مقالات

جامعة العزب العربية

محمد شريف كامل

مدون وكاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

مازال البعض يتصور أن الدولة، والشعب شيء واحد، فيصَور لنفسه، ولبعض المتوهمين أن القرارات التي تتخذها الحكومات، وأجهزتها الإدارية تمثل رغبات الشعب، وإرادته، بل ومصلحته على المدى القصير وعلى المدى البعيد، بل ويتعامل القائمين على شؤون الدولة مع كل الأمور وكأنهم يديرون عزبتهم الخاصة.

والفارق كبير بين الدول الديمقراطية، وعزب الملوك والرؤساء العرب، والمثال الأكبر هو الفارق بين قرار الخروج من الاتحاد الأوربى (Brexist) وقرارت التفريط في الموارد، والأراضي، والمبادئ عند ملاك العزب العربية، ففي الأولى تم استفتاء الشعب على الدخول ثم تم استفتاؤه على الخروج، ولم تتغير الإرادة بتغير الحكومة التي سقطت بعد استفتاء الخروج، ولكن تعدلت فقط طريقة التنفيذ، وهي عمل إداري، وليس من أعمال السيادة.

أما في العزب العربية، فالأمر مختلف تمامًا، فناظر العزبة المسمى أحيانًا ملك، أو رئيس، أو أمير له أن يتصرف في كل أمور العزبة، بل وكل أمور الرعية حسب هواه، فله أن يتنازل عن الأرض، وأن يعيد ترسيم الحدود البرية والبحرية، بل وله أن يفرط في الثروات والمبادئ، وله الحق أن يهدم دارك ويخرجك منه، ويبيعه، ويبيع أرضك لأي مشتر، ويشرد سكانه، وإياك أن ترفض، أو حتى أن تتأوه بل عليك فقط التمجيد، والتسبيح، بل والسجود لولي الأمر، وأن تشكره لعله يترك لك العراء لتسكنه.

وتعدى الأمر ذلك، فناظر العزبة له أن يفرط في المستقبل، وفى المبادئ، وما ذلك ببعيد عن ذلك التسابق الأحمق على إقامة علاقات علنية بالكيان الصهيوني المغتصب، ولا لوم على “الإمارات” ولا “البحرين”، فالتنازل بدأ من زمن بعيد منذ باع السادات الإرادة المصرية/العربية حين قدم في كامب دافيد كل الحق العربي على طبق من فضة للص المغتصب مقابل موكب انتصار ارتد عليه في 6 أكتوبر 1981.

ففي عام 1977 عندما قرر السادات أن يزور القدس المحتلة ويتحدث أمام مجلس الاغتصاب “الكنيست” كانت ردود الفعل العربية قوية، فقاطعت الدول العربية مصر، وعُلقت عضويتها في الجامعة العربية، ونقل مقرها الدائم من القاهرة إلى تونس، وقدّم وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي استقالته الذي قال حينئذ: إن تلك الخطوة حطمت دور مصر تجاه الفلسطينيين، وعزلت مصر عربياً، كما عزلت السادات داخل بلاده.

ورغم ما قام به السادات وبعد 41 عام من اتفاقية الاستسلام المجحفة التي أهدر بها دماء كل الشهداء العرب، إلا أن الغالبية العظمى من الشعب المصري،

 و الشعب العربي عمومًا بكل طوائفه السياسية، والدينية، مازال حتى الآن يرفض تلك الاتفاقية ويرفض الاعتراف بالكيان المغتصب، والتعامل معه الذي يسمونه تطبيع ولكنه لن يكون؛ لأنه ضد الضمير والمنطق.

وعادت الجامعة للقاهرة بتمثيلية التصالح التي قادها مبارك، وعزب الشر العربية، ويأتي اتفاق التصنيع المشترك كويز-QIZ‏ Qualified Industrial Zone والذي بموجبه يسمح للمنتَج بدخول الولايات المتحدة بلا ضرائب جمركية إذا حوى نسبة من المكونات المصنعة في إسرائيل، وكانت محاولة عملية؛ لإسقاط المقاطعة العربية، وفرض التطبيع.

وتزامن ذلك مع ما يسمى مبادرة السلام العربية التي تزعم آل سعود تقديمها كمرحلة أخرى من الاستسلام المهين، والتي تستجدي المغتَصب، لإعطاء أهل الأرض قطعة محدودة منها بالشكل الذي يُرضي المغتصب وليسكت صاحب الأرض مقابل أن تنفتح كل العزب العربية على الكيان المغتصب، عرض سموه “الأرض مقابل السلام”، وما هو إلا تنازل صاحب الأرض، وليس تنازل المُغتصب، عرض قوبل بالاستهزاء من الكيان المُغتصب، والذى أعلن مقولته ” لن تكون هناك أرض مقابل سلام، ولكن سيكون هناك سلام مقابل سلام”.

ولا ننسى أن تلك الرسالة كان في الوقت ذاته يتم الترويج لها بين الشعب العربي، والإسلامي عن طريق دعاة ممولين من تلك العصابة، ومنهم العديد أمثال وسيم يوسف، والشيخ بن بيه وغيرهم، لإقناع الشعب العربي أن قبول الاغتصاب ورفع راية السلام “الاستسلام” هي رسالة تسامح دينية إسلاميه ستجعل العالم يرفع الإسلام من قائمة الإرهاب، ويجعل المُغتصب يستحي، ويتكرم، وينعم عليك بجزء من حقك بلا حرب.

ووقفت ما تسمى “بالجامعة العربية” عاجزة عن القيام بأي دور، ولم تفي حتى بالدور المُخول لها بحكم الاسم، فكلمة “جامعة” هي كلمة مشتقة عربياً من كلمة “الاجتماع” أي الاجتماع حول هدف، ومن كلمة “جمع” أي لم الشمل، ولم نر يومًا أن الكيان المسمى بالجامعة العربية قد اجتمع على هدف، أو جمع شمل ذلك الشعب البائس.

ونجد اليوم عزبتي الإمارات، والبحرين يطبقان هذا المبدأ، وهما يرتميان في أحضان المُغتصب، ولا مكسب حقيقي لأي منهم سوى رضاء نتانياهو، وترامب عن استمرار حكمهم، وهذا هو غاية المراد، فلا يهم رضاء الشعب، فهو خارج المعادلة، فناظر العزبة باق.

وكل هذا لا يزعجني؛ لأن جميعهم على علاقة وثيقة بالكيان الغاصب منذ نشأته، ولأنهم لا يمثلون شعوبهم، ولأن خروج الخيانة إلى العلن أكثر أمنًا من بقائها حبيسة السرية والإنكار، والأهم من ذلك؛ لأنه لا يوجد أي شيء على الأرض قادر على إسقاط الحق، لا اعتراف الإمارات، ولا السعودية، وتوابعهما، ولا تهنئة فاشي مصر “السيسي” لهم، فمن عاش ووَرث حلم العودة منذ 1947 حتى الآن لن يسقطه مزاج كل نُظار العزب، فالشعب لا يعبأ بهم، ولسوف ينتصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى