مقالات

تعزية للشعب السوري والعالم الإسلامي بوفاة العلامة المحدث والفقيه الدكتور نور الدين عتر (رحمه الله)

قال تعالى:
[الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] (البقرة: 156)

بلغنا خبر وفاة العلامة الجليل والمحدّث الكبير فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور نور الدين عتر الذي وافته المنية في الحي الجنوبي من مدينة دمشق، صباح يوم الأربعاء بتاريخ “6 صفر 1442هـ الموافق لــ 23 سبتمبر2020م”. رحمه الله تعالى.

بعد مسيرة طويلة في العلم والعطاء التربوي والروحي والأخلاقي والدعوي والعلمي، وعن عمر يناهز الثالثة والثمانين، رحل العلامة نور الدين عتر عن الحياة الدنيا، رحمه الله تعالى وغفر له وأسكنه واسع رحمته، وجزاه عن أهل العلم وطلابه كل خير، وأسكنه منازل الصديقين والأبرار، وأنزل الصبر والسلوان على قلوب أهله وإخوانه وطلابه وأحبائه.

هو الإمام المفسر، والمحدث الحافظ الفقيه، الأستاذ الدكتور نور الدين عتر، الحسني نسبة، الحنفي مذهباً، الحلبي مولداً، نزيل دمشق، ذو السبق في علوم الحديث النبوي الشريف روايةً ودرايةً في مجالات التدريس والتحقيق والتأليف. وهو من عائلة علمية عريقة في التقى والصلاح، راسخة في علوم الشريعة والحياة.

كان في مرحلة تعليمه الأولى رحمه الله، من خواص تلاميذ العلامة الجليل الإمام الشيخ العارف بالله محمد نجيب سراج الدين رحمه الله ورضي عنه. كما كان موضع نظر أساتذته الكبار من شيوخ الأزهر وعلمائه لما رأوه فيه من النجابة والاجتهاد والتُقى، وقد هيأ الله له الاستفادة من علماء عاملين راسخين بالعلم أبرزهم: الشيخ مصطفى مجاهد، الشيخ محمد السماحي، والشيخ عبد الوهاب البحيري، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمهم الله تعالى وأعلى مقامهم. إلا أن صاحب الأثر الأكبر في تكوينه العلمي والخُلقي والتربوي هو العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني، الحافظ المفسر، والعارف المحقق، والدكتور نور الدين (رحمه الله) هو ابن أخته وصهره زوج ابنته.
كانت أطروحته رحمه الله في الدكتوراه عام 1964، تحت عنوان: «طريقة الترمذي في جامعه، والموازنة بينه وبين الصَّحيحين»، وتعتبر نموذجاً فريداً من حيث المضمون والمنهج؛ وغدت طريقته في تبويبها نمطاً فريداً اعتمده كثير من الباحثين في مناهج المحدثين.
وفي عام 1967م عاد إلى دمشق ليعُيِّن مدرِّساً ثم أستاذاً في كلية الشَّريعة بجامعة دمشق فيها، ودرَّس مادتي الحديث والتفسير في كليات الآداب في جامعتي دمشق وحلب، كما درّس في العديد من الجامعات العربية والإسلامية لفترات وجيزة، إضافة إلى العديد من المساجد. وعمل خبيراً مختصاً لتقويم مناهج الدراسات الجامعية الأولى ومناهج مرحلة الدراسات العليا في جامعات متعدِّدة في العالم الإسلامي. وأشرف على عشرات الأطروحات الجامعية من دكتوراه وماجستير، وهو محكَّم لبحوث الترقية لمدرّسي الجامعات، وعرف بدقته الشديدة في تحكيمه.
تجاوزت كه ومؤلفاته الخمسين مؤلفاً، أبرزها كتابه: (منهج النقد في علوم الحديث) الذي اعتبر نقلة تاريخية جديدة في علم المصطلح بعد مرحلة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وأيضاً كتابه (إعلام الأنام) الذي يعد تحفة نادرة في الحديث التحليلي، أبدع في بيان كيفية استنباط فقهاء الأمة الأحكام المختلفة من النص الواحد… ومؤلفات أخرى، وأكثر مؤلفاته معتمدة كمقررات تدريسية في جامعة دمشق والأزهر وجامعة حلب وغيرها.

كان – رحمه الله – أباً شفوقاً ومعلماً صارماً ومربياً مصلحاً لطلابه، إذ ساهم في تكوين شخصياتهم العلمية والدعوية، وكانت له الأيادي البيضاء في افتتاح الكثير من المعاهد والمدارس الشرعية، ومساعدة عدد من طلاب العلم مادياً.

والشيخ العلامة نور الدين عتر (رحمه الله) مع كونه من كبار علماء الحديث الشريف، فقد تميز بالناحية الروحية الواضحة؛ فتزكية النفس غايته، وإدراك رضا الله ورسوله هدفه، زاهدٌ في المناصب والدنيا، نقي الصدر نقاء الثلج، خاشعٌ، رقيق القلب بَكاءٌ. وإن من يحضر مجالسه من ذوي الألباب يجزم أن الشيخ يحيا في عالم من أحبهم قلبه وتعلق بهم من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه وأتباعه، ولذلك فإنه رغم ضخامة إنجازاته وأدواره الدعوية والفكرية والاجتماعية والخيرية، فإنه يبتعد عن الأضواء ما أمكنه، لصدقه وتواضعه واستقامته.

وأخيراً، أتقدم بالتعزية الخالصة لعائلة الشيخ الجليل نور الدين عتر ولشعب سوريا الشقيق على فقدان هذا العالم الكبير. ونسأل الله تعالى أن يعوضنا عنه خيراً، ويكثر الله في الأمة من أمثاله من العلماء العاملين الربانيين، وأن ينفع شيخنا الجليل بما قدّم في آخرته.
إنه على كل شيء قدير…. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

د. علي محمّد محمّد الصلاّبي
7 صفر 1442 ه/ 24 سبتمبر 2020م

(ملاحظة: المعلومات التفصيلية من موقع نسيم الشام وصفحة الدكتور وصفي عاشور أبو زيد)

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رحمه الله وغفر له
    سؤالي : ماذا كان اثر الشيخ في المجتمع السوري بل المجتمع الدمشقي
    قلة من عامة الناس يعرفونه ولا اقول طلاب كلية الشريعة . أين اثره وهو عالم الحديث مما يعيشه السوريون من بدع وضعف في العقيدة وتسلط مشايخ تلسوء للساحة الدينية؟ وما عو موقفه من توغل الشيعة في المجتمع السوري ؟
    واخيرا اين كان طيلة أيام الظلم والقهر ؟ وما هو موقفه من الثورة السورية ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى