مقالات

سبتمبر 2001: ماذا خسرت القاعدة؟

فراس العبيد – رسالة بوست

«ما تحمله العقول لا يمكن أن تزيله حروب الشوارع».
“لم تهزم القاعدة” و “إرهابنا محمود”… عبارة يمكن سماعها اليوم في ثنايا كتب منظري التنظيم، وحتى أشعارهم التي تغنى رغم مضي 19 عامًا على الهجمات المسماة “سبتمبر 2001”.
وفي حينها خرجت الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية مذعورةً أمام مشهد انهيار اﻷبراج التجارية، وسقوط “كذبة الترسانة العسكرية التي ﻻ تقهر”، أمام ضربات غير متوقعة، في أحداث سبتمبر 2001.
بالمقابل؛ تمكنت الوﻻيات المتحدة من الحدّ من قدرة مقاتلي “القاعدة”، عبر توجيه ضربات قوية للتنظيم، ومحاصرته، لكنها عمليًا، لم تتمكن من “وقف تمدده” أو حتى “إجهاض وﻻدة أفرع جديدة له” في الشام واليمن والصومال وغيرها.
ورغم تراجع أو توقف العمليات العسكرية المشابهة ـ”هجمات سبتمبر 2001″؛ إﻻ أن التنظيم بقي على قيد “الحياة” والمتتبع ﻷدبياته وكتب منظريه، يكتشف أنه يعمل وفق تكتيك “طويل اﻷمد” في “حرب استنزاف” لا يمكنه الخروج “خاسرًا منها مطلقًا” على اعتباره يقاتل على أرضية شرعية دينية، وليس يرمي في أهدافه إلى تحرير اﻷرض كأولوية استراتيجية، بينما ﻻيغفل قيمة “التراب” كنقطة ارتكاز مستقبلا”.
البادئ أظلم:
وإننا وأمام مراجعة تاريخية تسبق قليلا تلك “الغزوة كما يحلو للتيار الجهادي” تسميتها، على المستويات الدولية والإقليمية وحتى المحلية العربية اﻹسلامية؛ تبرز لديه قناعة أنّ “أمريكا” كانت تخطط لصدام مع الأمة اﻹسلامية، وإعادة تشكيلها وتمزيقها، وإن كانت وجهات النظر السياسية ترى أنّ “القاعدة” أعطت المبرر؛ إﻻ أن الصواب أنها عجلت في المواجهة.
والمتابع بعمق لحركة الغزو “الصليبي” والتحالف مع “الصهاينة” سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا على حساب “الأمة اﻹسلامية”، ومباركة وجود وتربع قيادات وزعامات “عميلة له” في اﻷمة، يدرك أنّ التحالف الدولي “الصهيو_صليبي”، لم تتوقف حملته بل أخذت شعارات وأطوار أخرى لضرب قيام كيان الأمة اﻹسلامية، على غرار “استعمار” الذي يمكن توصيفه كخديعة، بدليل تخريبه هوية الشعوب المستعمرة، والتوصيف اﻷدق “استخراب”، وقرب مثال “الجزائر”.
بالتالي؛ فإنّ قانون اﻷرض والسماء يؤكد أنّ “البادئ أظلم”، والرد ضرورة، لكن تخضع لميزان الشرع وكذلك “المصالح والمفاسد” كقاعدة فقهية معتبرة في “السياسة الشرعية اﻹسلامية”.
وما تحملته الوﻻيات المتحدة نتيجة تلك الضربة من خسائر لا يتجاوز ما تحمله أبناء اﻷمة اﻹسلامية من قهر.
الإرهاب في منظور الجهاديين:
والمطالع ﻷدبيات التيار الجهادي، وتحديدًا “القاعدة” تتكشف لديها أنّ مسألة “اﻹرهاب” أصبحت في منظوره “مقبولة” إن وافقت “الشرع” و”استمدت واستندت إلى دليل شرعي”.
فكلمة أو مصطلح “إرهاب” عبارة مجردة، أرهب: أخاف، لكنه ينقسم إلى نوعين “مذموم ومحمود” في أدبيات التنظيم، وهذا واضح بدقة في كتابات الشيخ “أبو مصعب السوري”، المسمى “دعوة المقاومة اﻹسلامية العالمية” والذي بدوره استند إلى شرعية من القرآن الكريم بدلالة الآية:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}. الأنفال:60.
صليبيون جدد:
وبالتالي؛ فإنّ ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، فرضت قراءة الخطاب السياسي الأمريكي، ليلفتنا بصراحته الفجة إلى آليات العمل الدبلوماسي الأمريكي في استقطاب وابتزاز العالم، والتي نراها اليوم في خطابات الرئيس اﻷمريكي، دونالد ترامب، بوقاحة.
ومن أمثلة تلك المقولات «من ليس معنا فهو ضدنا»؛ اﻷمر الذي أعطى أمريكا مساحةً بضرب “المحايد” بذريعة “الحماية من الإرهاب”.
واستطاعت واشنطن تقسيم العالم أو بدقةٍ أكبر تشكيل حلف “صليبي صهيوني” بمباركة “الخونة من الزعماء العرب” لتقسيم العالم إلى معسكر موالٍ أو معادٍ لـ”واشنطن”، وبرزت “أمريكا” كإمبراطورية انتقلت من حالة هيمنة “القطب الأكبر” إلى “الهيمنة الشاملة”.
ولا يخفى على أحد تصريحات الرئيس اﻷمريكي السابق “جورج دبليو بوش”، التي كشفت عن “صدره” وأبرزت حقيقة الصدام “الإسلامي-الصليبي”، حين تبنى خطاباً سياسياً عبر إطلاقه عبارة: ” Crusade/الحملة الصليبية” في وصف حربه على “الإرهاب”، والتي عاد ليتراجع عنها معتذراً ثم كررها.
وإن اعتبر اﻹعلام الغربي أن “جورج دبليو بوش” زل لسانه، فإنّ “ما تخفي صدورهم أكبر”، بنص القرآن الكريم.
كذلك فإن تصريحات “بيرلسكوني” التي ادعى فيها أنّ “الحضارة الغربية أسمى من الحضارة الإسلامية”، حملت دلالات جديدة حول طبيعة الصراع، وتم تجيير الخطابين لصالح “تنظيم القاعدة”، الذي استطاع تجييش الشباب المسلم لصالح الانخراط في حربه.
وهي نقطة مفصلية في التاريخ الحديث أدخلت العالم حقيقة فيما سمي بنظرية «صراع الحضارات» التي ابتدعها «هنتنجتون» في كتابه الشهير بنفس العنوان، والتي أشار إليها أحد كبار منظري تنظيم القاعدة “أبو مصعب السوري” في خطابه لمناصريه.
وهي “احداث سبتمبر” شاهدة على وﻻدة “الصليبيون الجدد”.
تداعيات الحرب الأمريكية على الإرهاب:
وتشير الدراسات أن تكلفة الحرب التي تقودها “الولايات المتحدة الأمريكية” تقدر وفقاً لأدنى التقديرات بنحو 6 تريليونات من الدولارات؛ بينما تقدرها مبادرة National Periorities المرشحة لجائزة نوبل للسلام إلى رقم قد يناهز 8 تريليونات دولار مع نهاية عام 2014.
والرقم السابق تضاعف ما بين 30 -60 مرة عن تقديرات مدير المجلس الاقتصادي القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي قدر إجمالي تكلفة الحرب في حديث له لصحيفة وول ستريت جورنال بـ 100-200 مليار دولار على أقصى تقدير.
وهناك الكثير من الدراسات التي تتحدث عن أرقام أكبر فضلا عن كون الحرب على “إمارة أفغانستان” بقيادة “الطالبان” باعتبارها حركة “إرهابية” احتضنت تنظيم القاعدة، انتهت إلى هزيمة “الوﻻيات المتحدة” والمفاوضات جارية لخروجها على وقع ضربات مقاتلي “الطالبان”.
ويلاحظ ازدياد شوكة “القاعدة” مع الزمن، بالمقابل وجدت واشنطن تهافتاً لاسترضائها من الزعامات العربية، التي انتهزت الفرصة لتثبيت “عروشها” عبر تقديم الولاء للأمريكان. كان آخرها “دويلة اﻹمارات” التي هرولت قبل أيام للتطبيع المباشر مع أحد ركائز الحلف “الصهيو-صليبي”.
هيبة أمريكا المكسورة:
ويمكن القول بأن الهيبة الأمريكية انكسرت، على يدي “عصابة” مؤلفة من بضعة أشخاص، تمكنت من اختراق أقوى تحصينات أمنية في العالم، واﻷهم؛ أنّ واشنطن تتحمل يوميًا مليارات الدوﻻرات بمجرد إشاعة عن هجوم “إرهابي” تفتعله “القاعدة”.
من سيخرج منتصرًا؟
ولعل السؤال ضربٌ من الغيب، واستشرافا مبكر للمستقبل، إﻻ أنّ المطالع لـ“تكتيك ونظرية تنظيم القاعدة” في حرب العصابات التي تبنته، من خلال قراءة في خطابات منظريها، وعلى رأسهم زعيمها الشيخ “أسامة بن ﻻدن”، تترسخ لديه قناعة راسخة بهوية “المنتصر”.
وبالجملة؛ فإنّ مؤيدو ومنظرو القاعدة بما فيهم “رأس الهرم” أسامة بن لادن، يعتقدون أنهم وبعد “غزوة نيويورك” تمكنوا من جر “الولايات المتحدة” إلى حرب وصدام مباشر على أرضٍ يمتلكون فيها القوة، بدل استخدام “الأمريكان” جنوداً وقيادات بالوكالة للقتال ضمن إطار مصالحه.
وباختصار؛ أخفت الوﻻيات المتحدة خيبتها وراء ستار “حرب مجهولة النهاية، مجهولة الأطراف”، وهذا ما يشير إليه تقرير فرنسي نشر على موقع «بي فولتر» للكاتب الصحفي كريستوف سيرفان الفرنسي جاء فيه: ((يبدو أن أميركا أخفت حقائق كثيرة عن الأميركيين وعن العالم. أكثر من هجوم في وقت واحد، غياب أمني شبه كلي، عدم صد أي من الهجمات ونجاح في إصابة كل الأهداف في أقوى دولة في العالم، والمتهمين عدد قليل من العرب)).
إﻻ أنّ تلك الدراسة لا تعني أيضًا نجاح “تنظيم القاعدة” بالمطلق، ويمكن القول بأن اﻷخيرة هزمت في الجوﻻت التي تلتها، لكنها لم تخسر كامل المعركة بدﻻلة حضورها القوي في أفغانستان واليمن والصومال.
وباختصار؛ «ما تحمله العقول لا يمكن أن تزيله حروب الشوارع».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى