بحوث ودراسات

الخليفة المظلوم – عبد الله بن الزبير المفترى عليه – 3 من 11

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

الكاتب الثاني: الدكتور محمد ماهر حمادة:

يقول في كتابه (دراسة وثقية للتاريخ الإسلامي) : “وأما ابن الزبير فيمثل وجهاً آخر من وجوه الحركة التاريخية، إنه يمثل شخصاً طامحاً للخلافة ولكن لم يكن أهلاً لها، وليس عنده استعداد لها فقد كان بخيلاً كل البخل والعرب لا تدين لبخيل. كان يعطي الناس فيء الله وكأنه يقسم ميراثه من أبيه (..) وكذلك لم يكن داهية ولم يكن ذا نظر في العواقب”[1]

ويقول أيضاً: “كذلك عجز ابن الزبير عن تآلف الشيعة وابن عباس وابن عمر وقد أراد أن يظهر بمظهر العدل والنسك والتشبه بعمر بن الخطاب وهو بنفس الوقت يخزن المال”[2]

ويضيف أيضاً: “وهكذا أثبت ابن الزبير ضعفاً سياسياً مزرياً إلي جوانب نواقصه الأخرى. فلم يتمكن من استغلال المختار ولا استغلال الشيعة ولا الخوارج وتألب الجميع ضده وإذا أضفنا إلي ذلك قلة أنصاره المحنكين المجربين أدركنا لماذا عجز عن استخلاص الخلافة لنفسه بعد أن كان خُطِبَ له بعد وفاة يزيد في أغلب الأمصار حتى في دمشق نفسها”[3]

التعليق:

نلاحظ أن الكاتب يذكر الصحابة بدون كلمة الترضي (رضي الله عنه) ففي الوقت الذي يشمئز البعض من خطابهم وذكرهم بدون ألفاظ التبجيل العرفية مثل (حضرتك وسموك وفضيلتك..إلخ). والألقاب العلمية مثل: (الدكتور أو البروفيسور أو الأستاذ..إلخ). يتمعر وجه أحدهم إذا خاطبته بدون ألفاظ التبجيل المصطنعة!! أما  صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم فيذكرونهم كآحاد الناس أو كالنكرات التي يتعامل معها في بحثه أو دراسته!! فهل هذا الأسلوب يليق بقادة وسادة الأمة؟!! هل هذا الخطاب يليق بصناع التاريخ والحضارة، تلك الثلة المؤمنة الطاهرة التي رضي الله عنها في قرآنه الكريم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[4]

الثالث: الدكتور محمد عمارة:

لقد ذكر في كتابه (مسلمون ثوار) في سياق حديثه عن السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وإعجابه بشخصية (الثائر)! عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: “ولقد ارتبطت حياة أسماء بحياة ابنها الأكبر عبد الله بن الزبير ت 73هـ أكثر من غيره من أبنائها..  فهو عالم وفارس وخطيب وأكثر من هذا فهو صاحب طموح، يسعى ليضع فكره عن الشورى والحرية والعدل موضع التطبيق.. ولذلك كانت ثورته ضد بني أمية سنة 64 هـ بعد موت الخليفة يزيد بن معاوية.. ولقد بايعه الناس بالخلافة، وجعل مكة عاصمة لدولته التي ضمت مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر أجزاء الشام.. فكان طبيعياً أن يكون مكان أسماء مع الطموح العظيم لابنها الأكبر عبد الله، وأن تكون عوناً له على تحقيق طموحه”[5]

التعليق

نلاحظ أن د.عمارة يتكلم عن الصحابي عبد الله بن الزبير كثائر يرفض التقاليد السائدة؛ ثائر على السلطة لا يهم ماذا يحمل من مبادئ وعقيدة وأفكار، المهم أنه ثائر على السلطة الحاكمة! والذي يقوي هذه الرؤية لدينا أن كتابه (مسلمون ثوار) يتكلم على سبيل المثال عن غيلان الدمشقي ت 109هـ، وعمرو بن عبيد ت 144هـ، وعلي بن محمد صاحب الزنج ت 270هـ ، وعبد الرحمن الكواكبي ت 1902هـ، ورشيد رضا ت 1935 وغيرهم كثوار!؛ فعبد الله بن الزبير الزبير ثائر، وغيلان الدمشقي القدري ثائر، وصاحب الزنج ثائر، بمعنى أوضح (صحابي = قدري = زنديق)!! لأنهم يشتركون في قضية واحدة وهي الخروج على السلطة وعلى الوضع السائد فهم ثوار! لذلك لا ينسى دكتور عمارة أن يبين لنا أن هذا الثائر شخص طموح حتى أمه أسماء بنت الصديق أيضاً امرأة طموح!! فقضية القيام بالواجب الشرعي بعيدة تماماً عن ذهن الدكتور محمد عمارة.

الرابع: الدكتور شحاتة الناطور:

وكاتب آخر هو د. شحاتة علي الناطور في كتابه (عبد الله بن الزبير والانتفاضة الثورية في عهد بني أمية).. يقول: “ولعل من أهم الثورات التي قامت في بداية الدولة الأموية تلك التي قام بها عبد الله بن الزبير بسبب تحويل الخلافة الإسلامية الديمقراطية إلى ملكية وراثية”[6]

ويقول الناطور أيضاً: “لم يؤثر ابن الزبير في الدولة الأموية فقط، فلا يستطيع أحد أن ينكر أنه قام بأول ثورة حقيقية في فجر الدولة الأموية، وامتد تأثيره حتى نهايتها في شتى المجالات؛ السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية”[7]

هكذا نلاحظ أن الكاتب معجب بثورية عبد الله بن الزبير، متعاطف معه كصحابي، تماما مثل الدكتور محمد عمارة لكنه سار على نفس منهج من سبقوه في الكتابة عن ابن الزبير، ولم يمحص الروايات التاريخية التي اعتمد عليها ومن ثم اعتمد الأخبار الملفقة والمدسوسة وخرج بنتائج هزيلة لمقدمات باطلة.

الخامس: الدكتور عمر فروخ:

يقول في كتابه تاريخ الأدب العربي: “بعد معركة صفين نادى معاوية بن أبي سفيان والي الشام بنفسه خليفة على الشام وحكم عشرين سنة، من سنة 41 هـ إلى 60 هـ.. ثبت الملك في أثنائها لبني أمية، وجعل الخلافة وراثية في نسله. وكانت المشكلة الأساسية التي واجهت معاوية أن أقطار الخلافة الباقية؛ الحجاز والعراق ومصر وما وراءها كلها لم تكن تابعة له، ثم كان له فيها منافسون أقوياء! ولقد كان أقوى منافسيه عبد الله بن الزبير وكان يبسط نفوذه على الحجاز كله وعلى جانب العراق”[8]

ويكرر الدكتور فروخ نفس الخطأ: “استطاع عبد الله بن الزبير بعد مقتل علي بن أبي طالب 40 هـ أن يجمع حوله الناقمين على بني أمية وأن  يبسط نفوذه على الحجاز والعراق ومصر واليمن وخراسان، ولم يستطع معاوية بن أبي سفيان أن يتفرغ لحرب عبد الله بن الزبير لأن معاوية كان مشغولاً بتوطيد الملك في البيت الأموي، ولا استطاع يزيد أن يتغلب عليه”[9]

التعليق

نلاحظ أن الدكتور  فروخ قد وقع في أخطاء تاريخية فادحة:

(1) بعد أن تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه اجتمعت كلمة المسلمين على خليفة واحد وبايعت كل الأمصار معاوية وسمي هذا العام بعام الجماعة سنة 41هـ.

(2) قول الكاتب: “ثبت الملك في أثنائها لبني أمية وجعل الخلافة وراثية في نسله”.. هذه العبارة غير دقيقة فشطرها الأخير صحيح، أما الشطر الأول فليس صحيحاً، فتثبيت ملك بني أمية لم يطرأ في ذهن معاوية رضي الله عنه إلا في آخر حياته.

(3) الثابت تاريخيا أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان قد اعتزل القتال بعد معركة الجمل 36 هـ، ولم يشارك في صفين سنة 37 هـ، بل الثابت أن معاوية كتب إلى عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر، والجهم بن حذيفة، وعبد الرحمن بن يغوث، وعبد الرحمن بن هشام المخزومي، والمغيرة بن شعبة، وسعد بن أبي وقاص، وآخرين ليشاركوا التحكيم بين الفئتين، ثم ظل معتزلاً حتى بايع معاوية عام الجماعة 41هـ.

(4) الثابت تاريخياً أن ابن الزبير رضي الله عنه لم يخرج طيلة حياة الخليفة معاوية رضي الله عنه ولم ينفرد بأي قطر إسلامي، بل كان جندياً في جيوش الفتح الإسلامي في زمن معاوية؛ فكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه من أبطال المسلمين الذين فتحوا مدينة “سوسة” سنة 45 هـ، وجهز معاوية رضي الله عنه سنة 50هـ جيشاً لغزو القطسنطينية، وكان عبد الله بن الزبير أحد المشاركين في هذا الغزو! فمن أين أتى فروخ بهذه العبارات المغلوطة؟!! فهذا خطأ تاريخي شنيع نرى أن الدكتور فروخ في حاجة إلى تصحيحه خاصة أنه استغرق في تأليف كتابه الضخم (تاريخ الأدب العربي) قرابة ثلاثين عاماً حيث ذكر: “وبهذا الجزء السادس الحاضر تنتهي السلسلة التي عملت في وضعها جيلاً كاملاً من الدهر (1370هـ ـ 1403هـ = 1951 ـ 1983م)”[10] ويردد الدكتور فروخ مقولة غير صحيحة: وكان الزبير بن العوام (والد عبد الله بن الزبير) قد طمع في الخلافة، ولقد ورث ابنه عبد الله منه الطموح إلى الخلافة”[11]


[1] دكتور محمد ماهر حمادة: دراسة ووثقية للتاريخ الإسلامي ومصادره ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت طبعة أولى 1408هـ ـ 1988م ـ ص47 بتصرف.

[2]  المرجع السابق دراسة وثقية ص48.

[3] المرجع السابق دراسة وثقية ص50.

[4] التوبة آية 100.

[5] د.محمد عمارة: مسلمون ثوار ـ دار الشروق ـ بيروت ـ 1408هـ ـ ص134.

[6] الناطور: عبد الله بن الزبير والإنتفاضة الثورية في عهد بني أمية ـ دار ابن رشد ـ ط أولى ـ 1984م ـ ص11.

[7] الناطور: عبد الله بن الزبير والانتفاضة ـ ص12.

[8] د. عمر فروخ: تاريخ الأدب العربي ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ ط 5 ـ 1984م ـ ج1 ص351.

[9] د. عمر فروخ: تاريخ الأدب العربي ج1 ص 442.

[10] فروخ: تاريخ الأدب العربي ـ ج1 ص351.

[11] فروخ: تاريخ الأدب العربي ج1 ص 442.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى