مقالات

التطبيع والطبائع

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

وأنا  أنظر بانتكاسة، وحزن إلى صفقة بيع فلسطين الأخيرة تنعكس في ذهني صورة سابقة تمثل ومضة أخلاقية رائعة لطبيعة إنسانية فذة قد التقطها، ودونها التأريخ بشرف، وهذه الومضة المنيرة عندما التقى  تيودور هرتزل  بالسلطان عبد الحميد عام  ١٨٩٦ وطلب منه طلبًا  في قرارة عصرنا يراه الكثير جداً يسير هو (( أن يقبل السلطان بهجرة بعض اليهود المضطهدين، والمشردين في أوربا إلى فلسطين)) .

 وقوله 《 وأتعهد لكم في مقابل قبولكم هذا بسداد جميع ديون الدولة العثمانية، وحتى تزويد الميزانية، والخزينة العثمانية بفائض عن حاجتها》.

وأمام هذا العرض المغري كانت الدولة العثمانية أنداك تعاني  عسر شديد، وحالة  اقتصادية متردية، وغارقة بمديونية ضخمة   أمام إحاطة بمتاريس من المشاكل، والأعداء داخلياً وخارجياً ؛وقد أيقن هرتزل أن السلطان سيقر بالموافقة، وهو مستبشر، وضاحك .

ولكن كان رد السلطان : “لا أستطيع بيع حتى، ولو شبر واحد من هذه الأرض؛ لأن هذه الأرض ليس ملكًا لشخصي، بل هي ملكٌ للمسلمين ،  والله لئن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين”.

وأنا أنظر بين رد السلطان في ظل ظرف دولته المضنية، وبين تطبيع مشائخ الدويلات الخليجية، هذه الدويلات الثرية بأموالها، ونفطها، واقتصادها نجد هنالك فرقًا شاسعًا من الطبائع الخلقية ، والدينية، والإنسانية.

ويعكس لنا هذا الفارق بأن هذه الفجوة كبيرة قد تباينت في  المنهج،  والقيم، و المبادئ،  والنظرة إلى قدسية هذه الأرض   .

بالأمس سجل  لنا التاريخ صفحات مشرقة ومواقف شامخة صدرت عن الخليفة العثماني عبد الحميد،  واليوم نرى حلقة مظلمة تقودها رؤوس يقطنها الجهل، والجبن رغم ما مكنوا من مال وأفراد ، ولكنهم غثاء كغثاء السيل، وقد قذف في قلوبهم الوهن، فنزع الله منهم المهابة وأضحوا سخرية أهل الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى