حقوق وحريات

إضاءات سياسية (54)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

خطاب مفتوح : إلى من بيده الأمر !!!

03/05/2009

منذ أيام تم الإفراج عن الضباط الأربعة اللبنانيين الذين كانوا معتقلين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، ونشطت وسائل الإعلام والفضائيات منها خاصة بنقل وقائع الإفراج ، واحتفالات أهل المفرج عنهم وذويهم وأصدقائهم .. الخ وكان لقناة المنار القصب المعلا في هذا الموضوع .

جميل جداً أن يفرج عن أناس اتهموا دون دليل وقضوا في السجن سنوات من عمرهم ذهبت هدراً بسبب عدم التدقيق في صحة ما وجه إليهم من اتهامات ، وكذلك ما هو أجمل نقل الاحتفالات بالإفراج عنهم عبر شاشات التلفاز ، وهو ما لا يمكن حصوله إلا في عدد قليل من الدول في عالمنا العربي .

كما استمعت بإمعان -كما هي عادتي- لكلمة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وتوجيه التهنئة للمفرج عنهم وذويهم وجميع اللبنانيين -الذين بحق يستحقون التهنئة- ، كما ندد بالاعتقال الذي لا يستند إلى دليل ، وهو أمر يشكر عليه فعلاً وأنا من الذين يتابعون كلمات السيد وأشاركه في الكثير مما يراه وإن كنت أختلف معه في أمور أخرى .

في تقرير ميليس ورد اسم شخص يدعى زياد رمضان وهو سوري من مدينة حمص ، كان يعمل في لبنان في شركة -حواسيب- كما كان يعمل في نفس الشركة من يدعى -أبو عدس- وهو الذي ظهرت صورته على شاشات التلفاز بزعم أنه هو من قتل الرئيس الحريري ، ومن خلال العمل تعرف زياد رمضان على المذكور وتمت بينهما صداقة .

عقب ما شوهد على التلفاز حول اغتيال الحريري عمدت السلطات الأمنية في بيروت إلى التحقيق مع كل من يلوذ بالمدعو-أبو عدس- ومن جملة هؤلاء السيد زياد رمضان ، وحين لم يجد المحققون لديه أية معلومة تفيد في موضوع الاغتيال تركوه حيث عاد إلى بلدته مدينة حمص .

علمت الأجهزة الأمنية السورية بالموضوع ، فأضحى السيد زياد رمضان مطلوباً فتوارى عن الأنظار لخوفه المشروع من أن يكون في قبضة أجهزة معروف عنها بأنها لا ترحم ، ومنذ ثلاث سنوات حين كان كاتب هذه السطور رئيساً لجمعية حقوق الإنسان في سورية ، زاره زياد رمضان بصحبة اثنين من أعمامه ، وأعربوا عن استعدادهم بأن يسلم زياد نفسه للأمن ليقينه بأنه ليس لديه شيء يخفيه ، وإنما خشيته كانت من أن يتعرض للأذى عقب ذلك .

اتصلت باللواء هشام اختيار ، رئيس مكتب الأمن القومي ، وحدثته بالموضوع فطلب أن يجري تسليم زياد للأمن وبأن سوف لا يمسه أي أذى ، وتم ذلك فعلاً ، وذهب زياد مع بعض ذويه وسلم نفسه للأمن العسكري .

بعد هذه الحادثة بأكثر من سنة التقيت باللواء هشام اختيار وطالبته بإطلاق سراح زياد رمضان ، فأجابني بأن هيئة التحقيق الدولية هي التي طلبت الاحتفاظ به في السجن ، وقد عين فرع الأمن العسكري الذي احتجز زياد رمضان ، عين له محامياً ممن يلوذ بهم ، ولم يلحظ أهل المذكور أي جهد من المحامي لإطلاق سراحه .

شكلت السلطة في سوريا ما سمي هيئة تحقيق رأستها في ذلك الوقت السيدة غادة مراد ، التي كانت تشغل وظيفة “نائب عام في سوريا” ، فطلبت من واصف رمضان وهو شقيق والد زياد أن يقابلها ويسألها جلبه والتحقيق معه ، وفعلاً قابلها المذكور ، وحين علمت أن زياد في الأمن العسكري اعتذرت ورفضت إجابة طلب التحقيق . أرسلت إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف رسالة طالبته بالتوسط لدى هيئة التحقيق لمعرفة ما إذا كان زياد رمضان مطلوباً منها فعلاً ، فجاءني الجواب شفهياً عبر طريق دبلوماسي بأن زياد رمضان غير مطلوب توقيفه لحساب هيئة التحقيق .

في العام الماضي أرسلت كتاباً إلى اللواء آصف شوكت رئيس الأمن العسكري وأعلمته بما لدي من معلومات وطالبته بالإفراج عن زياد رمضان ، فجاءني الجواب من مكتبه بعد أيام أنه لا بد أن يكون لدي جواب خطي من هيئة التحقيق بأن زياد غير مطلوب .

والآن ها هم الضباط الأربعة قد أفرج عنهم بعد اعتقال دام قرابة أربع سنوات ، بينما زياد رمضان لا زال في سجن الأمن العسكري منذ ثلاث سنوات دون أن يعلم أحد متى وكيف يمكن الإفراج عنه ؟ والملفت أن ما صرح به الضباط المفرج عنهم أن زيارة أهلهم لم تنقطع عنهم ، وأنهم كانوا يتابعون أخبار العالم بالتلفاز وغيره ، في حين أن زياد رمضان لم يستطع أهله زيارته منذ نحو عام ، وللحقيقة فإن آلاف المعتقلين من أمثال زياد رمضان يرزحون في السجون دون مستند قانوني لاعتقالهم ، ولا يتمكن أهلوهم من معرفة مكان وجودهم وبالتالي زيارتهم .

وإنني من جهتي لا أعلم حقيقة من يملك مفتاح الإفراج عن زياد رمضان وعن المعتقلين الآخرين الذين اعتقلوا في الغالب على خلفيتهم الفكرية دون أن يمارسوا أي عمل يتناقض مع القانون ، ودون أن يكون هناك أية رقابة قانونية للاعتقالات التي جرت ولا تزال ، ويكدس المعتقلون في أقبية الأجهزة السرية دون وجود أي أمل في تغير أسلوب التعامل مع المواطنين في إطار القانون .

بقدر ما تحترم السلطة سيادة القانون وحرية المواطنين بقدر ما تتصف السلطة بالمشروعية ومن غير ذلك تنفلت الأمور وتعم الفوضى والفساد .

الطريق المسدود

02/08/2009

لا شك أن انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية دل على ما يعتلج في المجتمع الأمريكي من مشكلات تفاقمت مع الزمن ، وانحدرت فيها سمعة الدولة إلى الحضيض بفضل سياسات جورج بوش الابن ، ومن سبقه من المتصهينين الأمريكيين ، وهم ليسوا قلة ، فكان انتخاب أوباما ذو البشرة السوداء ظاهرة غير عادية وسط تيار غير قليل من المتطرفين الأمريكيين البيض ، الذين لا زالت ترتسم في مخيلتهم صور أجدادهم الذين قدموا من شتى أصقاع القارة الأوروبية فذبحوا السكان الأصليين من الهنود الحمر ذبح النعاج ، وشنوا عليهم حملة ظالمة من التشهير والتشويه لصورتهم على ساحة العالم أجمع ، حتى أقاموا إمبراطوريتهم الأمريكية .

وللحقيقة والتاريخ فإن من يتتبع مجمل كلام الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية ، يستطيع أن يلمس فيه صدق الحديث ، والرغبة في التغيير ، إلا أن السؤال الكبير الذي علينا أن نطرحه هنا : ما هي إمكانية الرئيس لوحده في إحداث التغيير ؟ ذلك أنه كما هو معلوم فإن الدولة لا يسيرها شخص واحد ، كما في عالمنا المتخلف وإنما مؤسسات وأجهزة وقوانين ، ويتربع القضاء فوق كل المؤسسات ليبسط هيمنة القانون .

قد يستطيع أوباما أن يحدث تغييراً ولكن هذا التغيير لا يمكن أن يكون جذرياً وحاسماً وخاصة في السياسة الخارجية ، وبالتالي فالمطلوب منا أن نستوعب إمكانيات الرئيس ثم نحاول النفوذ من هذه الإمكانيات في محاولة للضغط من أجل تحقيق بعض المكاسب فيما يخص السياسة الأمريكية الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط تحديداً .

الملفت للنظر أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في سلسلة خطاباتها مؤخراً ، استعملت سياسة الإملاءات للعالم العربي حيث طالبته “باتخاذ تدابير ملموسة باتجاه التطبيع” مع ما يسمى “دولة إسرائيل” والواقع فإن من الغريب حقاً أن تطالب وزيرة الخارجية مجموع الدول العربية باتخاذ خطوات للتطبيع مع “كيان إسرائيل” الذي لا يعتبر دولة حتى الآن في نظر القانون الدولي ، فهذا الكيان ليس له دستور ولا حدود ، فكيف يمكن لوزيرة الخارجية الأمريكية أن تطالب بتطبيع بين “دول” و”لا دولة” وإنما كيان غاصب لا يتمتع بمفهوم الدولة وإن تبوأ مقعداً في الأمم المتحدة .

ومن جهة أخرى فإن سياسة الإملاءات التي كانت تمارسها الإدارات الأمريكية السابقة ، نراها تعود من جديد على لسان وزيرة الخارجية ، فهل هناك تضاد بين توجه الرئيس الذي دعا للحوار وتوجه الوزيرة في هذه النقطة ؟

كذلك قالت كلينتون : “أن نتوقع أعمال من جانب إسرائيل ، ولكن نقر بأن هذه القرارات صعبة سياسياً” وهكذا التمست العذر مسبقاً للكيان الصهيوني الغاصب ، في حين طالبت بالتطبيع “مجاناً” من الجانب العربي ، وكأنها لا تعلم رفض الأمة بمجموعها لإجراء أي تطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب ، حتى لو تم توقيع أي اتفاق أو معاهدة ، ذلك أن هذا الكيان اغتصب الأرض بمساعدة الغرب وقام على فكرة الإبادة والترحيل ، تماماً كما قامت دولة الولايات المتحدة الأمريكية على أرض الملاك الأصليين من الهنود الحمر .

ثم أليس على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تلحظ في أثناء سعيها لإنقاذ ما يسمى “عملية السلام ” :

1- وجود أكثر من عشرة آلاف فلسطيني في سجون الاحتلال ، اعتقلوا بسبب دفاعهم المشروع عن أرضهم المستلبة .

2- استمرار الاحتلال الاستيطاني للضفة الغربية ، وإقامة الحواجز التي تمنع حركة الفلسطينيين على أرضهم المحتلة .

3- جرائم المستوطنين المتواصلة ضد الفلسطينيين والمدعومة من حكومة الكيان الصهيوني .

4- حصار غزة الذي مضى عليه أعوام منذ الانتخابات الديمقراطية التي جرت في الأراضي المحتلة ثم قيام الكيان الصهيوني بهدم المباني وتدمير البنى التحتية والتي لا يستطيع الفلسطينيون حتى الآن إعادة ما تهدم تحت سمع العالم وبصره ومشاركة العديد من دوله .

5- الاستمرار في قضم الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات والجدار العازل .

كل هذه الأمور لم تمر في خاطر الإدارة الأمريكية ولم نسمع بأن هذه الإدارة طالبت الكيان الصهيوني المغتصب باتخاذ خطوة أو بادرة حسن نية في حلحلة هذه النقاط السابقة ، حتى نستطيع أن نقول : لقد تحرك قطار السلام !!!

المؤسف أن الحكومات العربية أعطت ولا تزال تعطي الكيان الصهيوني ذريعة لتعنته ، فقد تقدمت الدول العربية بالمبادرة المعروفة في مؤتمر قمة بيروت متضمنة خطوة في الاتجاه الخاطئ ، إذ طالبت الكيان الصهيوني بالانسحاب حتى حدود 04 حزيران/يونيو 1967 دون أن تلحظ بأن الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني بين عامي 1948 و1967 هي أيضاً أراض محتلة بنظر القانون الدولي ، وما القرارات العديدة التي صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن بضرورة انسحاب “إسرائيل” مما احتلته من أراض خارج قرار التقسيم وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم إلا خير شاهد على ذلك .

إن الحكومات العربية بمبادرتها آنفة الذكر قد أغفلت هذه الناحية ، وأعطت شرعية احتلال الكيان الصهيوني للأراضي خارج أراضي التقسيم ، ومن هنا فكيف لنا أن نطالب باراك أوباما بأن يدفع باتجاه إنهاء الصراع الدائر حول القضية الفلسطينية ، بينما يتسم موقف الدول العربية بالضعف والهزال ؟ بل وينتقل من تنازل إلى آخر في حين أن الكيان الغاصب يزداد تشدداً وتعنتاً ، والإدارة الأمريكية لم تضع يدها حتى الآن على مكمن الداء ، في حين أن وزيرة خارجيتها تعبر عن صعوبة القرارات التي على الكيان الصهيوني اتخاذها ، بمعنى أن قرارات الغاصب المحتل هي صعبة بينما ما يملى على الجانب العربي لا يتسم بأية صعوبة .

من هنا فإن إنهاء الصراع الفلسطيني الصهيوني مهما قيل لا زال يسير في طريق مسدود ، والمقاومة هي الطريق الوحيد لبلوغ الهدف مهما اعترض طريقها من صعوبات . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى