إضاءات سياسية (63)

حقوق الناس
يولد جميع الناس أحراراً ، والمادة الثانية التي تؤكد أن لكل إنسان الحق في التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دونما تمييز من أي نوع ، والمادة الثالثة التي وردت في الفقرات السابقة ، والمادة الرابعة من الإعلان التي تنفي كل أنواع الاسترقاق وتحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صوره ، والمادة الثالثة عشرة تقرر لكل فرد الحق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة وكذلك الحق في مغادرة أي بلد ، والمادة السابعة عشر التي تؤكد أنه لكل فرد حق في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره ، والمادة الثانية عشر التي تبين أن لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده على حدة ، وتقرير المادة التاسعة عشر أن لكل شخص من حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والآراء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار الحدود ، كما تؤكد المادة العشرون من الإعلان على حق كل شخص في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية ومنع إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما وغيرها من المواد المشتملة على مضامين تكرس أهمية الحرية وتبين أبعادها ومجالاتها ، لذلك فالمطالب الرئيسية التي اندرجت تحت ظاهرة حقوق الإنسان العادل : حق السلامة الشخصية ، حق الحماية من الظلم ، حق حماية الشرف والسمعة ، حق اللجوء إلى بلد آخر ، حقوق الأقليات ، حق المشاركة في الحياة الاجتماعية ، الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير ، الحق في حفظ المال ، حق العمل ، حق كل فرد بالاشتراك في إدارة الشؤون العامة ، حق الزواج وتأسيس الأسرة ، وحقوق المرأة ، الحق في التربية والتعليم ، الحق في حفظ الحياة الشخصية ، حق اختيار مكان الإقامة ، ومن البديهي أن تطبيق هذه القوانين متوقف على وجود أصل مسلم به يعد شرطاً أساسياً لاستيفائها وهو : عدم تعارضها مع حقوق الآخرين وأن لا يؤدي وجودها إلى تعطيل حقوقهم .
ويقول الإمام عليّ (رضي الله عنه) في ذلك ضمن كلام واضح وجميل : “أيُّها النّاسُ إنّ آدم لم يلد سيّداً ولا أمةً وإنّ النّاس كُلُّهُم أحرار” وفي رواية أخرى عن عليّ (رضي الله عنه) : “الناسُ كُلُّهم أحرار إلاّ من أقرّ على نفسه بالعُبُوديّة” .
وكذلك اعتنى الإمام عليّ (رضي الله عنه) في مدة حكمه بحماية مبدأ الكرامة ونبه عماله على رعاية هذه المسألة . ففي عهده إلى مالك الأشتر ، يقول عليّ (رضي الله عنه) : “وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، واللُّطْفَ بِهِمْ . ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ”.
حقوق المستضعفين
يتكرم علي بعض معارفي وأصدقائي في المنظمات والهيئات بدعوتي لتقديم بحث أو محاضرة في موضوع معين .
وأقر بأنني لست أهلاً لكثير من هذا التكريم الذي يفيضونه علي ويحسنون الظن بي وبما يمكن أن أقدمه للناس من معلومات متواضعة لدي .
فلقد دعتني منظمة الصحة العالمية لإقليم شرقي المتوسط ممثلة برئيسها الأخ الدكتور حسين جزائري لحضور اجتماع حول مكافحة التدخين ، وكان ذلك في الأيام الواقعة بين السادس والعشرين والثامن والعشرين من كانون أول/ديسمبر لعام 1995 ، فقدمت فيها بحثاً متواضعاً بينت فيه حقوق غير المدخنين بمواجهة المدخنين .
ثم دعتني المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت ممثلة برئيسها الدكتور حسن عبد الله العوفي بالاشتراك بمؤتمر المشاورة البلدانية حول تشريعات الصحة في مختلف الشرائع بما في ذلك الشريعة الإسلامية وكان ذلك بين 29/09 و02/10/1997 فقدمت بحثاً بعنوان “المعاق أو المعوق بين الإسلام ومدارس أخرى” .
كذلك دعتني اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومقرها “مالاكوف” في فرنسا بالاشتراك مع البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان وذلك للمشاركة في مؤتمر حول حقوق الإنسان فقدمت بين 26 إلى 28 /01/2002 بحثاً حول حقوق المغيبة قسرياً تحت عنوان (الإنسان بين الغياب القسري والتهجير) .
وكذلك دعاني مركز البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان لتقديم محاضرة حول تداعيات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وذلك في يوم 18/03/2002 في نادي الصحفيين بالقاهرة فقدمت بضعة أفكار حول هذا الموضوع .
وما كنت في يوم من الأيام أفكر أن أجمع ما أكتب في كتاب أو كراس إلى أن أشار علي أحد أصدقائي بأن أستكمل الأبحاث ببحثين حول حقوق المرأة وحقوق الطفل وأن أطلق على مجموع هذه الأبحاث عنوان “حقوق المستضعفين” وأنا فعلت ذلك استرشاداً بهدي عدد من الإخوة الذين رغبوا إلي جمع ما كتبته حول الحق والحقوق ، والتي تعبر عن قراءة اكتسبتها من الثقافة والحياة كلاهما ، وعبرهما كان أدائي من أجل كرامة الإنسان وحقوقه .
والواقع بدأت أكتب هذه المقدمة يوم الجمعة 02/12/2002 وكان يوماً بارداً كئيباً قطع فيه التيار الكهربائي عن المنطقة التي أسكن فيها فشعرت بالوحشة وأنا الذي تجاوزت السبعين من العمر ، فتلفت فلم أجد ابناً ولا زوجة يبددان عني وحشتي ، ومرت ساعات دون أن يغمض لي جفن أو يستقر بي جنب ، فنظرت فإذا بي أكتب عن حقوق المستضعفين دون أن ألحظ لي أي حق تجاه أولاد أربعة أنجبتهم وغابوا عني جميعاً مع أولادهم (أحفادي) ، ودون أن أدري هل يفكرون بي في هذه الليلة الشديدة البرودة وليس في المكان الذي أسكنه سوى ظلام دامس لا يمكن معه تدفئة المسكن لعدم وجود التيار الكهربائي ، وأقول : ألهذا يتزوج الإنسان حتى إذا بلغ سن الكهولة تركه الجميع وأضحى وحيداً ليس له سوى كتاب يؤنسه ؟ ، فإذا داهمه الظلام فقد حتى كتابه الذي يؤنسه ، لأن الكتاب أبى أن يخرج ما فيه في ظلمة القبور .
والزوجة التي تلحق بأولادها وتدع زوجها شيخاً هرماً ، أين حقوق هذا الزوج أو حقوق هذا الأب ؟ وهل سيطالب بحقوقه في معرض مطالبته بحقوق الإنسان ؟
أو ليس للرجل حقوق بمواجهة زوجته وأولاده ؟ إننا حين نتكلم عن الحقوق نتكلم عنها مجردة من العاطفة والحنين والمحبة بل لقد بتنا نتعامل مع النصوص دون أن نفكر بما وراء النصوص !! .
أين تلك العاطفة التي تجمع الأسر والأحباء والمجمعات السكانية والأمم بعدها ؟
إن العودة للروحانيات والتعاطف والتسامح هو ما يمكن لنا من التمتع بحقوق الإنسان التي نصت عليها شرائع السماء وشرائع الأرض .
قال تعالى : ) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ … ( [النحل : 127]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .