مختارات

آخر المشوار: رياض نجيب الريس

فواز حداد

أديب سوري
عرض مقالات الكاتب

يعز علي السوريين نعي “رياض الريس”، كان الأب والأخ والصديق للسوريين جميعاً دون استثناء. لم يتزحزح عن ايمانه بسورية حرة، دولة مدنية ديمقراطية، وكان سواء بصفته صحفياً أو ناشراً، وطنياً سورياً حتى العظم. وإذا كان لم يتنازل عن عروبته في هذا الزمن، فلأن عروبته لم تكن خاضعة لمرحلة، كان أيضاً عربيا حتى العظم.
تبدو مسيرة رياض الريس، استكمالاً لمسيرة والده الرائدة نجيب الريس الصحفي والسياسي الوطني، صاحب المقالات الجريئة في جريدته “القبس” الناقد العنيف الذي لم تلن قناته للانتداب الفرنسي، ولا للحكومات الوطنية، لم يوفرها من انتقاداته، إنه سجين جزيرة أرواد، التي انطلق منها النشيد الذي حفظه الشباب العرب:
يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلام
تلقى رياض خبراته الأولى في جريدة “القبس” الدمشقية. كذلك بداياته الأدبية في كتابة الشعر، وكأنه ورث عن أبيه الصحافة والشعر معاً. بيد أنه مع الوقت سيلتزم بالصحافة، وتبدأ تجاربه الأولى وهوما يزال يدرس في “برمانا؛ وفيما بعد في لندن. وينشط سياسياً أينما حلّ. لدى عودته من بريطانيا، عمل في جريدة الحياة، مع مؤسسها كامل مروة. كانت تجربته الأولى كمراسل صحفي في فيتنام عام ١٩٦٦، ثم عمل في جريدة “النهار”، مع “غسان تويني”، وفي مجلة “الصياد مع “سعيد فريحة”. وسيتابع الصحافة الميدانية في أسفاره إلى تشيكوسلوفاكيا أيام “ربيع براغ”، وانقلاب اليونان العسكري ١٩٦٧ وأحداث قبرص ومناطق أخرى، ثم إلى إمارات الخليج ومشيخاته.
مع نشوب الحرب الأهلية اللبنانية ١٩٧٥ سيغادر إلى لندن، ويصدر جريدة “المنار” وكانت أول أسبوعية عربية في أوربا، ويؤسس هناك شركة رياض نجيب الريس للكتب والنشر سنة ١٩٨٦. وسوف تحتوي إصداراتها على الكثير من الكتب المثيرة للجدل، رافقها تأسيس مكتبة “الكشكول”. ثم تأسيس مجلة “الناقد” التي ستواجه رقابات البلدان العربية كافة، وتحدث زلزالاً في الثقافة العربية، وتحتضن كتابات المثقفين من دون أن يضيرها الممنوع منها. لكن توقفت بعد خسائر مادية لم يستطع تحملها، ليبدأ تجربة أخرى، في مجلة “النقاد” الأسبوعية، لم تصمد طويلاً، كانت الرقابات نفسها والموانع نفسها.
وإذا كان قد اختار النشر كمهنة إضافية، لكنه استطاع أن يسجل خطوة لافتة في ميدان النشر العربي، حيث المنع شعار الدول، فكان أكثر ما نشره من الممنوع الذي لا تتجرأ عليه الدور الأخرى، وكان يجد طريقه إلى الداخل.
أصدر رياض الكثير من الكتب عن مسيرته الصحفية، وتحقيقاته الميدانية، وأسفاره وتحليلاته السياسية في أحوال الخليج، كتب تعد مدرسة في الصحافة والمعرفة والمخاطرة وارتياد الآفاق،
تميز رياض الريس بالجرأة في كل خطوة يخطوها. وإذا انحاز في مواقفه السياسية، فليس إلى دولة ولا إلى نظام. انحاز إلى الثورة السورية، كجزء من الربيع العربي، منذ اعتقل أطفال درعا. لم يكن متفائلاً، كان يعرف ضراوة الأنظمة وجبروتها، ويعول على الإصلاح، ليس إصلاح الأنظمة، فهي عسيرة على أي إصلاح. كان يؤمن بالنور والمعرفة والعدالة والحرية، كان حراً.
شكراً رياض الريس، أنا وكثيرون غيري مدينون لك، لولاك لما رأت كتبي، ربما النور، كنت خير صديق وراع لمسيرتي الروائية. لم تكن ناشري فحسب، كنت المعلم.

المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك
https://www.facebook.com/100003662484538/posts/2043691309096265/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى