حقوق وحريات

إضاءات سياسية (60)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

من التعذيب إلى منع التعذيب (2)

20/10/2009

اقتراحات بناءة تهدف إلى منع التعذيب :

فإذا كان التشريع هو الذي يرسخ للمبادئ والقيم في كل مجتمع من المجتمعات ، وما قدمناه يظهر لنا أن التشريع في سورية يكرس التعذيب ومن هنا فإنني أرى أن الخطوة الأولى في تأسيس ثقافة منع التعذيب تكمن في إلغاء التشريعات التي تتنافى مع قيم منع التعذيب .

ومن جهة أخرى وفي سياق التشريع فإن سورية حين وقعت على اتفاقية منع التعذيب فإنها جردتها من فاعليتها حين تحفظت على المادة /20/ من المعاهدة لذلك أعود لأؤكد على ضرورة أن تتناغم جميع التشريعات مع مفهوم منع التعذيب الذي ورد في الاتفاقية آنفة الذكر فضلاً عن إلغاء التحفظ .

ثم إن على الدولة أن تدخل في تشريعاتها العقابية مفهوم عدم سقوط جريمة التعذيب بالتقادم ، وإن نصاً كهذا يجعل من يمارس التعذيب يدرك تماماً أنه في يوم من الأيام سيكون عرضة الملاحقة الجزائية ، ونكون قد كرسنا رادعاً مهما يساهم في منع التعذيب ونشر ثقافته فلو فرضنا أننا وصلنا في تعديل التشريع إلى شكل يتناغم مع اتفاقية منع التعذيب ، فإن علينا أن نعالج الواقع ، ذلك أنه لدى السلطات في سورية خمسة عشر فرعاً من فروع الأمن السري بمختلف أسمائها ومسمياتها ولكل فرع من هذه الفروع سجنه الخاص ، وجميع هذه السجون أو دور التوقيف تخرج عن رقابة القانون والقضاء .

ولا أبالغ إذا قلت بأن ما يجري ضمن سجون فروع الأمن هذه شيء تقشعر له الأبدان كما أوضحت سابقاً ، تبدأ من شتم المعتقل مروراً بتعريته كاملاً حتى سرواله والضرب المبرح واستعمال أجهزة التعذيب التي لا تخطر على بال أحد ومنها استعمال الكهرباء في المناطق الحساسة من الجسم ، وبخاصة الأعضاء التناسلية ، ومنها إدخال عنق الزجاجة في دبر الذكر أو قبل الأنثى وما إلى ذلك ، وبالتالي ينبغي ممارسة ضغوط لوضع هذه السجون أو دور التوقيف التابعة لمختلف الأجهزة الأمنية تحت رقابة القضاء ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية ، كما أنه من أهم الواجبات على المجتمع الدولي أن يحظر تصدير أجهزة التعذيب إلى دول العالم الثالث فضلاً عن تحريم صنعها أصلاً .

وإنني من أجل الوصول إلى الهدف المنشود أدرج فيما يلي نقاطاً أساسية :

أولاً : إلغاء التشريعات التي تسمح بالتعذيب والتي تتنافى مع القيم الإنسانية وكرامة الإنسان .

ثانياً : أن تدخل الدولة في تشريعاتها العقابية تشريعاً ينص على عدم سقوط جريمة تعذيب المعتقلين بالتقادم عمن قام بهذه الجريمة .

ثالثاً : وضع السجون ودور التوقيف التابعة لمختلف الأجهزة الأمنية في الدولة تحت رقابة القضاء ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية .

رابعاً : أن يعمل المجتمع الدولي على حظر تصدير أجهزة التعذيب على دول العالم الثالث ، والأجدى تحريم تصنيعها أصلاً .

وفي مجال نشر ثقافة منع التعذيب نقترح ما يلي :

أولاً : أن تسعى الأسرة على أن يسود الاحترام المتبادل بين أفرادها ، وإذا كان لا بد من الانفعال لأسباب شتى فليكن هذا الانفعال معبراً عنه في حدوده الدنيا : إيذاء معنوي أو جسدي .

وإذا كان الوالدان هما القدوة في ذلك فإن الأطفال سينشؤون نشأة سليمة ليس فيها قسر وترهيب وأذى جسدي ، بل يسود فيها الحوار والإقناع في جوهر عامر بالقيم الإنسانية .

ولعل رقابة الوالدين لأطفالهما فيما يمارسون من هوايات ، سيفرز نوعاً من النصح فيما هو مرغوب فيه أو مستبعد ، وأكثر ما يؤثر في الطفل مشاهدة الأفلام الكرتونية والأفلام الخيالية وأفلام العنف الذي يشاهدها الكبار ، إن ضبط هذه المشاهد من خلال تقييمها ، يساعد الطفل على أن يتعامل مع الآخر تعاملاً إنسانياً خالياً من العنف والإيذاء .

ثانياً : أن تسعى المدرسة في المراحل الدراسية كافة إلى التعامل مع التلاميذ والطلبة تعاملاً إنسانياً عادلاً ، فبعض المعلمين والمديرين يلجؤون إلى عقاب بعض التلاميذ بالضرب المبرح أو بالوقوف على قدم واحدة ساعة أو أكثر ، وهذا يؤدي إلى كره المدرسة والتعلم والهرب من المدرسة أو التخلف عن الدوام ، مما يهيئ التلميذ للانحراف إذا كان لديه استعداد لذلك ، ونشر وثيقة حقوق الطفل في المدارس في لوحة ظاهرة تساعد على أن يعرف الطفل قيمته الإنسانية .

ومن جهة أخرى فإن بعض المواد الدراسية قابلة لأن تحتوي على قصص وشعر وأحداث تاريخية تؤكد كرامة الإنسان ، وأن نشر حقوق الإنسان من خلال كتيبات توزع على الطلبة بموافقة وزارتي التربية والتعليم العالي يؤدي إلى ارتفاع مستوى الوعي على الصعيدين المحلي والدولي ، وتحليل ما يجري والحكم عليه وشجب ما هو مخالف .

ثالثاً : توعية الجهات المعنية بالتحقيق بأن تعذيب المتهم بأنواع العذاب السائدة هو عمل غير إنساني ، وأن الحصول على اعترافات أو معلومات هامة قد يتم بلا لجوء إلى التعذيب ، وإنما يتم وفق دراسات نفسية بطريقتي الترغيب أو الترهيب دون تعذيب ، وهذا ما هو سائد في معظم البلاد المتقدمة .

رابعاً : أن يساهم الإعلام بوسائل اتصاله المسموعة والمرئية والمقروءة بنشر الوعي بين الجماهير بأن التعذيب عمل شائن يدخل في باب الجريمة ، ولعل ما يعرضه يومياً أو يخبر به عما يحدث في الأرض المحتلة والعراق أو ما حدث في الماضي من خلال أفلام وثائقية يساهم إلى حد كبير في تنفير المشاهد من مشاهد التعذيب بأنواعه ، ولا سيما التعذيب الذي يؤدي إلى الموت أو التشويه أو العلة الدائمة .

وتسليط الضوء الإعلامي على ما تفعله الدول المعادية من خلال ندوات مؤيدة بالصور والأفلام يهيئ المشاهد المتابع للوقوف بالفكر والسلوك ضد العنف والتعذيب ، ومن المفيد أن يكون المشاركون بالندوات ممثلين لجهات مختلفة كالقضاء والأمن وحقوق الإنسان ، ويكون تأثير هذه الندوات أكثر ما يكون في استضافة بعض من عذبوا سابقاً وأفرج عنهم ليتحدثوا عن تجربتهم بصدق وواقعية دون مبالغة .

وحملة الإعلام ضد التعذيب ليست موسمية ولا تتحدد بأسبوع أو شهر أو سنة ثقافية ، وإنما هي حملة دائمة موزعة على الزمن القادم كله تشتد حيناً وتتوارى حيناً لكنها مستمرة ما دام الشر موجوداً والعدالة مفقودة والإنسان ممتهناً لا يقام له اعتبار ، إنها رسالة إنسانية تبقى ما بقي الإنسان .

وأخيراً أود أن أشير هنا إلى أن برامج التعليم لجميع المدارس وجميع فئات الطلاب والإعلام بكل فروعه يخضع لرقابة صارمة من قبل السلطة الحاكمة وبالتالي ما لم توافق هذه السلطة على برامج لمنع التعذيب فإنه يتعذر تنفيذ هكذا برامج ومع ذلك فسأضع تصوراً لميزانية تقريبية بشكل مستقل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى