بحوث ودراسات

فتح القسطنطينية – 10 من 11

أ.د. أحمد رشاد

أكاديمي مصري
عرض مقالات الكاتب

المشهد التاسع

الفتح المبين

وفي يوم الأحد 18 جمادى الأولى 857 هـ / 27 مايو 1453م  وجه السلطان محمد الثاني الجنود إلى الدعاء وتطهير النفوس والتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والطاعات والتذلل والدعاء بين يديه لعل الله ييسر لهم الفتح .كما أنه أمر الجنود بالصيام في هذا اليوم ، كما قام الفاتح بنفسه بتفقد أسوار المدينة من بحر مرمرة إلى القرن الذهبي لمعرفة نقاط الضعف في الأسوار التي تم دكها بالمدافع العثمانية ومعرفة آخر أحوالها وحدد مواقع معينة يتم فيها تركيز القصف ، وخاصة الأماكن التي قام بترميمها أهل القسطنطينية حتى يسهل ضربها وهدمها ، كما أرسل إلى أهل غلطة  التي وقفت على الحياد مؤكدًا عليهم عدم التدخل فيما سيحدث ضامنًا لهم الوفاء بعهده معهم وأنه سيعوضهم عن خسائرهم من جراء ما يحدث ، وفي مساء اليوم نفسه أوقد العثمانيون نارًا كثيفة حول معسكرهم وتعالت صيحاتهم وأصواتهم بالتهليل والتكبير بأعلى صوتهم (( لا إله إلا الله محمد رسول الله ))  ، وعلت أصوات الأناشيد الحماسية مع دق الطبول وصوت الأبواق ، كما أن العلماء  والشيوخ قد ألهبوا الجنود حماسا على حماسهم بقراءتهم الأذكار الدينية وهم يرددون خلفهم . ومع هذه الأصوات المدوية والطبول القوية وارتفاع وتصاعد الضوء إلى السماء ، خيل للروم أن النار قد اندلعت في معسكر العثمانيين مما جعل   أهل القسطنطينية يستبشرون بخير وظنوا أن غضب الرب قد حل على المسلمين وأن النار ستكفيهم القتال مع هذا العدو القوى العنيد . ولكن الحسرة كانت قوية لأهل القسطنطينية حينما سمعوا ورأوا من أعلى أسوار مدينتهم أن هذه الأصوات هي أصوات هتافات وصيحات فرح وأن الجنود يتواثبون وينشدون ويكبرون احتفالا بالنصر مقدما ، فتملك قلوب  أهل القسطنطينية اليأس والحزن والأسى فعلا نحيبهم وبكاؤهم ، وذهب كثير منهم إلى الكنائس لكى يشكو ضعفهم وقلة حيلتهم وهوان مدينتهم ،  ويتضرعون ويبتهلون طلبا للنجاة من نصر محقق للمسلمين وهزيمة مؤكدة لمدينتهم العتيقة .

وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على ثقة السلطان محمد الثاني وثقة العلماء والشيوخ والجنود بأن النصر أصبح قريبا بإذن الله ، ومما يشهد لهذا المنظر الرائع رئيس الأساقفة ليونار leonar  الذى شاهد هذا المنظر الرائع بأم عينيه حينما قال : ” لو أنك سمعت مثلنا صيحاتهم المتوالية المتصاعدة إلى السماء ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) لأخذتك الروعة والإعجاب ” .  وظلت النيران والصيحات مرتفعة حتى أطفئت في منتصف الليل و خيم على المعسكر الإسلامي الهدوء والسكون في روعة وبهجة وبهاء لا تقل بهاء وروعة عن حال المعسكر الإسلامي وهو يعلو بالفرح والنيران والصيحات والهتافات   .

 وفي اليوم التالي الاثنين 19 جمادى الأولى 857 هـ / 28 مايو 1453 م كانت الاستعدادات العثمانية على أشدها . وبدأ السلطان الفاتح في وضع لمساته الحربية الأخيرة للفتح المبين ، فقد تفقد سور القسطنطينية مرة أخرى للتأكد من مناطق الضعف والخلل فيه ، كما أنه تفقد مع حمزة باشا أمير البحر السفن الحربية في بشكطاش ليطمئن على الأسطول واستعداداته القتالية ، ولما اطمئن الفاتح أمر حمزة باشا أن يشترك كل الأسطول في الهجوم العام على القسطنطينية ، وأن يصُفَّ السفن حول السور الواقع على بحر مرمرة ليتسلقه الجنود بالسلالم والحبال لاقتحام القسطنطينية . كما أن السلطان محمد الثاني كلما مر بجمع من جنده عمل على أن يثير حماسهم وحبهم للجهاد ويذكرهم بالشرف العظيم الذى سينالونه إن شاء الله بفتح القسطنطينية كما أنه حمسهم بأن الأجر الكبير سيكون بأذن الله لأول جندي يثبت راية الإسلام على سور القسطنطينية .

ولكى تكون الخطة مكتملة ، ولعلم الفاتح بما قام به أهل غلطة الجنويين طوال مدة الحصار أرسل إليهم ليحذرهم من مساعدة القسطنطينية ، هذا فضلا على الدور الرائع الذى لعبه العلماء والشيوخ في إذكاء روح القتال والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى لدى الجنود ، فكانوا يذكرونهم بوعد الله للمجاهدين في سبيله ، وكانوا يتلون عليهم آيات الجهاد والقتال من سورة الأنفال لتثبيتهم وشحذ هممهم . ومما ألهب حماس الجند أيضا وارتفعت الروح المعنوية لهم  واشتد حبهم واشتياقهم للجهاد حينما ذكر العلماء لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في دار أبى أيوب الأنصاري عند هجرته من مكة إلى المدينة ، وقد قصد أبو أيوب هذه الأرض ودفن بالقرب من أسوار القسطنطينية  . مما جعل الجند يسجدون لله داعينه سبحانه وتعالى بأن يتم لهم النصر  ،

هذه هي إحدى صفات السلطان الفاتح الرائعة يعرف كيف يخاطب الجند وفيما يخاطبهم ومتى يكلمهم ، كما أنه يعرف كيف يخاطب القادة فلكل قوم حديث ، فجمع الفاتح القادة وألقى فيهم هذه الكلمة البليغة والتي هي أشبه بالتعليمات والنصائح الحربية حتى يتم الله عليهم النصر المبين فقال لهم ” إذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزة من معجزاته وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التقدير والتمجيد فأبلغوا أبناءنا العساكر فردا فردا ، أن الظفر العظيم الذى سنحرزه سيزيد الإسلام قدرا وشرفا ، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا الغراء نصب عينيه فلا يصدر على أحد منهم ما يخالف هذه التعاليم ، وليتجنبوا المعابد ولا يمسوها بأذى ، ولا يقتلوا البيزنطيين الذين لا يحملون السلاح ولا يقاتلوننا من العجزة والقسس والضعفاء ” . فهذه وصايا السلطان الذى تربى على مائدة القرآن وفى أحضان السنة النبوية الشريفة ففعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما ودع جيش مؤته عام 8 هـ / 629 م على أبواب المدينة وأوصاهم بأن أغزو باسم الله وعلى بركة الله عدو الله ، ولا تقتلوا شيخا أو عابدا في صومعته أو امرأة أو طفلا ولا تهدموا بناء ولا تقطعوا شجرا . صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه  .

ومن خلال هذه التعليمات والاستعدادات والوصايا من السلطان محمد الفاتح يتبين لنا الجهد الرائع الذى بذله لتهيئة الجنود والقادة وتعبئتهم تعبئة روحية ومعنوية بعد أن أخذ بالأسباب في الإعداد العسكري والتخطيط للفتح .

أما الجانب البيزنطي فقد خيم عليه خيبة الأمل  ودقت أجراس الكنائس ، وأمر الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر بإقامة صلاة عامة في كنيسة أيا صوفيا،  فقام موكب من رجال الدين الأرثوذكسي والكاثوليكي والأطفال والنساء والشيوخ  والقسس والرهبان الذين حملوا صور العذراء مريم إلى الأماكن المرتفعة خاصة عند طوب قبو  حيث الثغرات التي صنعتها مدافع الجيش العثماني بعد أن طافوا بها في شوارع المدينة المحاصرة وهم يمزقون شعورهم  ويبكون وينشدون الترانيم الدينية الحزينة تضرعا منهم إلى الله كي ينالوا المغفرة والتوبة ويحفظهم من هلاك محقق  ثم أقاموا الصلوات في كنيسة أيا صوفيا ، وبعد الصلاة قام قسطنطين خطيبا في جنوده وقادته قائلا :

أيها المحاربون ، أعدوا أنفسكم للقتال والتضحية بكل ما تملكون  في سبيل بلدكم المقدسة وفى سبيل النصرانية . ثم أمسك بمقبض سيفه الذهبي ومضى قائلا : إن الساعة الخطرة الفاصلة التي ارتقبناها منذ أيام قد أزفت ، إن الرجل ليقاتل زودا عن دينه أو وطنه أو ملكه أو أهله وولده فكيف وقد جاءت هذه الأسباب كلها مجتمعة ؟ والقسطنطينية هي معقل النصرانية وملكة المدن وكانت فترة من الزمن عاصمة للدنيا ، لقد مضى ثلاثة وخمسون يوما والعدو يحاصر مدينتنا بكل عتاده وقواه وقد رددناه عن أسوارنا بفضل الله وفضل شجاعتكم ، وهو يتأهب الآن ليضرب ضربته الأخيرة فاثبتوا له كما ثبتم من قبل وادفعوه اليوم عن أسوار مدينتكم كما دفعتموه من قبل حتى تنهار قواه وينتكص على أعقابه . أيها الإخوان : إنكم سلالة صناديد أثينا وأبطال روما  فكونوا أهلا لهذا النسب الرفيع ولا تخيفكم صيحات العدو ونيرانه المتصاعدة وشدوا عزيمتكم واصدقوا في القتال وإذا كان للعدو مدافعه  وجنوده وفرسانه فإن لنا الله حامينا فلنضع ثقتنا فيه وسيمدنا بقوته ومعونته . كما أنه طلب من الناس وهو يبكى الصفح  إن كان أصاب أحدا منه سوءا  أو أذى  ، فبكى أهل القسطنطينية على بكاءه وتصافحوا جميعا وتسامحوا فيما بينهم كأنهم في وداع أخير لا لقاء بعده . وكان حقا مشهدا يثير الأسـى والشجن . ثم التفت إلى البنادقة والجنويين فشكرهم وأثنى عليهم وحثهم على مواصلة الكفاح وأعلن أنه سيدافع عن المدينة حتى الموت ، وأن النصر حليفهم ما اتبعوا أوامره ،

ثم توجه الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر الى قصر وفى حجرة من حجرات القصر قام قسطنطين راكعا أمام صورة المسيح ـ كما يزعمون ـ  فركع تحتها وهمهم ببعض الدعوات ثم نهض ولبس المغفر على رأسه ،  وخرج من القصر نحو منتصف الليل مع رفيقه وأمينه و صديقه المؤرخ فرانتزتس ثم قاما برحلة تفقدية لقوات النصارى الروم المدافعة وسارا بجوادهما مشجعين للجنود محمسين لهم ، ثم صعدا البرج الموجود عند باب قبو ليشاهد الجيش الإسلامي فوجدهم يتأهبون للقتال بنشاط وثبات استعدادا للهجوم العام ،

ثم اصطف جنود الروم أنفسهم وأعادوا تنظيمهم عند السور الخارجي للقسطنطينية ، واتخذ الجنود المدرعون أماكنهم في الصفوف الأولى  ونادى المنادى في أرجاء المدينة : أيها الناس إن بوادر الهجوم التركي قد لاحت ، فكونوا أقوياء أشداء وأسرعوا إلى القلاع وعاونوا الجنود الشجعان الذين يدافعون عن المدينة كالأسود ، كما قام القساوسة والرهبان بوعظ سكان المدينة غير المحاربين وخاصة النساء يحثونهم على الثبات ويبثون في نفوسهم الثقة والطمأنينة قائلين : إن الله قد تقبل دموعنا ودعواتنا وصلواتنا ولن يمكن للعدو من مدينتنا المقدسة ولا من كنائسها .

كما ساهم في هذا الجهد التعبوي قنصل البنادقة الذى خطب في جنوده اللتين بعد أن أثنى عليهم وعلى مجهوداتهم الحربية والقتالية طالبهم بالدفاع عن دينهم وعقيدتهم .

وبعد أن علم كل جندي مكانه وحدد له الدور المنوط به في القتال والدفاع عن المدينة ، أغلقوا جميع أبواب سور القسطنطينية الداخليالمؤدة الى داخل المدينة حتى لا يفكر جندي في الفرار من المعركة فإما النصر أو الموت .

بينما خيم على المعسكر الإسلامي  السكون والهدوء حيث أخذ الجنود قسطا من الراحة والنوم _ مما أثار الدهشة لدى أهل القسطنطينية _ استعدادا للهجوم العام الذى أوشك أن يبدأ. مما جعل الكثير من الرهبان البيزنطيين في حالة شديدة من التوتر والقلق والإرهاق والاضطراب العصبي والنفسي مما جعلهم ينجون بأنفسهم فيفرون إلى المعسكر الإسلامي طلبا للنجاة والحفاظ على حياتهم  ، ومن هؤلاء الرهبان الذين فروا إلى المعسكر الإسلامي الراهب بتروا واصطحب معه ثلاثمائة من أتباعه وأصحابه ، فوجدوا عند المسلمين العثمانيين الأمن والطمأنينة والسلامة حينما أكرمهم المسلمون وأحسنوا إليهم في المعاملة مما كان له وقعا طيبا في نفوسهم جميعا وأسلم الراهب بيتر الذى قدم للجيش الإسلامي أهم ثغرات القسطنطينية ، وسمى بعد إسلامه بمحمد بترو .

ثم أتت السماء بما ظنه كل من الطرفين أنه هبة من الله له ، فنزل مطرا خفيفا يشبه الرذاذ ففرح الروم معتقدين أن الله استجاب لدعواتهم وصلواتهم لأن المطر سيجعل الأرض على المسلمين وحلا لا يستطيعون الحركة فيه ولا يقدرون على القتال لأنه سيكون وابلا مدرارا فتصعب الطرق وتعجز العثمانيين عن القتال والهجوم علينا فننتصر عليهم ، ولكن المطر لم يدم طويلا فخاب رجاء الروم و كان له أسوأ الأثر لدى جيشهم ولم يبق على ساعة الحسم إلا وقتا قليلا . بينما السلطان محمد الفاتح كان يقول : ” لقد أولانا الله رحمته وعنايته فأنزل هذا المطر فهو منة من الله تبارك وتعالى للجيش الإسلامي وإن الله أرسله في وقته فإنه سيذهب بالغبار ويسهل لنا الحركة ” .

يـوم الفتح :

         وفي الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 857 هـ / 29 مايو 1453 م  تصاعد دوى هائل بالتكبير، ودقت الطبول ونفخ في الأبواق وتصاعدت التكبيرات مدوية مجلجلة  من الجانب البرى والجانب البحري للجيش الإسلامي مما أثار الرعب والفزع لدى الروم في ذلك السكون العميق المظلم وفر الكثير من أهل القسطنطينية إلى الكنائس التي دقت أجراسها . و بدأ الجنود العثمانيون الهجوم العام على سور القسطنطينية وكان الهجوم النهائي متزامنا بريا وبحريا في وقت واحد حسب خطة دقيقة أعدت بإحكام .   

وقسم الفاتح الجيش الإسلامي البرى على ثلاث فرق ، الفرقة الأولى بقيادة الباشا بازوك المكونة من جنود الرومللي والمتطوعين الحديثي عهد بالقتال من أجناس مختلفة .  ووراء تلك القوة الفرقة الثانية بقيادة اسحق باشا ، وهم جنود الأناضول الذين كانوا أشد وطأة وعنفا وأحسن تنظيما وتدريبا وأكثر مراسا في القتال من الجبهة الأولى ، الفرقة الثالثة الإنكشارية بقيادة السلطان محمد الثاني نفسه الذي ركز ضرباته على منطقة وادي ليكوس القائم بين طوب قبو في الجنوب وباب أدرنه في الشمال كان التركيز عليه في الضربات المدفعية حيث إن هذين البابين يقعان على ربوة عالية  ، الوادي بينهما منخفضا وكان السور القائم في هذا الوضع وبخاصة الجانب الذى يلاصق طوب قبو تهدم بشكل كبير وكما أن جستنيان قد أقام في مكانه متراسا قويا تحصن به ، بالإضافة إلى الأسطول البحري بقيادة حمزة باشا

الفرقة الأولى :

وكانت الكتيبة الأولى ـ من الرومللي والمتطوعين ـ التي تقدمت حتى صارت بالقرب من سور القسطنطينية تمطر البيزنطيين بوابل من القذائف والسهام محاولين شل حركة المدافعين ، مما جعل الجيش البيزنطي يرد على هذه الكتيبة بوابل أيضا من القذائف والسهام ، وفجأة اندفع عدد كبير من الجيش الإسلامي تحت هذا الوابل من القذائف والسهام متجهين نحو سور القسطنطينية وأقاموا عليه السلالم ليتسلقوه ، فأسرع الجنود البيزنطيين وقلبوا هذه السلالم بمن كان عليها من جند الجيش الإسلامي وقذفوا وراءهم الصخور والحجارة الضخمة ، ومع حماسة المسلمين ورغبتهم الشديدة في فتح المدينة لم تمنعهم هذه الحجارة الضخمة من محاولة أخرى فى تسلق السور مرة بعد مرة مما جعل البعض ينجح في ارتقاء السور فتلاحموا مع الجنود الروم في صراع دام ساعتين واستطاع فيها جنود جستنيان الذى اختارهم بعناية فهم من الجنود الأقوياء الشجعان أن يدفعوا المسلمين ونزلوا عليهم الرماح والسهام والنبال مما أوقعهم على الأرض صرعى .

لقد أدرك السلطان محمد الفاتح وهو يرقب سير المعركة بأس الجنود البيزنطيين وقوة مراسهم وحسن موقعهم المرتفع فيقذفون منه القذائف على من تحتهم من المسلمين ،   وكان هدف السلطان محمد الفاتح بهذا الهجوم هو استنزاف طاقة الجنود البيزنطيين وإرهاقهم وإضعاف قوتهم ، وبعد أن احتدم القتال بين الفريقين أمر الفاتح هذه الكتيبة بالانسحاب فظن البيزنطيين أنهم قد فازوا على الجيش الإسلامي العثماني ودحروهم وارتفعت روحهم المعنوية وقوتهم القتالية

الفرقة الثانية

         بدأ الجيش البيزنطي يتنفس الصعداء وخلد إلى قليل من الراحة بعد معركة دامت ساعتين عصيبتين ، وبدأت أشعة الشمس تنير الأرض ، إلا أن الفاتح كان يقظا عالما  بأجواء المعركة ، فأمر على الفور الفرقة الثانية فرقة الأناضول التي كانت أكثر تنظيما وتدريبا  أن تباغت الجيش البيزنطي بهجوم أشد وطأة وعنفا من الهجوم السابق قبل أن يخلد الجيش البيزنطي إلى الراحة ولو لمدة قصيرة .

         اندفع جنود الأناضول إلى السور بالهجوم الكاسح الرهيب وهم يكبرون بصوت كهزيم الرعد وأقاموا عليها مئات السلالم للتسلق عليها إلى أعلى السور وفى محاولة جادة لاقتحام المدينة ، مما جعل الإمبراطور قسطنطين يعمل على تعزيز هذا المكان بمزيد من الجند وآلات الرمي والقذائف ونصب مدافع صغيرة مما شجع جستنيان وجنوده المدرعون الشجعان أن يقاوموا هذا الهجوم الشرس مقاومة دفاع مستميت عن مدينتهم  وقلبوا السلالم التي علقت على السور وصبوا قذائفهم ونيرانهم على الجيش الإسلامي ، ولم يزد ذلك الجيش الإسلامي إلا رغبة قوية في القتال حتى الفتح أو الشهادة في سبيل الله تبارك وتعالى وأصبحت المعركة سجال بين الفريقين إلا أن سهام البيزنطيين كانت كثيفة جدا على المسلمين وسقط الكثير منهم صريعا  مما جعل السلطان يأمر بقية الكتيبة بالانسحاب وأمر المدافع تضرب نفس المكان الذى يدافع عنه جستنيان وجنوده الشجعان الأقوياء بالقذائف الثقيلة ، وتحت ستار الدخان والغبار زحف الجنود المسلمين وهاجموا السور مرة أخرى ولكن جنود جستنيان استطاعوا أن يدافعوا عن سورهم ببسالة وقوة ، مما جعل السلطان محمد الفاتح يصدر أوامره بالانسحاب مرة أخرى ، وإن هذا الانسحاب في شكله ضعف شديد للجيش الإسلامي وهروب من ساحة المعركة ، إلا أنه في مضمونه قد حقق ما أراده الفاتح في استنزاف قوة الجيش البيزنطي حتى بلغ من الجهد والعناء مبلغا عظيما حتى يستطيع أن يهاجم الهجمة الحاسمة التي تؤدى إلى الفتح المبين بإذن الله ، إلا أن جستنيان فرح فرحا شديدا بانسحاب الجيش الإسلامي وظهرت علامات النصر والفرح من جنوده المرابطين على سور القسطنطينية وبالتحديد في منطقة وادى ليكوس ، مما جعل جستنيان يخاطب الامبراطور قسطنطين الحادي عشر وقد بدت على وجه ملامه الفرح والسعادة : ” يا صاحب الجلالة اطمئنوا فإن سيوفنا قد ردت العدو ” . وخلد جستنيان على الأرض ليستريح وبدأ جنوده يفعلون كما فعل قائدهم إلا أن السلطان محمد الفاتح المتابع لكل جوانب المعركة لم يمهلهم ولم يدع لهم وقتا للراحة ينعمون به حتى جاء إليهم بالكتيبة الثالثة وهم جنود الانكشارية الذين كانوا من خيرة الجند وأعظمهم بسالة وأفضلهم تدريبا . 

البحرية الإسلامية

ويجدر بنا أن نذكر أنه في نفس الوقت الذى كان يهاجم فيه الجيش الإسلامي جيش الأناضول جيش القائد جستنيان على أسوار القسطنطينية كان هناك قتالا عنيفا بحريا فقد استطاع الأسطول البحري بقيادة حمزة باشا أن يطلق القذائف المدوية على السور المطل على القرن الذهبي والسور المطل على بحر مرمة وكذلك النبال الكثيفة واستطاع بعض الجند التسلق على السور بالسلالم والحبال واحتدم القتال بين الفريقين وكان قتالا عنيفا واستطاع جنود القسطنطينية الاستبسال عن مدينتهم وصد هجوم الجيش الإسلامي وقذفوا السلالم إلى البحر وأطلقوا العديد من السهام والقذائف على الأسطول البحري والجنود المتسلقين ، إلا أن هذا الهجوم الشديد من قبل جند البحرية الإسلامية  قد أثار الرعب والفزع بين أهل القسطنطينية وعلت أصواتهم بالدعاء ودقت أجراس الكنائس دقات متوالية وبشدة ملحوظة تدلل على حالة الرعب التي كان فيها أهل القسطنطينية إذ إن القتال على جميع الأسوار سواء الأسوار المطلة على القرن الذهبي وبحر مرمرة من ناحية ومن السور الواقع على الجانب البري من ناحية أخرى ، مما جعل أهل مدينة القسطنطينية من النساء يشاركن فى الدفاع عن مدينتهم فأخذن يغلين الزيوت ثم يحملنها إلى الأسوار لتصب على المهاجمين المتسلقين على الأسوار ، ومع ذلك كله لم يفت من عضد الجيش البحري الإسلامي ولم يضعف من عزيمتهم المملوءة بحب الجهاد المشتاقة إلى تحقيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أيديهم ، فكانوا يندفعون دون مبالاة للأسوار وهم يرددون بقوة وبإيمان من قلوبهم وليس بحناجرهم فقط كلمة : الله ، الله . واستمر الجيش الإسلامي البحري في محاولات متكررة ومتعددة لاقتحام الأسوار وكذلك استمر الجيش البيزنطي في الدفاع المستميت لصد هجوم المسلمين إلى آخر الحصار .

وإن كانت البحرية الإسلامية لم تستطع أن تفوز بالفتح من جانب الأسوار المطلة على البحار إلا أنها نجحت إلى حد كبير في ممارسة نوع من الضغط لمنع المسيحيين من تحريك كل قواتهم إلى وادي لوكوس ، وشغلوا عددا كبيرا من جند بيزنطة في المناطق البحرية  كانوا من الممكن أن يساهموا في الدفاع عن السور المطل على الجانب البرى فيقوى الدفاع ضد المسلمين في هذا الجانب .

الفرقة الثالثة

وبالعودة إلى الفرقة الثانية وهم جيش الأناضول الذين جاهدوا جهادا عظيما أمام الجيش البيزنطي على السور المطل على الجانب الأرضي أمرهم الفاتح بالانسحاب وفرح جستنيان كما ذكرنا وظن أنه انتصر على المسلمين وأطلق مدافعه وقذائفه القوية على المنسحبين .

وبعد ساعتين أصدر الفاتح أوامر للجنود بأخذ قسط من الراحة بعد أن أرهقوا المدافعين في تلك المنطقة وكان البيزنطيون يأملون بأن ينعموا بفترة راحة إلى المساء  إلا أن السلطان أصدر أوامره للفرقة الثالثة وهم جنود الانكشارية الذى قادها السلطان محمد الفاتح بنفسه بالهجوم على الأسوار من نفس المنطقة وفوجئ البيزنطيون بتلك المواجهة الجديدة بعد أن ظنوا أن الأمر قد هدأ وكانوا قد أرهقوا ، في الوقت الذي كانت الانكشارية دماء جديدة معدة ومستريحة لديهم رغبة شديدة لأخذ نصيبهم من القتال ومع ظهور نور الصباح أصبح المهاجمون يستطيعون أن يحددوا مواقع العدو بدقة أكثر ، وكان المسلمون في حماسة شديدة وحريصين على إنجاح الهجوم ، فضاعفوا جهودهم ، وكان الشيوخ والعلماء يشجعونهم ويحرضونهم على صدق القتال ويقرؤون عليهم سورة الأنفال ، 

 وكان تنفيذ خطة الهجوم هذه المرة أكثر دقة وأكثر إحكاما ، وقادهم السلطان محمد الفاتح بنفسه إلى حافة الخندق ، وهناك أمر السلطان الرماة والنبالة بأن يمطروا البيزنطيين بالنبال والسهام بحيث لا يقدر أحد منهم أن يطل برأسه من فوق السور ، وفى نفس الوقت تعمل على تغطية فرقة الانكشارية التي زحفت تحت هذا الغطاء الواقي من النبال الكثيفة وهجموا على السور ببسالة منقطعة النظير كالأسود وكان هجوما هائلا وبسالة نادرة في الهجوم اهتزت له القسطنطينية ، وفى لمح البصر استطاع  ثلاثون من شجعان الانكشارية يقودهم السلطان نفسه إعداد السلالم في لمح البصر وأمام دهشة الأعداء وقفزوا منها إلى أعلى السور في خفة مدهشة وكانت تكبيراتهم العالية ودقات الطبول الضخمة وطلقات المدافع الشديدة تحدث دويا يصم الآذان ويلقى الرعب والفزع في نفوس أهل القسطنطينية الذين تعالت أصواتهم بالدعاء سائلين العذراء حماية القسطنطينية وإنقاذها من الأتراك ” الوثنيين ” وجرأت الكنائس بدقات أجراسها القوية العنيفة المتوالية وصاحوا الناس بأعلى صوتهم إلى الأسوار ساعدوا المدافعين . واستبسل الفريقان ورغم استشهاد مجموعة كبيرة من الانكشارية  بمن فيهم قائدهم إلا أنهم قد تمكنوا من تمهيد الطريق لدخول المدينة عند طوب قابي الذى اشتد فيها القتال  . 

         وفي هذه المعركة ذكر المؤرخون صورا رائعة من البسالة والشجاعة من الطرفين ، فنرى في الجانب البيزنطي القائد الجنوى جستنيا المعروف بكفاءته القتالية ونشاطه المستديم وخبرته الحربية كان يتنقل من مكان إلى مكان بين جنوده ليبعث فيهم الأمل ويثبتهم ويقويهم ويحمسهم على الاستبسال في سبيل مدينتهم ويضرب لهم المثل بنفسه قائلا : لقد صددنا هجمات العدو من قبل وسنصدها الآن أيضا .

         وفى الجانب الإسلامي نرى حسن طولو باتلى وهو جنى من جنود الانكشارية ضرب مثلا في البسالة والبطولة من أروع الأمثلة  ، زحف في نحو ثلاثين من الفدائيين المجاهدين وقد أمسك كل منهم السيف بيمينه والترس بشماله ولم يهابوا النبال والقذائف التي انهمرت عليهم كالسيل الجارف من فوق الأسوار وقتلت ثمانية عشر منهم . وتسلق حسن طولو باتلى وبقية رفاقه السور فأسرع إليهم المدافعون  من المرعين وحدث قتال عنيف بين الفريقين وأصيب حسن طولو باتلى بقذيفة قوية أوقعته على الأرض ومع ذلك نهض على ركبتيه وظل يقاتل فى بسالة وضراوة حتى اجتمع عليه عددا كبيرا من المدافعين وانهالوا عليه بالنبال والرماح وسقط شهيدا بعد أن أكد للعثمانيين أن الطريق إلى اقتحام القسطنطينية أصبح ميسورا وممهدا للجيش الإسلامي ، كما أن استبساله وحماسه واستماتته من أجل الفتح كان سببا في حماس بقية الجيش الذين ضاعفوا القتال فهاجموا بقوة وضراوة حتى فتوا في عضد الأعداء وكان من أثر ذلك أن أصيب القائد جستنيان بجراح شديدة  عجز عن احتمالها دفعته من الانسحاب من ساحة المعركة لتضميد جراحه  مما أثر في بقية المدافعين تأثيرا سلبيا ، وثبط من عزيمتهم في وقت هم أحوج إلى مثل هذا القائد الحاذق النشيط الذى لا يكل في إدارة المعركة مما جعل الإمبراطور قسطنطين يترجاه أن لا يترك ميدان المعركة ولكن جستنيان أصر على أن يفر من أرض المعركة وينقل فورا إلى الميناء حيث ترسو سفينته التي نقلته إلى جزيرة خيوس حيث قضى نحبه    .

وقد تولى الإمبراطور قسطنطين قيادة المدافعين بنفسه محل جستنيان   ، وقد بذل الإمبراطور جهودا كبيرة في تثبيت المدافعين الذين دب اليأس في قلوبهم من جدوى المقاومة ، ومن كسر عزيمتهم لما رأوا قائدهم جستنيان ممدد تحمله الأعناق ، فعمل على أن يبعث فيهم الثقة وقال لهم ما عليكم إلا الثبات قليل وتنالوا بعد النصر ولأجزلن لكم العطاء والمكافأة  ولقد انهزم الأتراك عند الباب الشمال وسنهزمهم هنا أيضا ونردهم على أعقابهم ، وسأتولى أنا قيادتكم بنفسي .

 وكان البيزنطيون يقاتلون قتال البائس لأن انتصار الترك يعني نهاية وجودهم  وكان المسلمون يقاتلون بضراوة وشجاعة وأصبح الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر يقاتل وحده وعدد من جنوده بعد ما جرح جستنياني بجراح بليغة دفعته إلى الانسحاب من ساحة المعركة وسارع الجنوية بالهروب وتركوا الإمبراطور وجنوده وحدهم  وأثر ذلك في بقية المدافعين

 استغل السلطان محمد الفاتح ضعف الروح المعنوية لدى المدافعين، فاشترك بنفسه مع الإنكشارية فى الهجوم ، واجتاز الخندق بحصانه وأخذ في إدارة القتال في هذه المنطقة التي يتجمع فيها المدافعين بقيادة الإمبراطور قسطنطين خلفا لجستنيان ، وازداد هجوم الانكشارية بسالة وضراوة وتمكن الكثير منهم أن يرتقى على أنقاض السور

وفى نفس الوقت كان العثمانيون يواصلون هجومهم من الجهة الشمالية للقسطنطينية بقيادة قره جه بك ـ الذى حاول من قبل اقتحام هذا الباب ففشل ـ فجمع قواته ورتب جنوده وشن هجوما عسكريا لا هوادة فيه وكان أشد عنفا وقوة من محاولته السابقة  فتمكنوا من اقتحام الأسوار والاستيلاء على بعض الأبراج والاستيلاء على قلعة كيركبورتا Kerkoporta ورفعت عليها أعلام  ، وقاموا بالقضاء على المدافعين في باب أدرنه ووثب الاتراك على أنقاض السور المتراكمة إلى جنوب هذا الباب ، وتمكن أحد الجنود من القضاء على قائد الحامية فانهارت بمقتله مقاومة المدافعين وولوا هاربين ، وتدفق الجنود العثمانيون نحو المدينة من تلك المنطقة ، وانطلقت صيحات عالية وهى تدوى : لقد دخل الأتراك المدينة ، لقد دخل  الأتراك المدينة ، ورفعت الأعلام العثمانية فيها ، ولما رأى قسطنطين الأعلام العثمانية ترفرف على الأبراج الشمالية للمدينة القريبة من باب أدرنه ، ذهب إلى الجهة الشمالية للقسطنطينية حتى يتوثق الأمر فإذا جموع الأتراك المسلمين تتدفق كالموج المتلاطم داخل القسطنطينية ، أيقن بعدم جدوى الدفاع وخلع ملابسه الإمبراطورية حتى لا يعرف ، ونزل عن حصانه وسل سيفه وأخذ يخبط به ذات اليمين وذات الشمال حتى كلت يده  حتى تمكن أحد الجنود الأتراك بإصابته بضربة سيف قاتلة  ، وصاح صائح بأن الإمبراطور قد قتل  .

وكان لانتشار خبر موت الإمبراطور دور كبير في زيادة حماس المجاهدين العثمانيين وسقوط عزائم النصارى المدافعين ، وتمكنت الجيوش العثمانية من دخول المدينة من مناطق مختلفة كالصواعق المدوية مخترقين الأسوار إلى المدينة التي أخذها الفزع من كل جانب فقد تفتحت لهم جميع الأبواب بعد أن فر المدافعون وذهبوا يلتمسون النجاة لأنفسهم ، واشتد الهرج والمرج في المدينة واختلط الحابل بالنابل وتزاحم الناس يدفع بعضهم بعضا كل يطلب النجاة لنفسه ولا يدرى أين يجدها ،  أما في الجانب البحري فظل الجنود المسلمون في قتالهم وجهادهم واستبسالهم في القرن الذهبي وبحر مرمرة يرمون السور بقذائفهم من فوق سفنهم حتى رأوا الأعلام العثمانية ترفرف على أبراج القسطنطينية وآها المدافعون فخارت قواهم وضعفت عزائمهم ففر بعضهم طلبا للنجاة لنفسه واستسلم البعض الآخر للجنود الأتراك الفاتحين  وهكذا تمكن المسلمون من الاستيلاء على المدينة وكان الفاتح رحمه الله مع جنده في تلك اللحظات يشاركهم فرحة النصر، ولذة الفوز بالغلبة على الأعداء من فوق صهوة جواده  .

         وهكذا تمكن المسلمون من الاستيلاء على القسطنطينية  بعد أن كان أهلها يعتقدون اعتقادا جازمًا لا يقبل الشك في أن المدينة ـ القسطنطينية ـ لن تسقط في يد أي فاتح مهما أوتي من مهارة وجسارة وبأس وقوة ، فكم ردت القسطنطينية مغيرين عليها من المسلمين والمسيحيين الأوربيين على سواء .

ونتيجة لهذا الجهاد العظيم لم يأت ظهر الثلاثاء 20 جمادى الأولـــى 857 هـ / 29 مايو 1453م إلا والسلطان الفاتح في وسط المدينة واتخذ عن جدارة لقب الفاتح  ونهى جنوده عن القتل وأمرهم بالرفق بالناس والإحسان إليهم ثم ترجل عن فرسه وسجد لله على الأرض شكرًا وحمدًا وتواضعًا لله تعالى  وتسامح السلطان مع أهل القسطنطينية  وعفا عن وزراء الإمبراطور لوكاس وماجدكوس وافتدى من ماله الخاص أعداداً كبيرة وخاصة أمراء اليونان ورجال الدين وهدأ من روع الأساقفة وطمأنهم على عقائدهم وشرائعهم وبيوت عبادتهم وأمرهم بتنصيب بطريرك وانتخبوا أجناديوس بطريركا ولم تمض أيام قلية حتى استأنف الناس حياتهم المدنية العادية في اطمئنان وسلام ولم يتعرض بيزنطي للإيذاء من قبل الفاتحين وأمر السلطان بعدم تدمير المباني البيزنطية.  

         وإن كان هذا الفتح عند المسلمين هدفًا وبشارة فإن سقوطها عند الغرب كان يعني الخراب والمأساة ويعبر فازلييف عن ذلك بقوله ” وفي سنة 1453م سقطت القسطنطينية ـ روما الثانية ـ ودخلها السلطان محمد الثاني ( المنذر بقدوم الدجال وشبيه سنحاريب ) .. وكذب فازلييف فلا كان السلطان محمد الفاتح شبيهًا بسنحاريب ولا كان منذرًا بقدوم الدجال إنما كان شبيهًا بأسلافه المسلمين الفاتحين فحقق البشارة وسقط قيصر   .

         وبسقوط القسطنطينية انتهت إلى الأبد الإمبراطورية البيزنطية أو الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو إمبراطورية الروم وجعلها الفاتح عاصمة لدولته واستبدل اسمها باسم استانبول وهي كلمة تركية معناها دار الإسلام وحول كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد وأقدم على عدة خطوات ساهمت على انتعاش المدينة ، وكان لفتح القسطنطينية فرحة شديدة في أرجاء المعمورة فقد زيّنت القاهرة وعم الفرح وأرسل السلطان المملوكي رسالة إلى السلطان محمد الفاتح يهنئه بالفتح  وأرسل الفاتح برسائل إلى سلطان مصر وشاه إيران وشريف مكة وأمير القرمان وأرسل رسائل مماثلة إلى الأمراء المسيحيين المجاورين له في المورة والأفلاق والمجر والبوسنة والصرب وألبانيا وتلقى من بعضهم رسائل تهنئة  

وصفوه القول أنه بسقوط القسطنطينية في يد السلطان محمد الفاتح اختفت بيزنطة إلى الأبد ولم يذكر اسم الإمبراطورية البيزنطية أو إمبراطورية الروم أو الإمبراطورية الرومانية المقدسة إلا في التاريخ وأصبح الواقع ليس لديه موقع لذكرها وقامت على أنقاضها إمبراطورية جديدة إسلامية في الأراضي التي تمتد من نهر العاص إلى الأدرياتيك  .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى