إضاءات سياسية (59)

أسباب ظاهرة التعذيب وجذورها :
إن ممارسة التعذيب تعتبر جريمة في نظر القوانين المحلية والدولية وبالتالي لا بد من البحث عن جذورها وأسبابها للوصول إلى السبل المؤدية إلى مكافحتها ، ولعلي أرجع جذور ظاهرة التعذيب إلى الأسباب التالية :
1- الاستبداد السياسي .
2- عدم احترام الإنسان وحقوقه .
3- عدم الاعتراف بحق الاختلاف بالرأي .
4- عدم احترام حق الحياة وما هو من مستلزماته ومتمماته .
5- سيطرة فئة ضيقة فاسدة على المجتمع وتحكمها فيه .
6- انعدام المساواة أمام القانون وانعدام تكافؤ الفرص .
7- وجود نصوص قانونية تحمي ممارسي التعذيب من الملاحقة القضائية .
8- بسط صلاحيات القضاء العسكري والاستثنائي لمحاكمة المدنيين .
وسنعرض لكل فقرة من الفقرات السابقة بشكل موجز حتى ننتقل بعدها لاستكمال بحثنا ونحاول أن نقدم مشروعاً لمنع التعذيب :
الاستبداد السياسي :
قد يكون الاستبداد السياسي هو أهم عامل من عوامل ممارسة التعذيب إذ أنه في ظل نظام استبدادي يجري قمع الرأي الآخر ويتم محاصرة المعارضة وحزبها ويمنع المواطن من إبداء رأيه والمشاركة في بناء الدولة ، وبتأثير الوهم الذي يعشش في ذهن الحاكم المستبد وخوفه من أن تتم تنحيته عن الحكم فإن الحاكم يحكم قبضته على الحياة العامة ويتم الزج بالناس في السجون بلا حساب ، ولو استعرضنا جميع الأنظمة الاستبدادية في العالم لوجدنا أن طابع القمع فيها واحد وقد تتفاوت النسبة فيه فتكون الممارسات في بعض هذه الأنظمة أشد من الأخرى ، إلا أن الطابع العام واحد ، وبالتالي فإن قمع الحريات يستتبع بناء السجون والزج بآلاف الناس فيها وممارسة التعذيب عليهم بأشكال شتى بدءاً من توجيه الألفاظ البذيئة إلى المعتقلين ومروراً بالضرب العادي ثم الضرب المبرح بالعصي والكابلات واستعمال الكهرباء وأحدث أنواع التقنيات الخاصة بالتعذيب ، وفوق كل ذلك فإن المستبد يعتقد أنه يفعل كل ما يفعله من أجل الوطن .
عدم احترام الإنسان وحقوقه :
أقر القرآن الكريم مبدأ احترام الإنسان وتكريمه فقال : ) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ … ( [الإسراء : 70] فكل إنسان يجب أن يكون مكرماً محترماً لمجرد كونه إنسان وفي شرح كلمة إنسان باللغة العربية أنها مشتقة من التعامل الإنساني فإذا لم يكن الإنسان يتصف بهذه الصفة يفقد إنسانيته وقد يتحول إلى وحش بلباس إنسان ومن هنا نجد أن عدم الاحترام للآخر يؤدي بالضرورة إلى عدم احترام حقوقه وإلى ممارسة التعذيب عليه ، إذ أن بداية الشعور بعدم الاحترام هو نوع من التعذيب النفسي ناهيك عن ممارسة أفعال مادية تكون أقسى من عدم الاحترام نفسه كالضرب وغيره .
إن الأصل كما هو معروف أن يكون جميع المواطنين متساوين أمام القانون وأن يتمتع كل مواطن بكافة الحقوق الإنسانية الطبيعية وأن يتحمل سائر الواجبات .
إلا أنه حين تكون حقوق المواطن منقوصة بمعنى أن لا يستطيع أن يمارس حياته الطبيعية كمواطن ولا يشعر بأنه قادر على التمتع بهذه الحقوق ، من هنا يبدأ فصل التعذيب ، فليس بالضرورة أن يكون التعذيب جسدياً مادياً فحينما تنتهك حقوق المواطن مثلاً في الحصول على عمل أو تكافؤ الفرص بين المواطنين ، يدخل المواطن مرحلة من التعذيب المعنوي ، فمثلاً في سورية يدخل الطلاب إلى الجامعة ليس على أساس نتائج الفحوص وإنما يمنح البعض منهم ما يسمى تفاضل شبيبة الثورة درجات إضافية كي يدخلوا الفروع العلمية العالية ، وهنا يبدأ التمييز بين الطلاب وتكون هذه خطوة من خطوات التعذيب المعنوي .
عدم الاعتراف بحق الاختلاف بالرأي :
معلوم بداهة أن البشر في كل أنحاء العالم مختلفين ليس فقط بمظهرهم وإنما كذلك في آرائهم ، والخلاف بالرأي ظاهرة صحة ومظهر من مظاهر الحضارة .
إلا أن عدم الاعتراف بالرأي الآخر أو بالآخر نفسه كيانا بشرياً مستقلاً يسهِّل ممارسة التعذيب من قبل من يرفض هذا الآخر أو يرفض الاعتراف به ، ومن هنا نرى أن النظام الاستبدادي يحاول أن يصبغ الناس بصبغته ويجعلهم على شاكلته وتنشأ هنا مسألة ممارسة التعذيب ، ذلك أن عدم وضوح الرؤية لدى أية سلطة حاكمة أو افتراض أن يكون الجميع منضوين فكرياً وفق منظومة السلطة الحاكمة أو منظومة الحاكم المستبد ، تخلق الأجواء المناسبة لممارسة التعذيب سيما إذا كان الحاكم يرى نفسه فوق البشر ويجد في آرائه الصواب المطلق في حين يصنف معارضيه على أنهم أعداء أو يسعون للتخريب أو ما شابه ذلك ، وليس ببعيد عنا ما سمعناه من أن أحد قادة العالم الكبار قال : “من لم يكن معنا فهو مع الإرهاب” هكذا يتم إقصاء كل رأي ويؤسس لدى المستبد عقلية استئصالية إفضائية ، وبالتالي يبدأ بممارسات تخرج عن القانون وقد تخرج أيضاً حتى عن القواعد الأخلاقية والسلوكية ، وما حصل في العصر الحديث سواء في البوسنة والهرسك وسواء في العراق وغوانتانامو خير شاهد على ذلك .
عدم احترام حق الإنسان في الحياة ومستلزمات هذا الحق :
قد يكون من أهم أسباب تجذر ظاهرة التعذيب تكمن في عدم احترام حق الإنسان في الحياة ومستلزمات هذا الحق .
فعندما تغدو حياة الإنسان لا قيمة لها ولا وزن تسهل ممارسة التعذيب التي قد تنتهي بالقتل وأنه ليحضرني ما جرى في أفغانستان إبان الغزو الأمريكي لها حيث نقل الأسرى في حاويات مغلقة بحيث مات معظمهم خنقاً لعدم وجود الهواء الكافي ، ومن المفارقات أن أحد الجنود أطلق عيارات نارية على الحاويات بقصد إيجاد ثقوب فيها للتهوية حسب روايات عديدة في هذا المجال وما أن دقائق مرت حتى كانت الدماء تنساب من هذه الحاويات وقتل الأسرى فيها كما تقتل الحشرات أو أقل من ذلك بكثير ، لقد قال بعض الناجين بأنهم كانوا يلحسون عرق رفاقهم بدلا من الماء !!!
فأين هي قيمة الحياة ؟
بغض النظر عن ماهية الأسير أو السجين حتى لو كان متهماً بالإرهاب إن من حقه أن ينال مستلزمات الحياة كالطعام والشراب واللباس والعناية الطبية حتى تتم محاكمته ثم بعد ذلك ينظر في أمره ، وحتى لو كانت القوانين تسمح بالإعدام فينبغي أن يكون في الإعدام حفظاً لكرامة الإنسان .
وبالتالي فإذا نظرنا إلى حياة الإنسان على أنها رخيصة وليست ذات قيمة وبالتالي يكون التعذيب مبرراً ، لكم أن تتصوروا أنني أثناء كنت سجيناً في سورية بين بداية عام 1980 وحتى نهاية عام 1986 أُحضر لنا عشرة شباب صغار منهم من كان في السابعة عشرة من عمره وقد انتزع لحم القدم بالضرب حتى بانت العظام بينما قطعت أحد أصابع الرجلين ، ثم سيق هؤلاء بعد أيام من إجراء عمليات جراحية لهم إلى سجن تدمر السيئ الصيت فكيف يمكن أن نفسر ذلك ؟ .
سيطرة فئة ضيقة فاسدة على المجتمع وتحكمها فيه :
لا ريب أن سيطرة نفر من الناس على الثروات العامة المترافقة مع غياب القانون واحتكارها واحتكار المشاريع الكبيرة وتكديس الأموال وتهريبها خارج أقطارها وترابط ذلك كله مع سيطرة أجهزة الأمن على السلطة والثروات العامة ، وترك أعداد كبيرة من المواطنين يتضورون جوعاً يعد من موجبات ومسببات التعذيب ، ذلك أن الفقر عامل من أهم عوامل ضعف الأمة وتردي حقوق الإنسان فيها ، وهو بحق قمة التعذيب المعنوي .
فالفقر هو من أهم أسباب المرض والضعف الجسدي لدى الإنسان وبالتالي يفسح المجال إلى الانحراف عن جادة الصواب ويلقي بالفقراء في أتون الجهل والمرض وهو سبب هام جداً من أسباب التعذيب النفسي ، والسلطة هي المسؤولة عن رفع الظلم عن المواطنين ، فكيف بها إذا كانت هي التي تمارسه ؟؟ .
انعدام المساواة أمام القانون وانعدام تكافؤ الفرص .
في ظل أنظمة فاسدة على انعدام المساواة أمام القانون تنحدر فيها القيم الإنسانية ويجد المواطن نفسه وقد ضاعت حقوقه وتغولت عليها القوى المتسلطة الفاسدة في السلطة وبالتالي يشعر بالاكتئاب واليأس من الحياة ، سيما إذا كان قد بذل جهده مثلاً في تحصيل العلم والاجتهاد فلا يجد له الفرصة للعمل أو الحياة الكريمة ، ويرى نفسه أمام أقرانه أو من هم أقل شأناً وعلماً واجتهاداً وقد ترقوا في مراتب العمل والمناصب بسبب المحسوبية والوساطة بينما هو لا يجد مكاناً تحت الشمس فما هو شعوره يا ترى ؟ .
إن من نتائج ذلك اتساع نسبة الفقراء فهي تصل في سورية إلى معدل 6% من مجموع السكان تحت خط الفقر لتتجاوز نسبة البطالة من اليد العاملة 3% وهذا ما يدفع الشباب إلى الهجرة كما يسبب لهم آلاماً نفسية .
وجود نصوص قانونية تحمي ممارسي التعذيب من الملاحقة القضائية :
تتحكم الأجهزة الأمنية في سورية بمقدرات البشر وتمارس التعذيب بلا حدود وتتمترس خلف نصوص قانونية تحميها من الملاحقة القضائية فقد نصت المادة /16/ من مرسوم أحداث أمن الدولة رقم (14) لعام 1969 على ما يلي :
(ولا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير ) .
نلاحظ من النص نفسه :
أولاً : الاعتراف بجرائم ترتكبها عناصر من الأجهزة .
ثانياً : حماية مرتكبي هذه الجرائم من قبل السلطة نفسها .
وبالتالي نجد أن التشريع يساهم مساهمة فعالة بنشر التعذيب بحيث يقع العامل في الأجهزة الأمنية السرية تحت ابتزاز رئيسه لمواصلة التعذيب .
بسط صلاحيات القضاء العسكري والاستثنائي لمحاكمة المدنيين :
معلوم أنه في جميع جيوش العالم يوجد محاكم ميدانية بهدف محاكمة العسكريين أثناء الحروب وبغرض سلامة الجيش ، إلا أن مرسوماً صدر في عام 1980 برقم (32) بسط صلاحيات المحاكم الميدانية لمحاكمة المدنيين ولا يشترط في هذه المحاكم أن يكون قضائها من خريجي كليات القانون وإنما هم مجرد ضباط محاربون في الجيش ، والمحاكمات التي تجري فيها ، إنما تجري تحت سوط الجلاد ولا تتوفر فيها أدنى المعايير العادلة .
كيف تقوم ظاهرة التعذيب :
مع نهاية الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها ملايين البشر انضموا إلى قافلة الضحايا التي سبقتهم في الحرب العالمية الأولى ، قتل ودمار وإعاقة نجمت عن حروب طاحنة كان يمكن تلافيها بالحوار والمفاوضات بدلاً من استعمال السلاح المدمر وخاصة ما شاهدناه في هيروشيما وناغازاكي ، ومع هذه النهاية أسس المجتمع الدولي منظمة الأمم المتحدة التي رأت فيها الدول ظاهرة تبشر بخير بحيث أمّلت المجتمعات الدولية بانبثاق فجر جديد من الحرية والعدالة والمساواة وبادرت لتوقيع المعاهدات بدءاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تضمنه من معان سامية لجهة حياة الإنسان وكرامته ، وانتهاءً باتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عن الأمم المتحدة بالقرار رقم (39/46) والتي بدأ نفاذها في 26 حزيران/يونيو 1987 .
إلا أن تراجعاً ملحوظاً ظهر عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 التي وقعت في نيويورك وواشنطن انتكست على أثرها كل قيم الحق والعدالة والحرية ، وحلت مفاهيم الثأر والقوة محل العقل والمنطق ، وبات العالم .. كل العالم عرضة لكافة الانتهاكات بلا حدود تحت شعار محاربة الإرهاب ، وارتكبت قوى عظمى ممارسات انحدرت بكل القيم الإنسانية ومفاهيم الحق والعدالة والتي كان العالم الثالث يسعى لأن يدعم مجتمعاته بهذه المفاهيم ويستقوي بها بمواجهة حكومات فاشية استبدادية شمولية تدير دفة الأمور في بلدان هذا العالم .
إن هذه المؤشرات تعطينا الأمل الكبير في أن تياراً منصفاً بدأ يتشكل لمحاربة هذا الجموح الذي يهدد منظومة منع التعذيب التي بدأت تتشكل مع إبرام معاهدة منع التعذيب وتحقيق العدالة ، والأمل كبير في أن ينجح هؤلاء في ما يقومون به من عمل عظيم في زمن انحدرت فيه قيم الحق والعدل والمساواة ، وفي رأيي لسوف ينبلج فجر جديد في العالم يعيده إلى جادة الصواب ، ويأخذ بيد شرفاء العالم وشعوبه لتحقيق الأمن والسلامة للبشرية ، وحماية الإنسان من تيار التعذيب الذي يضرب في الأرض هذه الأيام ، نتيجة ما أعلنته الولايات المتحدة وحلفاؤها من حربها على الإرهاب ، إذ باتت الأنظمة الاستبدادية تتمترس خلف هذا المفهوم وتنكل بمعارضيها تحت هذا الشعار مستغلة انشغال العالم بهذا الهجوم الكاسح على القيم الإنسانية العالية .
تفعيل منع التعذيب :
قدمت فيما ورد لمحة موجزة عن تعريف التعذيب وتاريخه وتقويم جذور الظاهرة ، ولكن الأهم من كل ذلك هو أن نطرح على أنفسنا سؤالاً هاماً هو : كيف يمكن لنا أن نحول دون التعذيب ؟؟ وكيف لنا أن نؤسس ثقافة منع التعذيب ؟؟ .
التشريع هو الخطوة الأولى :
كيف يمكن لنا أن نمنع التعذيب فعلاً في ظل تشريع يكرس التعذيب ، ويتمترس النظام به بدعوى تعرضه للأخطار الخارجية وحالة الحرب .
لقد نص الدستور السوري الصادر عام 1973 على ما يلي :
r المادة /25/ :
– الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم .
– سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة .
– المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات .
– تكفل الدولة مبدأ تكافل الفرص بين المواطنين .
r المادة /26/ : لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
وينظم القانون ذلك .
r المادة /27/ : يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحريتهم وفقاً للقانون .
r كما نصت المادة /28/ من الدستور على ما يلي :
1- كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم .
2- لا يجوز تحري أو توقيف أحد إلا وفقاً للقانون .
3- لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك .
4- حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون .
r المادة /29/ : لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني .
r كما نصت المادة /30/ على ما يلي :
لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في
غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك .
r المادة /31/ : المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون .
r المادة /32/ : سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبينة في القانون .
r المادة /33/ :
1- لا يجوز إبعاد المواطن عن أرض الوطن .
2- لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا إذا منع بذلك بحكم قضائي أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة . كما نصت المادة /367/ عقوبات على ما يلي :
في ما خلا الحالات التي يفرض فيها القانون العقوبات الخاصة عن الجرائم التي يرتكبها الموظفون فإن الذين يقدمون منهم بصفتهم المذكورة أو بإساءتهم استعمال السلطة أو النفوذ المستمدين من وظائفهم على ارتكاب أي جريمة كانت محرضين أو مشتركين أو متدخلين يستجوبون العقوبة المشددة في المادة /247/ والتي تفرضها في المادة /391/ على أنه :
1- من سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون رغبة في الحصول على إقرار من جريمة أو
معلومات بشأنها .. عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات .
2- وإذا قضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح كان أدنى العقاب الحبس سنة .
r ونصت المادة /545/ على أنه تشدد العقوبات المذكورة في هذه المواد وفقاً لإحكام المادة /247/
إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المبينة في المادتين /534/ أو /535/ .
r وتنص المادة /534/ على أنه : “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصداً إذا ارتكب : …
في حالة إقدام المجرم على التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص” .
r أما المادة /30/ من نظام السجون فقد نصت على أنه يحظر على جميع الموظفين وعمال الحراسة أن
يستعملوا الشدة بحق الموقوفين ، أو يلقبونهم بألقاب محقرة أو يخاطبوهم بلسان بذيء أو يمازحوهم” .
فلو نظرنا في هذه النصوص السابقة لحسبنا أنفسنا في عالم مثالي ، إلا أن الواقع المعاصر يتناقض تماماً مع النصوص آنفة الذكر ، فضلاً عن التشريعات العديدة التي تتناقض مع الدستور والتي لم يجر إلغاؤها حتى ساعة كتابة هذه الكلمات ، وهي تعتبر بحق من الفوضى التشريعية التي تسود البلاد .
إن نصوصاً عديدة تعلو -في واقع الأمر- على الدستور ومنها :
أ- حالة الطوارئ التي أعلنت في عام 1963 بالاستناد إلى قانون الطوارئ وهي ترخي بظلالها على سائر التشريعات ، ففي ظلها يجري تعطيل القوانين وحتى تعطيل الدستور نفسه وأنا أضع أمام الجميع الآثار السلبية لحالة الطوارئ على حقوق الإنسان ذلك أن التطبيقات الواقعية لحالة الطوارئ -غير الدستورية- قد أفرزت الآثار القانونية الخطيرة على حقوق الإنسان وهي :
1- انعدام ممارسة السلطة القضائية لأية صلاحية بصدد الاعتقالات ، سواء لجهة الأمر بالاعتقال أو تنفيذه ، ومسؤولية التحقيق مع المعتقل ، أو معاقبته ، أو الإفراج عنه ، فضلاً عن أن ذلك يتعارض مع الفقرة (3) من المادة /9/ من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها سورية .
2- حرمان المواطنين من ممارسة حقهم في الطلب من القضاء البت بشرعية توقيف أي شخص وهو يخالف الفقرة (4) من المادة /9/ آنفة الذكر .
3- حجب حق الدفاع عن المعتقل أو توكيل محام للتشاور معه ومن ثم منع المحامين من ممارسة مهامهم ، وهذا يتعارض مع الفقرة (7) من المادة /14/ من الاتفاقية المذكورة .
4- عدم نفاذ أي قرار قضائي بإلغاء الأوامر العرفية والحيلولة دون وصول المواطنين إلى لحقوقهم .
على سبيل المثال تم إغلاق مخبر للتحاليل الطبية تحت اسم المخبر الأهلي جانب قصر العدل ، وقد حصلنا على حكم بانعدام الأمر العرفي الذي تم إغلاق المخبر بالاستناد إليه -بمعنى أن الأمر العرفي أضحى معدوماً وليس له أي أثر قانوني- ، إلا أننا لم نفلح في تنفيذ هذا القرار منذ أكثر من أربع سنوات .
5- منع ذوي المعتقل من معرفة مصيره أو التهم الموجهة إليه وعدم إمكان زيارته .
6- إن الأوضاع الجائرة التي تخرج عن مفهوم الأحكام القضائية والتي صدرت إما عن محكمة أمن الدولة أو عن المحاكم الميدانية ، قد قضت بإعدام الآلاف من المعتقلين بالجملة حتى إن بعض من أعدم كان بطريق القرعة .
ثم إن من حكم بأحكام جنائية قد تم وصم كافة مستنداته في سجلات الأحوال المدنية والسجلات العدلية بهذه الأحكام بصورة تؤدي إلى عرقلة عودته للحياة الطبيعية واستئناف عمله ، إذ سوف يخرج أصحاب الأعمال من وظائفهم ومن ثم ، تسد في وجوههم سبل العيش الكريم .
7- تعمد السلطات استناداً لإعلان حالة الطوارئ إلى مراقبة الاتصالات الهاتفية والبريدية ، وتخترق بذلك سرية المراسلات والمكالمات الهاتفية . كما تعمد إلى مراقبة البريد الإلكتروني ، وحجب العديد من المواقع على شبكة الإنترنت بهدف منع المشتركين من الوصول إلى معلومات محددة .
8- يمنع المحكومون بعد الإفراج عنهم والناشطون في الشأن العام من الحصول على جوازات سفر بأوامر الأجهزة الأمنية أو يمنعون من السفر خارج القطر .
9- أدت حالة الطوارئ وممارسة القمع إلى فرار عدد كبير من المواطنين خارج القطر ومنع هؤلاء من الحصول على جوازات السفر مما يتناقض مع المواثيق الدولية .
10- إن طغيان الأجهزة الأمنية والرعب الذي عشش في النفوس ، أضحى عاملاً حاسماً في الحيلولة دون اتخاذ قرارات من قبل السلطة القضائية في الرقابة على الإدارة العرفية ، وأدى بعد ذلك لطغيان هذه الإدارة واستهتارها بكل القيم والحقوق جملة وتفصيلاً ، وقد جرى منع بعض الناس من حضور المنتديات .
11- ألغيت حصانة الملكية الفردية وتمت مصادرة الآلاف من دور السكن بحجة الأمن ، ولقد مارست إقامة الدعاوى على السلطة في هذا الشأن وحصلت على أحكام دون تنفيذ حتى الآن ، وأرفق مع هذه الكلمة بياناً صادراً عنها يبين مدى استهتارها بقيمة الملكية .
12- أدى إعلان حالة الطوارئ لفقدان شخصية العقوبة ، فتم اعتقال الأقرباء والأصدقاء للشخص المطلوب لممارسة الضغط عليه لتسليم نفسه مما أدى لفقدان حصانة المواطن لشخصنة العقوبة .
13- إن اختلال العدالة الناجم عن إعلان حالة الطوارئ واستغلالها من الفاسدين الذين همهم جمع المال والمنافع بأية وسيلة ، يؤدي لابتلاع الثروات العامة ونهبها وإلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء ، ويؤدي بالتالي للإحباط ، وقد يكون سبباً لتولد العنف أو ما اصطلح عليه بالإرهاب .
14- لقد أدت حالة الطوارئ التي نعيشها منذ أربعين عاماً إلى تراجع الفكر وانحسار الإبداع وتردي الحالة العلمية لأن يد رقيب حالة الطوارئ هي فوق كل اعتبار إلا اعتبار أمن السلطة .
15- لقد دعمت حالة الطوارئ والخوف الذي عشش في نفوس الناس إلى تفشي الفساد الذي أضحى هو الفاعل الرئيسي في الحياة العامة وتغلغل في جميع أجهزة الدولة حتى وصل إلى التعليم والقضاء ، وهما الجهازان المفروض أنهما يؤمنان بناء مجتمعياً سليماً وحصانة للناس للوصول إلى حقوقهم ، ولم يعد أحد يستطيع أن يمارس نقد الفاسدين بسبب تمتعهم بحصانة الطوارئ ، ووجودهم في قمة هرم السلطة .
ب- نصوص أخرى تبيح التعذيب حتى القتل :
في عام 1969 صدر المرسوم التشريعي رقم (14) الذي أسس لإحداث جهاز أمن الدولة ونصت المادة /16/ منه على ما يلي :
– ولا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير .
إن هذه المادة تحصن المجرم من الملاحقة القضائية من جهة ثم هي تضع المجرم في موقف ضعيف أمام المدير بصورة يكون تحت ضغطه وابتزازه لمتابعة ممارسة التعذيب على الشكل الذي يمليه عليه رئيسه .
ج- نعود لنؤكد أنه برغم وجود نص المادة /30/ من الدستور ، إلا أن مجلس الشعب كان قد أصدر القانون رقم (49) لعام 1980 والذي قضى بإعدام كل من سبق له أن انتسب لجماعة الإخوان المسلمين بمعنى أن القانون قد أعطي مفعولاً رجعياً عكس المادة آنفة الذكر .