مقالات

ذكرى واعتبار غائب

يونس العيسى

إعلامي وكاتب
عرض مقالات الكاتب

يصادف اليوم، الأربعاء 9 أيلول، الذكرى السنوية السادسة لرحيل قادة حركة أحرار الشام، جراء تفجير استهدف مقر اجتماعهم في ريف إدلب،

وللجنة ثمانية أبواب لا تفتح ألا للمؤمنين والشهداء والصادقين والتوابين، ونسأل الله أن يتقبلهم من الشهداء وتكون “جنات عدن مفتحة لهم الأبواب”، والثورة كما السماء تفتح أبواب الأمل والدعاء لكنها تنسى أن توصد أبواب الجحيم !

في هذا اليوم من كل تضج مواقع التواصل الاجتماعي بصورهم وأسمائهم وذكر مناقبهم، ولكن استذكار دون اعتبار؟

 وكان من بين الذين استشهدوا الفتى الصلب في دينه المرن في أفكاره والعالم الفذ رغم صغر سنه

محمد الشامي الملقب بأبو يزن الشامي، الذي كان يقدم أجمل الأفكار ومنها فقه الأعتبار الغائب

بقوله: ” الاعتبار هو الفريضة الغائبة اليوم.

أصل الاعتبار هو العبور والمعتبر ينتقل من التاريخ أو التجربة إلى الواقع، هو مسلك سلوكي أكاديمي”

 الشهيد أبو يزن الشامي بفكره الاستثنائي والناضج كان من اوائل المعترفين بالأخطاء والتائب عنها ووصف علاجها قبل ان تستفحل ويزمن داءها ويصبح عقبة على طريق الثورة.

أبو يزن المعتبر، راجع تاريخ ومسيرة التيار السلفي الذي كان ينتمي إليه واقر باخطائه واعترف فيها من خلال الثورة التي انضم إلى صفوفها وعرف مكامن اتجاهاتها ومنهجية الإسلاميين الذين تعرف عليهم خلالها، بعد سنتين من الثورة كانت “فريضة الاعتبار” قد نصجت عند أبو يزن فيما غابت عن قادة وعلماء يفوقونه سنا وعلما وتجارب، والذين جاؤوا من بعده أصروا على المكابرة وعدم الاعتراف بالأخطاء ولم يتحملوا مسؤولية افعالهم ونسفوا فريضة اعتباره ولم يلتفتوا لما كتب وقال، حتى غابوا وعمهوا في مشاريعهم وافكارهم وفصائلهم ودنياهم ورسبوا في منهج أبو يزن القائم على التضحية والغربلة لمن سلك طريق الثورة، اذ اخترع العلماء أجهزة للكشف عن الكذب، وأخرى لاستعمالات متعددة، لكن بالرغم من تقدم العلم وتطوره لم يخترع بعد أجهزة دقيقة لقياس درجات الغباء والجهل، أوالنفاق والطمع، أو حب القيادة والتسلط!!

ولكن المتأسلمين سبقوا العلم وبرروا اخطاء وعمالة قياداتهم بجهاز اسمه “المغرر بهم”، هذا الجهاز يعفيهم من المساءلة ويمنحهم صك براءة ويسمح لهم بإعادة تشكيل حزب وفصيل يمارسون حب الرئاسة والزعامة من خلاله ويخولهم بتأليف كتب و القاء محاضرات بممارساتهم وتجاربهم الحكيمة والرائدة وكأن الوطن مختبر تجارب لمشاريع فصائلهم ويراهنون على إمكانية نجاحها وفشلها إما تصيب وإما تخيب، وهذا السلوك الساذج والغير مدروس مع قيادة هشة الوعي وتفتقر إلى الخبرة السياسية أدى إلى حدوث كوارث بعد ان فعل فعلته بالثورة وأهلها وجعلها في مهب ريح العواصف الدولية المدمرة، وهذا التناسل الغريب لأصحاب التجارب الأنتهازيين والنفعيين جعلهم متسلقين تحت إمرة رؤؤس كبيرة، وانتزعوا من الثوار الحقيقيين القرار السياسي الثوري الصائب.

 أبو يزن المعتبر قال:”من الاخطاء في مناهج التمكين تقديم الاتفاق الفكري، بل أساس الاعتصام الائتلاف القلبي ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) ولم يقل في تناغمهم الفكري ومشربهم التصوري، هل كان اعتباره خطأ..؟؟

كان أبو يزن بفقه اعتباره يحاول تصحيح الاخطاء، ولكن الذين تسلموا دفة القيادة بعد رحيله هو ورفاقه كان خيارهم الأمامة أو القيامة وجعل الشعب يتامى، والفساد اصبح ثقافة مزدهرة كما في الهشيم نارا مستعرة، كل حسب طاقته، الفساد المجرد من أية قيم أخلاقية في طريقه لأن يصبح تقليدا متأصلا وفلكلورا لا يخجل منه أصحابه ولا يحتاج الى تبريرات، تتوارثه الأجيال كما الجينات لا يأبه للشهداء ولا يسمع لأنين الآباء والأمهات الأحياء.

أن مستقبل سوريا مازال غامضا ويحق لنا أن نعتبر و نقلق وأن نحتاط للأسوأ لكن ذلك لا يمنحنا الحق في ” طمطمة” دورنا في أحداث قررت الى حد كبير مسيرة ثورتنا حتى اليوم ، بل أن التوقف العلني والصريح في ذكرى رحيل الشهداء هو أحد متطلبات أعادة بناء الذات ونقدها لمواجهة تحديات الغد بعد سلسلة المرارات، والاعتراف بالخطأ يقتضي الأعتذار فضلا عن تسمية أهل القرار خصوصا، هذا الأعتراف سيمنحنا مصداقية جديدة ويحررنا من أسرار الماضي ويسحب البساط من تحت أقدام المغرضين، أما محاولة الأختباء وراء الذكرى دون اعتبار فلا تمنح غفران أكثر من صلاة سكران وهي تعبير عن ثقافة مضافة شيخ العشيرة وليست لفضائات الفكر المستنيرة، والحاضنة الشعبية للثورة اعتبرت واخذت دروس كثيرة وفقدت كل الثقة من الذين  لا يعتبرون ولايصححون الأخطاء، واصبح عندها

 قرون استشعار فطرية ودينية وغربال يعرف العدو والصديق والمتلون والمتثور والمنافق وطالب السلطة، واكثر من ذلك صارت تعرف المتاجرين بالثورة وتفرق بين الحلال والحرام، بين الكسب المشروع والكسب الغير مشروع..؟ وان أغنياء الكسب غير المشروع هم طبقة جعلت من علم فصيلها وحزبها لاعلم الثورة ستار لكسبها وتجارتها ومعابرها ولا خوف عليهم ولا يحزنون.!!

الوطن والثورة لايمكن ان تختزل في شخص أو فرد أو حزب أو فصيل، ومشكلتنا في سورية ان نظام الأسد على مدى سنوات حكمه لم يعترف بأي اخطاء ارتكبها، وكذلك سار البعض ممن سلك طريق الثورة على نهجه، وكأنه لايأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم..!

هناك مثل نيجيري يقول :” الفأر يضحك على القط، ويخرج لسانه إذا كان يقف بالقرب من جحر”

في ثورتنا ما اكثر الذين مارسوا دور القط والفأر ويضحكون على الشعب لقربهم من جحور تحميهم من المساءلة.

 ‏ وأصبح طغاة اليوم هم ثوار الأمس، وعايش الشعب الثائر ظاهرة الضفادع وظاهرة عبد الحليم خدام، وينتظر ظاهرة كوهين الثورة

وعلينا أن نعي درس الاعتبار، وأن السفينة اغرقها من تولى قيادتها واغرق ركابها في بحر تفاصيل التاريخ والدين والعقيدة وانشغل بفرز ركابها على الجنة والنار.

السفينة اغرقها من شتت لغة الخطاب بينه وبين ركاب سفينة الثورة والحرية.

السفينة اغرقها طاقم الإبحار الذي جاء من خارج البلاد وعينته السفارات واستلم دفة قيادتها وافرغ وقود استكمال رحلتها قبل وصولها.

السفينة اغرقها الربان الجاهل والمفتون بخرائط ابحار القاعدة.

السفينة اغرقها من كان مشغولا بفصيله ومكاسبه ولم يهمه مسار السفينة.

السفينة اغرقها من طبل لمهارات الربان الخاطئة في قيادتها.

السفينة اغرقها من لم يسئل الربان عن حمولتها ومؤونتها ووجهتها.

سفينة الحرية اغرقها المنطق الذي يقول: عاوز تحيده ؟ توهه !

السفينة اغرقها من اوكلت له مهمة عدم إيصال ركابها إلى وجهة الحرية

السفينة اغرقها من عامل ركاب سفينة الحرية

بمنطق الأغنية التي تقول: “لما راح الصبر منه، كانا يسأل عن الدوا.. قالي شوفي احلى عمر، احلى عمر نكون سوا”

اي عودوا إلى حكم الطاغية وعيشوا سوا عيش مشترك !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى