مقالات

البرلمان تحقيق إرادة الناخب أم الحاكم؟

فرج كُندي

كاتب وباحث ليبي
عرض مقالات الكاتب

تعتبر الحياة البرلمانية بصورتها الحديثة ظاهرة جديدة على ثقافة الشرق الاسلامي مقارنة مع الثقافة الاوربية الغربية التي سبقتنا بعدة قرون وكان لها التأثير الكبير على المثقفين المسلمين الذين عاشوا في أوربا ثم عادوا لأوطانهم يحملون فكر سياسي جديد اكثر تقدما عن النظم السياسية القائمة ذلك الوقت , والمتمثلة في الدولة العثمانية في أواخر عهدها .
ومع بدايات القرن العشرين خرجت دعوات كبيرة وواسعة مطالبة بتقييد سلطات الحاكم من خلال حركات سياسية ظهرت في وقت متقارب ما بين ( 1906- 1909 ) في كلا من إيران والدولة العثمانية والمغرب الاقصى , سميت بحركة ( المشروطية ) في مقابل ما عرف ب ( المستبدة ) التي تمثل السلطات المطلقة للحاكم .
بعد مرحلة صراع وسجال طويل قمعت فيه المستبدة دعاة المشروطية وسحقتها سحق , وفي بعض المناطق منحت المستبدة وجود شكلي للمشروطية عبر الموافقة على منح ( الرعية ) نوع من التمثيل النيابي باعتماد دساتير تسمح بالتمثيل في البرلمان عبر انتخابات مزورة أو عبر تعيين مباشر من الحاكم لأفراد يعبرون عن إرادة الأمة ؟؟!!!!.
إن الانظمة المستبدة وإن سمحت بتشكيل هيئات برلمانية تشريعية لم يكن برغبتها أو عن رضى منها ولكن كان تلبيه لمطالب حقيقية وجادة جعلتها في بين خيارين إما تقديم بعض التنازلات للأمة أو خيار الثورة وضياع الملك فاختاروا الثانية في محاولة لامتصاص الشعوب مع تفريغ هذه المؤسسات من محتواها وسلب صلاحياتها وتفريغها من المضمون الذي من المفترض أن تُؤسس لأجله إي استجابة لأراده الامة لا لإرادة الحاكم .
يقول : محمد اسد رحمه الله . أن تشكيل الهيئة التشريعية هو أخطر المسائل في حياة الدول , وإن علينا أن نلتزم بأمر الله تعالى الذي ينص على أن تعالج كافة شؤوننا العامة على اساس الشورى , وأنه لا مفر من التسليم أن عملية تأسيس المجلس نفسها يجب أن يتمثل فيها هي الأخرى معني الشورى على اتم ما يكون.
وفي المجتمعات المعاصرة لا يمكن أن يتم تعرف رأي الأمة , وتحقيق مبدأ الشورى بغير طريق الانتخاب العام إذ أنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تظهر عن طريقها مزايا المرشحين ويترك بعدها للشعب حرية الاختيار . دون وصاية أو توجيه مع القيام بعملية مجتمعية استباقية تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني لصانعة وعي بأهمية الانتخابات وخطورتها ومدى المسؤولية الشرعية , والمردود العام في اختيار الناخب وأن النتائج المرجوة لا تتحقق إلا من خلال اخيار الافضل والانسب .
ويوكد الكاتب المعروف خالد محمد خالد رحمه الله على أن المفهوم الحديث للشوري في اختيارات الامة لمن يحكمها أو يمثلها هو انتخاب الشعب لنوابه من الذين يعتقد فيهم أنهم هم خير من يمثل إرادته ومشيئته , ويرى في هؤلاء النواب المختارون من قبل الأمة هم أهل الحل والعقد ولاسيما إذا طعم المجلس النيابي ببعض الخبرات والكفاءات المتخصصة ولو بالتعيين المحدود, والمنصوص عليه دستورياً أو الاستعانة بهم في الدوائر الاستشارية بالمجلس النيابي .
إن المناط الحقيقي المطلوب من البرلمان تحقيقه ؛هو تمثيل إرادة الأمة لا رغبة الحاكم , وأن يكون أداة الأمة في التعبير عن آرائها والقائم عنها بمراقبة ومحاسبة الحاكم والحكومة. من خلال اختيارها الحر والغير مشروط وفق معايير الكفاءة والنزاهة لأشخاص كانت – الأمة الناخبة – على مستوى عال من المعرفة التامة بقدراتهم وكفاءتهم ونزاهتهم, من خلال المعيار الدقيق الذي حددته الشريعة الإسلامية – القوة والامانة – المتمثل في الكفاءة والمقدرة على التنفيذ لصالح الأمة لا لمصالح شخصية أو فئوية ولا يقبل أن يكون واجهة تجميلية لصورة نظام أو اداه في يد حاكم مستبد يوجهه اين يشاء .
بل يجب ان يكون مستقل الارادة يعبر عن الأمة التي انتخبته وجعلته نائب عنها يقوم بمصالحها وحدها دون غيرها فهي الأحق والأولى والأجدر بذلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى