بحوث ودراسات

الخليفة المظلوم – عبد الله بن الزبير المفترى عليه – 2 من 11

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

لست أدري من أي نبع إسلامي استقى الكاتب هذه الأطروحة الحزينة؟! فمن على وجه التحديد اختار هذا الحزب؟! ومن الذي أطلق حزب (الزبيريين) على هذا الحزب؟ ولماذا لم يطلق عليه حزب (الطليحيين) مثلاً أو (حزب أم المؤمنين)؟!؛ فالدكتور حسن إبراهيم رغم طول باعه في دراسة التاريخ الإسلامي إلا أنه كان يكثر في كتبه مرويات واهية بدون تحقيق أو تمحيص، وقد وقع بالفعل في شراك المنظومة الغربية واعتمد على منطلقاتها وطروحاتها (مقدمات واستنتاجات)، فعندما يذكر كلمة (حزب) فإنه يقصد الحزب الذي استقر في الضمير الغربي الذي يتناقض والعقيدة الإسلامية، والمتابع للمفهوم التاريخي لفكرة الأحزاب ـ حاكمة ومعارضة ـ في الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا؛ وهي أرقى صور الديمقراطية الحديثة أو حتى في اليابان وروسيا حالياً وبعض الدول المنتسبة للإسلام التي تسير في فلك المنظومة الغربية مثل باكستان وبنجلاديش، وبعض الدول التي تحبوا على سلم المنظومة الحزبية مثل مصر وبعض الدول العربية الأخرى كالكويت وغيره!؛ نجد أن هذه الدول تدور في فلك المنظومة الغربية، فمنها من اقترب من الأنموذج ـ نسبياً ـ كبريطانيا وأمريكا ودول أوروبا الغربية، ومنها من ابتعد عن مسار الأنموذج كسائر الدول المتعلمنة حديثاً كالدول العربية ومعظم الدول الأفريقية وكثير من دول جنوب شرق آسيا!.

فمفهوم الحزب ينطلق من المنظومة الديمقراطية التي ترى حاكمية الشعب بالشعب عن طريق الاقتراع وصناديق الانتخابات التي تصطدم بمفهوم الحاكمية عندنا وهي حاكمية الله سبحانه وتعالى للبشر!؛ فالمشرع والحاكم هو الله جل وعلا!.

ومن ثم فإن لعبة الحكم في المفهوم العلماني الغربي يقتضي أن يكون هناك حزب وحزب مقابل! وذلك إما لتحسين صورة الحاكم المتسلط، وإما كوسيلة لتفريغ الكبت لدى الجماهير لحد ما! فالحزب في المنظومة الغربية يتعارض وطبيعة الإسلام؛ لأنه قد يصل إلى سدة الحكم رئيس مثل (كلينتون)! فهل يستقيم لعاقل أن تختار الأمة الأمريكية (كلينتون) وتسقط (جورج بوش) الذي حقق للأمريكان مجداً لم يستطع رؤساء أمريكا قاطبة أن يحققوه! أليس هو المنتصر في عاصفة الصحراء هام 1991م؟! أليس هو المنتصر على الاتحاد السوفييتي حيث غير المفهوم السائد قديماً (ثنائية العالم) إلى (أحادية العالم)! وانفرط عقد الاتحاد السوفييتي وصارت روسيا أشبه بدول العالم الثالث!!. وفي المقابل صارت أمريكا في عهده الدولة (العظمى)! أو القطب الأوحد؟! ورغم كل هذه الانجازات سقط جورج بوش! لماذا؟! لأن هذا ثمرة الديمقراطية وتفسخ الأمم المتقدمة صناعياً! تلك الأمم التي يحركها زيف الإعلام المادي الذي يجعل القزم عملاقاً!، والبطل قزماً! ويصير الجاني ضحية!! والجماهير تعيش في دوامة الإعلام الهادر بالأكاذيب!! هذه فكرة الحزب في المنظومة الغربية!! لذلك لا غرو! أن يصل إلى عضوية الهيئة التشريعية ساقط أو منحرف أو شاذ! تماماً مثلما حدث في إيطاليا منذ سنوات عندما فازت امرأة “عاهرة”! في الانتخابات التشريعية وليس لديها مؤهلات إلا أنها كانت تكشف نصفها الأعلى من جسدها أمام أمواج البشر المتلاطمة التي تلهث وراء المتعة الحرام!! والأمثلة في هذا المقام كثيرة لا يسعها موضوعنا.

هكذا فإن الإسلام نسيج وحده؛ فمبدأ أهل الحل والعقد وهم نقباء الناس وسادتهم من أهل العلم والصلاح لا تتوافق والمنظومة الغربية.

قد يتساءل البعض لقد وردت كلمة (حزب) في القرآن كما في سورة المجادلة (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22).. فإذا كان الأمر كذلك فلا ضير أن يطلق الكاتب اسم (حزب الزبيريين) على هذه المجموعة في تلك الحقبة التاريخية؟

أقول: عن الكاتب لم يصب كبد الحقيقة بل أبعد النجعة! فذكر كلمة حزب في القرآن جاءت مضافة إلى فريقين متناقضين من البشر (ألا إن حزب الله هم المفلحون) وفي المقابل حزب الشيطان (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)، فالمقصود حزب الله أي (أمة الإسلام) في مقابل حزب الشيطان (أمة الكفر).

أما ما ورد في الفقرة السابقة (حزب الزبيريين) فنرى أن الدكتور حسن إبراهيم يقصد المفهوم الغربي لكلمة (الحزب)، لأنه لم يذكر أحد من السلف أو الخلف حتى بداية القرن المنصرم هذه العبارة (حزب الزبيريين)! فهذه العبارة كان يرددها كارل بروكلمان في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) وغيره من المستشرقين! مما يؤكد وجهة نظرنا في أن الغرض من إطلاق هذا الاسم (حزب الزبيريين)؛ هو ترسيخ المفهوم الغربي لكلمة (حزب) مما يشوه الصورة المثلى للحكم الإسلامي في ذهن القارئ؛ فميكافيلية الأحزاب ونفعيتها وسيرها في دوائر مربعة!! كما يقال في قاموس السياسة! التي لا تخفى على المتابعين لهذه الظواهر التاريخية والسياسية! فالوضع مختلف تماماً في عصر الصحابة وما بعده! فهناك قضايا شرعية لا تتفق والمنظومة الغربية كقضية الحسبة والنهي عن المنكر والخروج على الحاكم؛ إنها قضايا شرعية لا تسير في نفس القنوات التي تسير فيها الطروحات الغربي! فإذا أنكرت جماعة من المسلمين (صحابة وغيرهم) على الحاكم المسلم سواء بالقول أو بالفعل يقال إنهم ما خرجوا إلا للاستيلاء على السلطة! وإنهم يطمحون في الحكم لتحقيق مآربهم الحزبي! فمنطلق الصحابة والجيل الأول في صدر الإسلام في نصح وحتى مقاومة الحاكم والخروج عليه؛ من منطلق القرآن الكريم والسنة والفهم العام لروح الإسلام!؛ هكذا فعل الصحابة عندما خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهم اعتقدوا أن علياً رضي الله عنه قصّر في محاكمة قتلة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومن ثم خرجوا عليه ودعوا إلى منابذته! أما الخليفة الراشد علي رضي الله عنه: فقد حاربهم لاعتقاده خروجهم على الإمام الشرعي وخروجهم على جماعة المسلمين! ومن ثم قاتلهم قتال البغاة لا قتال المرتدين.

فكلا الطرفين متأول والمشهور لدى علماء السلف أن الحق كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم أجمعين. قال تعالى في محكم التنزيل: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة:134).

(2) قول الدكتور حسن إبراهيم: (إن عبد الله بن الزبير كان يرى أحقيته الخلافة فأوقع بين علي بن أبي طالب وبين أبيه الزبير بن العوام).

هكذا يرسم لنا الكاتب شخصية عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كشخص نفعي وصولي يصعد على أكتاف الآخرين يوقع بين خيار الأمة ويفسد العلاقة بينهم! أي رجل هذا الذي يتكلم عنه الدكتور حسن إبراهيم؟! هل يعقل حتى ولو لم نحرر النص من الناحية الوثقية: ان يرى عبد الله بن الزبير ربيب بيت النبوة والتقوى أحقيته بالخلافة رغم وجود أشياخ الصحابة الكبار كأبيه الزبير، وطلحة بن عبيد الله، وعلي بن أبي طالب نفسه، وحتى معاوية بن أبي سفيان الذي كان أكبر منه سناً بالإضافة إلى خلق كبير من وجهاء الصحابة!!

أهكذا نطلق العنان للقلم يسطر هذه الروايات المدسوسة لنطعن في خيار الامة؟!.

(3) قول علي مخاطباً الزبير بن العوام رضي الله عنهما: “لقد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا”!.

تأمل! الأشخاص الذين يتكلم عنهم الكاتب: “علي بن أبي طالب/الزبير بن العوام/عبد الله بن الزبير”!! صفوة المسلمين وخلاصة المجاهدين وأعلام الهدى وأطهر البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفائه الصديق والفاروق وذي النورين! يقول أحدهم للآخر: “حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا”!! لو حذفنا الأسماء وتركنا الحوار مجرداً لظننا ان الكاتب ينقل ما دار في مضبطة ما يسمى (ثوار يوليو 1952م) عبد الناصر ورفاقه؛ صلاح سالم، وعبد الحكيم عامر، والسادات، وبقية العقليات المتخلفة التي حكمت مصر!! أي حوار هذا الذي يذكره الكاتب كمسلمة لنتائجه التي بنى عليها فكرته في تقويم أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه! نحن نربأ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهوى بهم الحديث إلى هذا الحضيض! ولن نخوض في الذب عن أخلاق الصحابة رضي الله عنهم أكثر من هذا! فعظيم أفعالهم وجليل أخلاقهم أجمعت عليها الأمة من لدن الصدر الأول إلى وقتنا الحاضر.

هم الجبال فسل عنهم مصادمهم **ماذا رأى منهم في كل مصطدم

فسلْ حنيناً وسلْ بدراً وسلْ أحداً **فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم

خلاصة ما سبق

 أرى أن الدكتور حسن إبراهيم لم يتحر الدقة واعتمد على نقول، وآثار عارية من الصحة وردد ما ذكره بعض المستشرقين في مفهوم (الحزبية)! ولم يبد تحفظه أو اعتراضه على هذه التسمية!.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أحسنت أستاذنا الكريم ، وفعلاً فقد أخطأ د.حسن إيراهيم حسن في كتابه تاريخ الإسلام فيما ادعاه بتسمية ( حزب الزبيريين) نسبة لعبدالله بن الزبير رضي الله عنه ، وهذا بلاشك مثل ماتفضلتم مجاراة للمستشرقين ، والكتاب قد قرأته قبل ثلاثون عاما ، وقد وافق ماقلتم بهذاالطرح ماعندي بارك الله فيكم وفي جهودكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى