التقدم البشري .

إننا نفهم المخاوف الموجودة لديكم من توافد الغرباء على بلدانكم ، وإنني أرجع ذلك إلى نقطتين أساسيتين :

أولهما : أن هناك شرخاً كبيراً بين مواطني الدول العربية وبين حكوماتها إذ يجد المواطنون أن الحكومات لا تدافع عن مصالحهم وإنما همّها هو التمسك بكراسي الحكم ، ونهب المال العام وهي من جهة أخرى تخضع للضغوط الخارجية وتنحني أمامها .

وثانيهما : يجد المواطنون في بلداننا في الضغوط الخارجية على العالم العربي ودوله ذريعة من أجل تمرير المصالح الغربية عبر دعم الأنظمة الاستبدادية من جهة وللحفاظ على أمن إسرائيل من جهة أخرى من دون الاكتراث لإصلاح الأوضاع الداخلية وإن المواطن العربي حين يشاهد يومياً المجازر ترتكب بحق شعبنا في فلسطين واقتلاع الأشجار وتدمير البنية التحتية والاعتداء على المقدسات بينما يقف الغرب مكتوف الأيدي تجاه ما تقوم به إسرائيل وخاصة لجهة رفضها المطلق لجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وكذلك قرارات مجلس الأمن الدولي ومؤخراً قرار محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالجدار العنصري الفاصل . إن المواطن يحس بالمرارة ويزداد احتقانه احتقاناً بينما تمارس الأنظمة  قمعاً داخلياً في الوقت الذي نجدها متساهلة تجاه الضغوط الخارجية ودون أي اكتراث لرأي الشعب في قضاياه المصيرية .

كذلك يشاهد المواطن ما يجري في العراق الذي اجتاحته جيوش الولايات وبريطانيا بحيث تم تدمير بنيته التحتية وتخريب مؤسساته ، بينما يقف المجتمع الدولي لا يحرك أي ساكن بل ولقد اكتسبت الدول الغازية غطاء الأمم المتحدة وتم شرعنة الاحتلال .

لقد آلمنا ما وقع من عنف تجاه سفارات بعض الدول الاسكندنافية إلا أن  قيام بعض الصحف بنشر صور لرسولنا يثير حفيظة المجتمع المسلم ، إذ لم يكن هناك أي مبرر لهذه الرسوم فلماذا تم ذلك ؟ إن الاحترام الذي يبديه كل طرف للطرف الآخر يدفع بالحوار قدماً للأمام .

من جهة أخرى فإننا لا يمكن أن ننسى تضامن شعوب كثيرة أوروبية ومن العالم معنا والمظاهرات التي عمت ستمائة مدينة أوروبية وأمريكية ، ضد الحرب على العراق وبرغم أن كل ذلك لم يزحزح الإدارة الأمريكية عن الاستمرار في برامجها التوسعية الاستعمارية التي تهدف للسيطرة على اقتصاد العالم من خلال السيطرة على منابع النفط ، إلا أننا نثمن عالياً هذا التضامن .

لقد شكلت المسيرات الاحتجاجية التي جرت بتاريخ 12 شباط/فبراير قبيل الحرب على العراق للتضامن مع العالم العربي شكلت منعطفاً هاماً في تاريخ البشرية ، وإنني بهذه المناسبة أدعو من على هذا المنبر لجعل يوم 12 شباط/فبراير من كل عام يوماً عالمياً للتضامن بين الشعوب ضد الحروب والدعوة لترسيخ السلام العالمي القائم على العدل والتسامح والاحترام المتبادل .

أيها السادة إن التاريخ المشترك بيننا ودروسه المستفادة ومآسي الحربين العالميتين الطاحنتين يجب أن تدفعنا باتجاه إقامة سلام مجتمعي عالمي ، لقد قال الله في كتابه الكريم :

) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ … ( [البقرة : 208] ،

فالسير في الاتجاه المعاكس للسلم إنما هو طريق الشيطان الذي يدفع باتجاه إشعال الحروب .

 أعود أيها الحفل الكريم لأكرر شكري وامتناني للمنظمة الراعية لهذا الاحتفال وكذلك للحكومة الهولندية وللشعوب الأوروبية التي لا تزال تناضل من أجل حياة أفضل .

عاش نضال الشعوب للدفاع عن حقوق الإنسان وإقامة العدل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى