ثقافة وأدب

في الأسبوع الأول من فراقنا

ماهر لطيف

باحث و كاتب وروائي تونسي
عرض مقالات الكاتب

“في الأسبوع الأول من فراقنا، كنت أتابع صفحتكِ الشخصيةَ بحسابٍ مزيف، أرسلت لكِ مئة وعشرين رسالة، و تحدثتُ مع أصدقائك لنتقابل، كنتُ أصلي فقط من أجل أن يعودَ كلُّ شيءٍ على ما يرام، كنتُ في أمسِّ الحاجة لرؤيتك، لسماع صوتك، كنتُ أستيقظ لأطلبَكِ على الهاتف ناسياً تماماً أننا بالفعلِ افترقنا، كانَ يومي فارغًا بلا روح بلا حياة بلا طعم عبارةً عن أنينٍ،
و صراخٍ صامتٍ، بعد منتصف الليل كنتُ على استعداد أن أضحي بأيِّ شيءٍ في سبيل عودتنا، انتظرتُكِ على أحرِّ من الجمر.
بعد مرور عِدّة أشهر على فراقنا، واصلتُ متابعتي لكِ في الخفاءْ، لم أحذف الصور التي تذكرني بك، لم أنس تلك اللقاءات وبقايا عطرك التي بقيت عالقة في ذاكرتي لكنّي لم أتحدث إلا مع صديقتكِ المُقرّبة، كنتُ أصلي من أجلِ أن نلتقي مصادفة، لأفهم مِنكِ أسبابَ غيابكِ المفاجىء، بين الحين و الآخر، كنتُ أشتاقُ لصوتك و لرؤيتك، كنتُ أستيقظُ على أمل أن يعودَ كلُّ شيءٍ لطبيعته، ثم يأتي الظلامُ مُحمّلاً بخيبةٍ جديدةٍ من اليأس، كنتُ على استعداد أن أتنازلَ عن قسوةِ غيابكِ في سبيل عودتنا، عن كبريائي الشرقي عن صبري الفولاذي عن عنادي الأبدي، انتظرتُكِ كثيراً ولم تأتي.
رحلت وكأني لم أفعل لك يومًا شيئًا يستحق أن تذكريني به … رحلت، وكأنك لم تعرفيني يومًا، رحلت وكأنني مجرد نقطة في حياتك.
بعد مرور عامٍ على فراقنا، واصلتُ متابعتي لك لكن خلال فتراتٍ متباعدة، حذفتُ كلَّ الصور التي كانت تجمعُني بكِ، حذفتُ محادثاتي مع أصدقائك، وقطعتُ علاقتي بكُلِّ مَن له علاقةٌ بكِ، واصلتُ الصلاةَ من أجلِ النسيان، لقد شغَلَتني الحياة كثيراً عن طريقك، لم أعُد أشتاقُ لصوتِك الذي أصبح مشوشِا في أذني، ملامِحُك! لم أنساها ولكنّي أتلعثمُ أحياناً كلما رأيتُ فتاة تشبهك، كنتُ على استعداد أن أغفرَ كلَّ ما حدثَ من تصرفاتكِ الطائشةَ بعدَ الفراق، انتظرتُ أن نعود، انتظرتك في كل عيد في كل مناسبة أن تتصلي أن تعتذري، ولو بكلمات بسيطة.
انتظرتك في عيد ميلادي الذي لا أحتفل به بل لا أذكره حتى، انتظرت رسالة منك تنسيني خريف عمري الذي ضاع دون أن أغرس فيه ولو وردة، تذكرني الجميع كالعادة إلا أنت.
بعد مرورِ عامين على فراقنا، تناسيتُ الرقم السريَّ للحسابِ الذي كنتُ أُتابعُكِ مِنه، لم يتبقَ من ذكرياتنا شيءٌ في ذاكرتي، أحرقت رسائلك وهداياك، مسحت من عقلي كل أحاديثنا ولقاءاتنا، وصلّيتُ مِن أجلِ نفسي هذه المرة، لم يعُد قلبي يتألم عندما يمرُّ اسمُك أمامي، و لو مصادفة ، كُلُّ الذينَ في حياتي الآن لا يعرفونَك، أتذكّرك فقط كلما أردتُ أن أُذكّرَ نفسي بالكوارث، والخيبات التي حدثت لي بسببِ غيابنا، صوتُكْ لمّ يعُد يرّنُ في أُذُني، تلك اللهفة التي كانت تطوقني رحلت ولمعان العين خفت، وحتى ملامِحُك لم تعد تلك التي أحببتها، و لو خيَّرتني الحياةُ بينكِ و بينَ حياتي الآن، لاخترتُ فراقنا، لن أتنازل و لن أقبل أن تكوني حتى مجرد شخص عابِر في حياتي.
لا أكرهك الآن، ولا أحبك أيضًا، اليوم تحررت من ذكراك ولكني لا أكرهك، صرتي قصة مدفونة في قاع ذكرياتي العميقة، أتعلم منها كل ما أخطأت، صدقيني لا أكرهك لا أملك قلبًا يعرف طريق الكره والحقد، من أجل الماء والملح الذي خنتيه أتمنى لك حياة سعيدة.

انتظرتُكَ حتى أفسَدَ الانتظارُ حُبّي لَك .! -النهاية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى