مقالات

إسلام ومسلمون القرن الحادي والعشرون

العميد د. م. عبد الناصر فرزات

عرض مقالات الكاتب

((سأكتبُ في هذا الموضوع حولَ مآسِ المُسلمين بتجردٍ عن الاِنتماء الدِّيني أو الطَّائفي، فالإسلامُ في هذا المقال هوما ورد في كِتاب اللهِ وسُنَّة رسولهِ))

مقدمة: يسعى معظم القّادة والمُفكرين المسلمين والعرب خاصةً إلى محاولة النُّهوض بالوطن علمياً وتكنولوجياً، واللَّحاق بركب الحضارات مُتجاهلين الأسباب التي أدت الى تخلف وجهل الأمة الإسلامية، والتي بدأت منذ نهاية الخلافة الرَّاشدة إلى يومنا هذا، ومُتناسين أنَّه لا يمكن النُّهوض بالأمة دون القضاءِ على هذه الأسباب التي أدت إلى انحطاط مجتمعاتنا وتسلُّط الأعداء علينا، ومُتناسين أيضاً أهمية بِناء الإنسان بالشكل الصَّحيح وأهميته في بِناء الوطن ودوره في المجتمع وتعزيز قوة الدَّولة.

 نحاول في هذا المقال تسليط الضَّوء على أهم العوامل التي أدت إلى الأمراض التي أصابت الأُمَّة الإسلامية وأسبابها وكيفية النُّهوض بها.   

لقد تعرَّضَ المسلمون إلى نكبات وأخطار متعددة ولكنَّ الإسلام كنهج ومبدأ واِسلوب حياة وفكر لم ولن يتَّغير بل حدث التَّغيُر في المسلمين أنفسهم منذ نهاية الخِلافة الرَّاشدة حتى انهيار الدَّولة العثمانية إلى يومنا هذا. وتعتبر الانتكاسة الكبرى التي حدثت للسُّنة هي بعد ضعف الدَّولة العثمانية بسبب التغلغل المخابراتي والإعلامي الخارجي واستقطاب الأقليات ضد الدولة وبث الفتن وتأجيج الخلافات ضمن الدَّولة القوية، وخذلان العرب للدّولة العثمانية وإعلان الحرب ضِدها بدعم من بريطانيا وأوربة.

ويُعلل ويؤكد أغلب المسلمون وخاصة العرب منهم أن أسباب تخلفهم هي المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين التي حدثت في نهاية حكم السُّلطان عبد الحميد والتي مازالت حتى يومنا هذا، ويعزون السبب الرئيس في ذلك إلى زرع الكيان الصهيوني في فلسطين. بلا شك أن وجود هذا الكيان كان له دورٌ رئيس في المآسي والفظائع المتكررة التي أصابت العالم الإسلامي والمنطقة وفي خَلقِ الَّتفرقة والجهل والابتعاد عن الدِّين الحنيف بحيث أصبح الكثير يدعي الإسلام وهم بعيدين عن الإسلام ويجهلون تعاليمه . ولكن السبب الرئيسي في المآسي والمصائب التي حلت بالمسلمين هي من المسلمين أنفسهم. 

أولاً؛ الخطر الصهيوني!

ولدَّ الوجود الإسرائيلي في فلسطين بالقُوة وبتسهيل دولي، ولكن العامل الرئيس الذي ساعد على توطين الصَّهاينة وقيام دولتهم وإخراج الفلسطينيين من فلسطين هو قرارات القادة العرب بخوض حروب خاسرة فاشلة بجيوش غير مؤهلة للحَرب وقادة تابعين للغرب الموالي لإسرائيل، ضد جيش إسرائيل المزود بالخبرات والسِّلاح المتَّطور والمتشبع بالفكر العقائدي الصُّهيوني من أجل قيام دولة إسرائيل. وهذا أدى إلى خسارة الأرضي الفلسطينية على التوالي خلال الحروب لصالح الكيان الصهيوني وطرد الفلسطينيين منها.

في الوقت الذي اِستطاعت فيه دولة إسرائيل بناء كيانها بالاِستعانة بكافة الخبرات والإمكانيات اليَّهودية، كان القادة العرب يستعينون بأعداء الشَّعب لتثبيت حُكمهم وبسط نفوذهم وقتل الشَّعب المسلم السُّني وتهديم الحَضارة والبناء والعلم والمعرفة وتجهيل الشَّعب وبناء المشانق وتجهيز المقابر الجماعية وتجهيز الجيوش لحماية القائد المُستَّبد وقتل الشَّعب.

عملياً ما قدمه بعض القادة العرب خدمةً لإسرائيل يفوق عشرات المرات ما قدمه يهود العالم مجتمعين لإسرائيل، وعدد الشُّهداء الأحرار أصحاب الفِكر والمثقفين من أهل المسلمين السُّنة الذين قتلوا على أيدي الأنظمة العربية يفوق مئات المرات ما قتلته إسرائيل في حروبها مع العرب. والحقيقة أن المجازر التي اِرتكبتها حكومة الأسد في سورية ولبنان خير شاهد ودليل على جرائم الحُكومات العربية، وأفضل خدمة لتثبيت الوجود الإسرائيلي في فلسطين.

ثانياً؛ المصائب المتتالية على المسلمين!

إن سُنة الحياة والواقع والتاريخ تثبت أنك إذا اردت ان تكون قوياً عليك إصلاح نفسك أولاً وتقوية عزيمتك ثانياً، وأنَّ تغيير قدراتك أسهل بكثير من أن تنتقد الغير وتحاول أن تغير عقولهم وتحرك قدراتهم لصالحك أو أن تتوسل إليهم لإنقاذك “”المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضَّعيف وفي كلٍ خير”” وهذا ما فعله الأنبياء والرُسل وأصحاب الحَضارات السابقة والحالية، إصلاح النفوس ومن ثم المجتمع.

الحقيقة أن المسلمين أنفسهم لهم الدَّور الرئيس في المآسي والمصائب والأخطار التي تعرضوا ويتعرضون لها، وهم يلقون اللوم على غيرهم دائماً وينسون أنفسهم وأعمالهم وجهلهم الفكري والعلمي والدِّيني، ويحفرون الحُفر، ويكيدون الكيد لبعضهم على المستوى الفردي والاجتماعي والدولي، ويطلبون الحلول والأفكار من الخارج ويتَّبعون الأجندة لتنفيذ المخططات الخارجية ضد الدُّول الإسلامية، وبالتَّالي فهم ينتقلون من مأساة الى أخُرى أكبر.

يمكننا إجمال الأسباب الرَّئيسة لمآسي ومصَّائب المسلمين المتتالية في:

  • تولي الجَهلة السُّفهاء والرِّعاع سُدَّة الحُكم والقيادة بدعم خارجي أو بعلاقات مميزة مع أعداء الشَّعب، وعدم قدرتهم على اِتخاذ القرارات المنَّاسبة في الوقت المنَّاسب، ومحاربتهم للعلم والفكر وأصحاب الاِختصاص ليتسنى لهم قيادة الدَّولة والأمة والاِستبداد في السُّلطة.
  • سَيطرة عُلماء السَّلاطين الذِّين يُشَّرِعون للقائد الظَّالم ويتَحكمون بمشاعر البَشر ويسيطرون على عقولهم وفكرهم بعدم الخُروج والتَّمرد على القائد حتى ولو كان ظالماً بل وتمجيد القادة بالرُغم من ظلمهم وغبائهم وسفكهم لدِماء الأبرياء والأحرار.
  • سيطرة الجهل والتَّقليد الأعمى للغرب على عقول القادة والشَّباب، حتى ولو كان الغرب على خطأ والاِبتعاد عن التَّعاليم الدِّينية والتشريع الإسلامي والبحث عن إسلام جديد يناسب الحضارة الغربية.
  • التغلغل الشِّيعي وبدعم خارجي في صفوف المسلمين واِنتشار ظاهرة التَّشيع في الدُّول العربية ومحاولة إيران بث الدِّعاية الباطنية الشِّيعية والسَّيطرة على العقول تحت شعار العداء لإسرائيل وأن “اسرائيل” هي ألدَّ أعدائهم.
  • الوهَن واليأس الذي أصاب الأمة والاستسلام للواقع والرِّضا بالخنوع وعدم البحث عن أسباب النُّهوض والتَّطوير والتقدم ومواكبة العُلوم الإنسانية والتِّقنية، وبالتَّالي اِتخاذ القرارات غير المناسبة التي ساعدت على اِستمرار التَّخلف والتَّبعية.
  • التَّراخي والاِستكانة لما يجري والثقة بالنَّفس الوهمية والغُرور الذي أصاب المسلمين بأنهم الأكثرية أمام الشِّيعة واهمال المد الشِّيعي لتخريب مبادئ الإسلام.
  • تحالف الحُكومات العربية وغير العربية المسلمة وبأجندة خارجية مع الشِّيعة سرا وعلانية ضد الدُّول الاسلامية.
  • كذب ودجل القادة والحكومات العربية والإعلام العربي الموجهة حول القضية الفلسطينية وعداوة “اسرائيل” لدَّعم وتثبيت الحُكم الاِستبدادي الطَّائفي.

 ما الحل للنهوض بالأمة الإسلامية؟

إن الهُروب من الواقع لا يؤدي إلى الخُروج مما نحن فيه، بل يجب مواجهة الواقع بشجاعة وفكر وتخطيط وعدم اليأس أو الاستسلام، للنهوض بالأمة وإبطال كافة الخُطط المعادية للشعب وحريته.

نحن اليوم في حالة وهن بسبب عدم قراءة الواقع بالشكل الصَّحيح، حيث تمادت الأفكار المتشددة والخارجية والأجندة والعمالة في مفاصل الدَّولة واشتدت الخلافات دون أن تجد الحُلول أو العلاج المناسب، وقد اِستغل أعداء الأمة عوامل الخلاف والتفرقة الطِّائفية والعرقية والدِّينية والتَّطرف الدِّيني والأخلاقي للحفاظ على الجهل وتقسيم الدُّول والبقاء على القيادات التَّابعة فكريا وسياسيا واِقتصادياً للأجندة. 

في ظلِ المتَّغيرات الدُّولية المحيطة بنا لا بد لنا من:

  • القضاء على الجهل الموروث وتوحيد الفكر والعمل الجماعي لإسقاط كافة المؤامرات، بالاعتماد على الكفاءات القيادية الوطنية، وهذا يتطلب بناء الإنسان والمجتمع على أُسس سَليمة وإعطاء الفرد والجماعة حرية التفكير والابداع.
  • نبذ الأيديولوجيات المصطنعة والدكتاتوريات والقمع وحب الذَّات وتمجيد القادة والعمل على جعل الاِنتماء الوطني للأمة فَوق كُل شيء وأن نعمل لتأسيس وطنٍ مبني على المحبة والإخاء بين كافة مكوناته.
  • –         التَّخلص من علماء السَّلاطين الذِّين يُشَّرِعون للقائد الظَّالم ويتحكمون بمشاعر البَشر ويسيطرون على عقولهم وفكرهم بعدم الخُروج والتَّمرد على القائد حتى ولو كان ظالماً.
  • التَّخلص من القادة غير المؤهلين والتَّابعين للأجندة الخَارجية والذين قتلوا الفكر والحرية وشجعوا الجهل والعُبودية، ويتوعدون وهماً “اِسرائيل” بالفناء وهم من يدعمون إسرائيل ويخضعون لقراراتها.
  • اِتخاذ كافة الإجراءات لدَعم العلاقات بين المجتمعات الإسلامية والعَمل على احباط كافة الخطط والمخططات الشِّيعية وتغلغلها في العالم الإسلامي.
  • إيجاد الصِّيغة والألية المناسبة لكسب التأييد الدُّولي لدعم بناء المجتمع الإسلامي الصَّحيح.

واجبنا أن:

  • نُنقذَ مُستقبلنا بزرعِ الثِّقة والإنتماء الوطني لشبابنا ومنعهم من الوقوع في شباك الغزو الثَّقافي الإجنبي.
  • أن ننتهي من جلد الذَّات فذلك لن يجلب لنا إلا الشؤم والذوبان في الأخر.
  • أن لا نقف على نقد الماضي بل أن نعمل لبناء الحاضر والتَّخطيط للمستقبل.
  • والخلاصة : لا يَصلُح أَخرُ هذهِ الأُمَّة إلا بما صَلحَ بِه اولها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال رائع فيه قراءة حقيقية للواقع تنطلق من توصيف الواقع والأسباب التي ادت إليه ويضع الحلول الصحيحة للنهوض بالامة وبمشاركة كل افرادها .
    شكرا لك دكتور عبد الناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى