حقوق وحريات

إضاءات سياسية (55)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

النكوص

13/09/2009

لعله من المفيد العودة غالباً إلى التاريخ واستقراء ما تم من أحداث ، أو ما قيل حول الإصلاح أو بلغة العصر”تطوير وتحديث” على اعتبار أننا بتنا أسرى مصطلحات القادة أو الحكام ، ونخاف من مخالفتهم ، لأن في مخالفتهم يكمن الهلاك .

في الماضي القريب حين اعتلى الرئيس الدكتور بشار الأسد سدة رئاسة الدولة أطلق عدة أفكار في خطاب القسم أقتطف منها ما يلي :

 {فإذا أردنا أن نعالج مشكلة ما فيجب أن نتناولها من بدايتها وليس من نهايتها وأن نعالج السبب قبل النتائج وهذا يحتاج إلى مواجهة جريئة مع أنفسنا ومع مجتمعنا وهي مواجهة حوارية نتحدث فيها بصراحة عن نقاط ضعفنا وعن بعض العادات والمفاهيم التي أضحت عائقاً حقيقياً في طريق أي تقدم فالمجتمع هو الطريق التي يسير عليها التطوير في حقوله العديدة . فإذا كانت هذه الطريق غير صالحة تعثر التطوير وتأخر أو توقف . وهذا بالمفهوم النسبي يعني التراجع إلى الوراء .وهذه إحدى الصعوبات الموجودة في واقعنا ، ودراسة هذا الواقع تحتاج إلى التركيز على المعوقات التي تبقيه على حاله دونما تغير إلى الأفضل .. وهذا بحاجة إلى مشاركة فعالة من كل الجهات خارج إطار الدولة وداخله كي تساهم كل الفئات والشرائح في إيجاد الحلول .. الخ وهو منطق التعاون والانفتاح على الآخرين وهو لا ينفصل عن الفكر الديمقراطي بل يتقاطع معه في مواقع عديدة . وهذا يعني أن امتلاك الفكر الديمقراطي يعزز الفكر والعمل المؤسساتي .. فإلى أي مدى نحن ديمقراطيون وما هي الدلائل على وجود الديمقراطية أو عدمها هل هي في الانتخاب أم في حرية النشر أم في حرية الكلام أم في غيرها من الحريات والحقوق أقول ولا واحد من كل ذلك .. فهذه الحقوق وغيرها ليست الديمقراطية بل هي ممارسات ديمقراطية ونتائج لها وهي تنبني جميعها على فكر ديمقراطي وهذا الفكر يستند على أساس قبول الرأي الآخر .. الخ} .

بعد سنوات عشر من حكم الرئيس الذي يجمع في يديه كافة السلطات ، ولا غرو في ذلك فقد تم تفصيل الدستور على المقاس الرئاسي الذي يناسب السلطة ، ونتجاوز ذلك فنقول بعد هذه السنوات العشر فماذا لدينا اليوم في مجال الحريات وحقوق الإنسان ؟

حين بدأ عهد الرئيس كان المجتمع متعطشاً للحراك بعد أن مضى عليه زمن طويل في ظل أنظمة استبدادية . فأنشئت المنتديات الفكرية ، بغرض الحوار بين المواطنين ، وكان يحضر في هذه المنتديات أعضاء معروفون من حزب البعث الذي يقود بقوة الدستور في مادته الثامنة الدولة والمجتمع ، وعن هذا الطريق كان يجري الحوار بين المجتمع والسلطة ، كما نشطت تجمعات للعمل المدني ، وكذلك جمعيات لحقوق الإنسان .

ولا نستطيع أن نقول أن هذا الحراك الذي بدأ يدب في جسد الأمة كان سليماً وخالياً من الأخطاء ، ولكن ينبغي لنا أن نلتمس العذر لمن انطلق للعمل المدني هذا فلقد ران على المجتمع زمن طويل عُزل فيه عن المشاركة في قضاياه سواء من الناحية السياسية أو من الناحية الاجتماعية والاقتصادية ، وبالتالي فالوقوع في الأخطاء أمر متوقع وينبغي علينا التماس العذر في ذلك .

وما أن مضى وقت قصير على هذا الحراك حتى عمدت السلطة إلى إغلاق المنتديات ثم ملاحقة كافة تجمعات المجتمع المدني والتضييق عليها بما فيها جمعيات حقوق الإنسان التي حاول بعضها أن ينأى بنفسه عن الدخول في المساجلات السياسية أو معتركها إلا أن الأجهزة الأمنية -على ما يبدو- لم يرق لها الحراك الذي بدأ يدب في جسد الأمة الميّت لينهض بها من جديد ، فراحت هذه الأجهزة بجميع أنواعها وفروعها ، مدنية وعسكرية-سياسية وغير سياسية ، تمارس اعتقالات خارج إطار القانون ، وهنا أحب أن أشير إلى أنه من غير المقبول أن يحتج علي أحد بحالة الطوارئ التي ناقشناها طويلاً والتي نجزم أنها لم تعد موجودة قانوناً .

راحت الأجهزة الأمنية تمارس اعتقالات وتضييقاً على المواطنين في كل مناحي حياتهم طالت جميع فئاتهم وانتماءاتهم ، فمن معتقلي التيار الإسلامي وهم الغالبية العظمى تغص بهم السجون إلى معتقلي الآراء والحراك السياسي من أمثال معتقلي إعلان دمشق .

وأخيراً وليس آخراً اعتقال الزميل المحامي مهند الحسني الذي يترأس منظمة لحقوق الإنسان -سواسية- على خلفية عمله الحقوقي في رصد محاكمات محكمة أمن الدولة العليا التي هي من القضاء الاستثنائي ، وبرغم أنه كان قد تذاكر مع رئيس المحكمة وأعلمه بعزمه في القيام بهذا الرصد ، وحصل على الضوء الأخضر في ذلك إلا أن الأجهزة الأمنية رأت في خطوته رأياً آخر فاعتقلته وألبسته التهمة التي اعتادت إلباسها لأمثال الزميل ، إشاعة أخبار أو أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة أو تنال من هيبة الدولة ، هذه التهم الجاهزة التي سبق وأن كتبت حولها وبينت فضفاضة هذه المصطلحات وضبابيتها ، ومع ذلك فالزميل أضحى بين القضبان ، بل وراحت إدارة السجن تمعن النيل منه وانتهاك حقوقه فوضعته في المكان الذي يضم نحواً من سبعين معتقلاً على خلفية الجرائم الماسة بالشرف ، دعارة .. الخ وما إليها ، وبذلك استهدف الزميل ليس فقط بحجز حريته ولكن بالمساس بكرامته محامياً وناشطاً في الدفاع عن حقوق الإنسان ، وكان جل عمله هو رصد محاكمات محكمة استثنائية وطرح أحكامها على الجمهور ليحكم عليها .

في الأنظمة الديمقراطية يتقدم المرشحون على الشعب ببرامجهم الانتخابية ويتم محاسبتهم حين انتهاء ولايتهم النيابية عن الشعب وهم بدورهم يحاسبون الرئيس المنتخب من قبلهم أما في الأنظمة التي تسود معظم مناطقنا في العالم العربي فالمرشحون لمجالس النيابيات عن الشعب ليس لديهم برامج انتخابية وبالتالي لا يستطيعون محاسبة الرؤساء لأنهم هم أنفسهم لا يحاسبون وينتظر كل واحد منهم رضاء السلطان حتى يعاد انتخابه . 

إن نظرة على واقعنا في سوريا نجد تراجعاً في ميدان الحريات العامة وحقوق الإنسان ونكوصاً عما عرض على الشعب منذ بداية رئاسة الرئيس بشار الأسد وحتى الآن ، وبينما يزداد الفساد ويتسع بل ويتعمق في المجتمع ، في الوقت الذي تتسع فيه الهوة بين فئات الشعب بحيث يزداد الفقير فقراً بينما يزداد الأغنياء غنى وتخمة على حساب لقمة الشعب فمن الذي يحاسب من ؟!  

الإصرار على الخطأ

بين التخبط والتناقض

26/09/2009

منذ فترة غير بعيدة تناقلت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) أخباراً وتصريحات حول القانون (49) لعام 1980 الذي كان عاملاً أساسياً في تصفيات جماعية لم تشهد سوريا لها مثيلاً من قبل .

ففي لقاء أحد صحفيي الجزيرة مع وزير الخارجية السيد وليد المعلم ، حول الاتجاه لإلغاء القانون (49) أجاب الوزير : (حين يتوقف الإخوان عن التآمر سوف ينظر في الأمر ..) ثم حين سئل مؤخراً عبر وسائل الإعلام أجاب السيد المعلم أن مشروعاً يدرس لتجميد القانون (49) المشار إليه آنفاً .

ومنذ فترة ليست وجيزة طلع علينا وزير الأوقاف بمقابلة صحفية ، رفع فيها سقف الهجوم على الإخوان المسلمين واصفاً إياهم بأبشع النعوت ، وهو أمر ملفت للنظر في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن إلغاء القانون (49) ، والذي قال فيه الوزير نفسه أن هذا القانون وجد لحالات .. الخ ، أي حالات اقتضتها ظروف معينة! .

الأمر الملفت للنظر هنا بغض النظر عن مسألة التجميد التي وردت في خطاب السيد وزير الخارجية والتي ليس لها أي معنى قانونياً ، هو هذه السوية من التفاوت بين الرؤى حول الإخوان المسلمين ، بين وزير أوقاف إسلامي ، ووزير خارجية لدولة علمانية حسب تعبيره ، وأظن أن السيد وزير الأوقاف لم يكن مولوداً حين كان للإخوان المسلمين عدد من النواب في مجلس يمثل الأمة ، وكان السجال يتم بالحوار لا بالسيف ، إلا أن الملفت أيضاً تمسك النظام باستمرار العمل بالقانون (49) موضوع المناقشة دون الالتفات إلى عدم مشروعية هذا القانون فهو :

  1. يصادم دستور البلاد .
  2. يصادم قانون العقوبات السوري .
  3. يصادم المعاهدات والمواثيق الدولية المعروفة والتي لا حاجة لتكرارها .

سبق أن بينت المثالب التي تنال من مشروعية القانون (49) لعام 1980 والتي لا يجوز لدولة يسود فيها دستور وقانون أن تستمر في التمترس خلف هذا القانون الذي يشكل سيفاً مسلطاً على رقاب الناس .

بغض النظر عما وصف به السيد وزير الخارجية الإخوان أو ما وصفهم به وزير الأوقاف ، فنحن رجال قانون ولدينا من النصوص الكثيرة في قانون العقوبات السوري حول المؤامرة والإرهاب وغير ذلك ما يكفي لسوق المتآمرين إلى العدالة ، ومن لا يعرف ذلك عليه أن يعلم ، ولا يجوز لنا أن نقبل بقانون خاص خارج عن الدستور وعن مفهوم كل قانون وليستعمل في مواجهة العدالة والشرعية وحقوق الإنسان .

إن القانون (49) لعام 1980 يشكل وصمة عار في جبين العدالة ولا بد من أن يتصدى له رجال القانون من المحامين والقضاة لإهمال العمل به حتى يتم إلغاؤه ، وذلك باستعمال طريق الدفع من المحامين أمام القضاء ، هذه الطريق كما هو معلوم في الفقه القانوني لا تعني البحث في دستورية القانون وإنما إهمال تطبيقه .

إنني أهيب برجال القانون والمنظمات الحقوقية المحلية والعالمية ممارسة الضغط للتخلص من هذا القانون وإلغاؤه مع ما ترتب عليه من آثار ، وفي ذلك فقط تتحقق العدالة التي ننشدها جميعاً .

إن الأولى بمن يتصدى للحديث عن القانون -أي قانون- أن يكون له دراية به وعلم ، وأما إلقاء الكلام جزافاً ودون تمحيص فهو لعمري يشكل إيغالاً في انتهاك القانون وتبريراً لتعسف السلطة التنفيذية في اللجوء إلى كل السبل للنيل من الخصوم السياسيين ، وقهر المجتمع وتكميم الأفواه تحت شعارات ومسميات مختلفة .

لقد كفل الدستور السوري حق المواطنين في ممارسة العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وحق التجمعات وإنشاء الجمعيات والأحزاب ، ثم جاء القانون (50) لعام 2006 الذي صدر عن مجلس الشعب بالمصادقة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان ، فحدد حقوق المواطنين في المادة /24/ وما بعدها ، وبالتالي فعلى كل مسؤول حين ينتقل إلى الإعلام أن يتحسس موضع قدمه ويتحقق من متانة الكلام الذي سوف ينقل إلى الناس عبره ، لأنه مسؤول والمسؤولية أمانة ليس فقط في الدنيا وإنما في الآخرة أيضاً .

إن لدينا الكثير مما ينبغي العمل به على الصعيد الداخلي فالفساد الذي ينخر المجتمع وتهيمن الدولة على تداوله ، وكذلك الدعارة التي تنتشر في كل ربوعنا تحت مسميات النوادي الليلية للسياحة ، ودعارة الأطفال المتفرعة منها خليق بالسيد وزير الأوقاف الذي يرأس المؤسسة الدينية بحكم الواقع أن يوليها العناية اللازمة حتى يعود مجتمعاً معافى كما كان قبل ذلك .  

إن التهويش والتصعيد لا ينبئ بخير ، ورحم الله والدي الذي كان حريصاً على أن يردد على مسامعي دوماً عبارته المشهورة : (يا ابني الشدة لا تأتي بخير) .

وصلى الله على معلم الخير محمد بن عبد الله حين فتح مكة وخاطب خصومه بقوله (اذهبوا فأنتم الطلقاء) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى