مقالات

الرموز العامة والمرحلة الحرجة

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

كثيرًا ما نسمع ألقابًا فضفاضة، وكلمات براقة تهدى لهذا، أو ذاك دون البحث عن المضمون، وحقيقة الفكرة فكم سمع الناس بلقب المفكر الإسلامي، والداعية والشيخ، والعالم، والعلامة، والحبر، والقيادي، والقائد، والباحث والمؤرخ وو…

هذه الأوصاف البعض حقيق بها، والبعض الآخر تصدق الناس عليه بها ..

وحتى نجد الدواء يجب أن نشخص الداء بصورة دقيقة، عندها فقط يمكن أن نرقى بأنفسنا، وبمجتمعنا ونستحق هذه الألقاب عن جدارة.

مما لا شك فيه أن الإسلاميين ( عمومًا )على اختلاف مناهجهم (مع كل  التضحيات المبذولة) فشل أكثرهم في مواجهة الغرب، والغزو الفكري الزاحف، والمبرمج للعقول والقيادات ، الغرب الذي صنع المؤسسات، والمنظمات المدنية، والاجتماعية ، الذي مارس بخبث بالغ دوره الإسقاطي في تغريب المجتمعات الدينية والعبث بالموروثات الثقافية ..

لا يمكن أحد أن ينكر أن ما يقوم به أرباب القيادة، والفكر، والريادة في مختلف الجماعات الإسلامية عندنا لا يزيد عن أن يوصف برفع العتب عن أنفسهم أو الإنسانية ..

قابلوا تلك الغزوات، والمعارك الثقافية، والفكرية  بسذاجة بالغة وسطحية أبلغ ، دون التفكير في إعمال جمعية مؤسساتية تدار بصورة حقيقية، وتحمل مشاريع واضحة وأهداف بينة ، قاموا للحرب دون مشاريع منظمة، أو أفكار مرتبة، أو نهضات محترمة تعمل على بناء الفكر الإنساني ومحاربة الغزو الثقافي، واستعمال الأسلحة المناسبة في الساحات المناسبة ..

لا أحد فوق النقد مهما علت رتبته وعظمت منزلته.

غاية ما يفعله هؤلاء الفضلاء” جهود فردية” من تأليف كتاب، أو رد في سلسلة يوتيوب، أو حلقة تلفزيون ، أو يجمع آخر حوله عددًا من الطلبة، والاتباع يقدسونه، ويمجدونه، ويذكرونه، فضائله ومكارمه، أو قراءة كتب الصحاح ،  أو تحفيظ بعض الطلبة المتون،  أو إنشاء طلبة على قدر من السذاجة والبساطة؛ ليحملهم الراية، ويدفعهم إلى المعارك ..

والمحسن منهم يعمل بفكر” شبه جمعي” فيجمع بعض الأساتذة، والطلبة؛ ليمارس عليهم أفكاره التربوية، والإدارية، ويؤطرهم في المنهج الذي يراه مما أدى ل(الانغلاقية الفكرية ) .

أوو يرسلهم للجهاد في معارك فوضوية، وحركات سياسية دون إعداد وعدد، ودون أي مقومات للحرب بل، ودون أي مشروع قائم مما أدى إلى (العبثية الجهادية ) .

أو يدفعهم وهم غفل نحو الخوض في معارك فكرية يفسدون فيها أكثر مما يصلحون ويسيئون للإسلام، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا مما أوقعهم ب  (السذاجة الاجتماعية ) ..

يجب أن نعترف، وإن حزن الأتباع ، أن مفكرينا، وقادتنا، وعلمائنا، وباحثينا، والنخبة منا لم يكونوا في المرحلة الماضية على قدر الحدث ، ولا على مستواه في غالبيتهم  ..

قد يكون كل ذلك عن حسن نية، وسلامة قصد لكن حسن النية مع السذاجة كسوئها بدونها ..

هناك جدار يريد أن ينقض، والإسلاميون يحصرون فكرهم في إقامته، وسلامته، فيضعون فيه العصي، والحجارة، وآخرون يغلقون منه المنافذ، ونقاط الضعف، ولا يفكر أكثرهم في إيقاف معاول الهدم ، وإشغال أيدي المعاول ، وبناء الأفراد الذين يحافظون على هذا الجدار أو يبنون خيرًا منه لو انهدم ..

المشاريع القائمة على الإصلاح تطيل زمن الأزمات، وعمر الجدار. أما المشاريع القائمة على البناء والغزو الفكري، وهدم صروح الثقافات، والأفكار،  والسياسات، والمذاهب الهدامة ، هي الحقيقة بالبقاء، والاستمرار، وهي التي يجب على الأمة أن  تسخر قواها، وعتادها لبنائها ..

كم أضاعت الأمة من وقت، وهي تلعب في غير ملعبها ، وتدور في غير ساحتها ، وتجالد غير عدوها، وتتصدى لغير غزاتها ..

كم أضاعت الأمة من جهود، ومفكرين، وعقول، وقدرات وأموال كان يجب أن تستثمر، لتجابه الفكر بالفكر، والغزو بالغزو، بل وتغزو، هي قبل أن يغزوها غيرها ..

وقبل أن تعترضني، فتقول أنت تتكلم بالعموم، والتعميم غلط ..أقول لا تخلوا أمة من خير، ومحاولات مشكورة ..

وقبل أن تقول لي أنت تغرد في غير سرب، وتتوه في دنيا الأحلام دون فهم لطبيعتنا وطبيعتهم .

نحن مستعمرون سياسيًا، واقتصاديًا، وفكريًا، ويجب علينا أولًا أن نرفع هذه السلطة الاستبدادية قبل أن نفكر بما تفكر فيه ..وهل سيتركنا أعداء الإسلام منهم، ومنا أن نفعل ما تريد، أو نفكر بما تفكر، أو ندافع حتى عن أنفسنا .

انظر سجوننا .. فيها كل تلك المحاولات التي حاولت أن توقظ الأمة، وتحيي نهضتها .  منهم من قتل ومنهم من ينتظر .. انظر مشاريعنا كيف استولى عليها أرباب السياسة، وعبثوا بها انظر جماعاتنا كيف شردوها، وفتتوها، وقطعوا، أوصالها وجعلوا بأسها بينها شديدًا .

انظر وانظر .. من أصحاب ( نظريات المؤامرة، أو الفكر الانهزامي)

ماهو العلاج؟  أنت مطالب بحسن النية، والعمل فإن وفقت لما عملت له فذاك خير، وإن لم توفق أنرت الطريق لغيرك ، الأعمال الجماعية المؤسسية البعيدة الأمد ،المتجردة لله، التي تتمتع بالحكمة والموعظة الحسنة مع الحنكة، والفهم للمرحلة، هي التي يكتب لها الاستمرار، والبقاء، والنمو بعد توفيق الله .

أسد واحد يقطع الطريق على قافلة ..

قناص واحد يمنع مئات العساكر من التقدم ..

عمود صلب يقيم جدار الإسلام لأجيال .

فكرة بسيطة قد تقلب موازين القوى ..

كم كان للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه من أسباب يوم قاموا وعملوا . كم كان لمفكري الإسلام وقادتهم من وسائل عند ما نقضوا مذاهب الاعتزال، والباطنية، والفلاسفة، والليبرالية، وأغلقوا دونهم السدود، وأطفأوا نارهم في النفوس .

العمل بالمتاح ومعرفته، مع حسن النية، وقوة العزيمة ،مع فهم المرحلة، وترك العبثية، والشللية، والتشرذم . هو المطلوب لا النتائج فهي بيد الله وكل بيده ..

انتقل رسول الله إلى الرفيق الأعلى، والأمة أضعف الأمم

 آنذاك،  ولم يمض على وفاته سنوات حتى أنهى أتباعه الفرس والروم . وفتحوا الأرض..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى