بحوث ودراسات

“رحلة الدَّم”: تدوين صحيح السُّنَّة وحقيقة الصَّحابة من وجهة نظر الشيعة – 3 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

أمَّهات المؤمنين من وجهة نظر الكاتب

خلافًا لقوله تعالى في نساء نبيِّنا مُحمَّد (ﷺ) في سورة الأحزاب “يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)”، يشير الكاتب إلى أنَّ أمَّ المؤمنين عائشة هي التي أخبرت النبيَّ بخيانة ماريَّة، وكأنَّها تنتقم لرميها بتُهمة الزِّنا في حادثة الإفك، التي برَّأها الله منها من فوق سبع سماوات بقوله تعالى في سورة النُّور “إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)” (ص83).

يروي الكاتب عن تردُّد شائعة عن خيانة مارية القبطيَّة، الجارية التي أهداها المقوقس إلى الرَّسول وأنجبت لها ابنه إبراهيم، للرسول الكريم مع رجل قبطي، يُدعى صالح (ص77).

ويلمح إلى غيرة السيدة عائشة من غيرها من النساء، وبخاصَّة مارية التي أسرت قلب النبي الكريم، وكذلك إلى تمييزها عن سائر نساء النبيِّ الكريم في الغنائم (ص190).

تدَّعي حُبى في حقِّ السيدة عائشة، أنَّها كانت كافة الأمور تدار تحت سقف دارها؛ إذ أنَّ “لا شيء في المدينة إلا بها”، بل وتسخر من قول نائلة بنت الفرافصة أنَّ عائشَّة تُعلِّمها أمور دين الإسلام، إذ كانت مسيحيَّة قبل زواجها من عثمان (ص229).

يعرض الكاتب تلقين عائشة لنائلة، شديدة الغيرة على زوجها من الأخريات، دروسًا في كيفية اجتذاب الرجال وإشباع شهواتهم بسرد قصص عن حياتها مع النبي، حتى أنها ذكرت أن النبي باشرها وهي حائض، بينما في الحقيقة، علَّمت عائشة زوجة عثمان-التي أسلمت على يديها-أصول الدين الإسلامي في حقيقة الأمر (ص240).

يعرض الكاتب تدخُّل عائشة من حجرتها في عراك الصحابيين، عثمان وابن مسعود، واتخاذها صف الأخير، بل وتأنيب عثمان لها، وهذا التناول لشخصية أم المؤمنين عائشة يتفق مع تصريح الشيعة بأنَّهم في حرب مع أبي بكر وعمر وعائشة، وأنَّ من مهامهم إسقاط من يبقى لهم احترام في قلوب المسلمين كي تضع تلك الحرب أوزارها، وجدير بالذكر أنَّ أحد معممي الشيعة –ياسر الحبيب-يقول أنَّ عائشة في النار، وكذلك عمر وربما باقي الصحابة إلا من يرضى عنهم الشيعة) (ص244).

يتَّهم الكاتب عائشة صراحةً بتحريض الناس ضد عثمان بتوبيخها له وخوفه من اتباع الناس لها في موقفها، وينعت ابن مسعود بالرجل الأسود شديد النحافة. يتهافت عليٌّ على التخفيف عن ابن مسعود بعد أن أمر عثمان بإلقائه خارج المسجد بعد معارضته على تبديد أموال المسلمين (ص246).

ينسب الكاتب رسائل تحريضيَّة من أم المؤمنين عائشة ضدَّ عثمان في وجود أخيها محمد بن أبي بكر، دون تكذيب منه، كونه يعرف أنها طالما شكت من ظلمه قولًا (ص450).

ويُلاحظ حقد عبيد الليثي، ابن خالة عائشة وزوج حُبى، تجاه عثمان رغم حسن معاملته الرعية وتحسُّن حالتهم المعيشية في عهده، وأخذ كلٌ من عبيد وزوجته يرددان فضائل الرجل ومساوئ حُكمه. فبينما رأت حُبى أنَّ انتشار الرغد (الطعام والنساء)، ردد عبيد نفس التهم السابقة (الظلم ومحاباة بني أمية)، وهنا يستنكر الكاتب موقفه بأن أرجعه إلى ما شحنته به عائشة من غلٍّ ضد عثمان (ص529).

شبهة تعدُّد المصاحف واختلاف محتواها

كما سبقت الإشارة، فابن مُلجم أرسله الخليفة عمر بن الخطَّاب إلى فاتحي مصر لتحفيظهم القرآن الكريم. ويلمِّح الكاتب صراحةً إلى تعدُّد روايات القرآن الكريم، وتشتُّت الصحابة بين أكثر من رواية، فتجد لابن ملجم قراءة، ولابن عديس أخرى، ويدعي الأول أنَّ روايته عن معاذ بن جبل، واختلاف الصحابة على قراءات القرآن (ص60-61).

يتحوَّل ابن ملجم، حافظ القرآن الذي تختلف روايته عن رواية ابن عديس ويحتفظ بنسخة مما يحفظ على شرائح جلديَّة يحملها معه، إلى مقاتل لأنَّ عقيدة الغزاة هي “لا مصحف بدون سيف”، ويقصد الكاتب التلميح إلى العقيدة التي حوَّلتهم إلى مقاتلين (ص64). وتأتي مقارنة للغزو الروماني بالغزو الإسلامي على لسان ابن ملجم “ألم نجئها نحن غزوًا أيضًا؟” (ص66)، وكذلك مقارنة تحارُب المسيحيين أبناء الدين الواحد بتحارُب المسلمين بعد وفاة الرسول (ﷺ) (ص67). نجد كذلك دفاعًا عن المرتدين وتبرير ردتهم برفض دفع خُمس الرسول، بل واعتبار ذلك مذهبًا (ص67)، كما نجد وصف الجنود المسلمين بالجُبن أمام سهام الروم (وجبة الشجاعة اليومية) (ص69). يأتي تبرير الحياد عن الدين من أجل المصلحة، في مواجهة تعنُّت الملتزمين بالكتاب، وقد يأتي الصحابي بالفسق ويستغفر بلا حرج (ص70).

يتناول الكاتب مسألة جمع أحاديث النبيِّ مُحمَّد (ﷺ)، وخشية عثمان ذاته من تحمُّل مسؤولية نقل أحاديث الرسول، مخافة السهو والتحريف والدس (ص248-249).

يدَّعى عيسى أنَّ قرار عثمان بتوحيد كتاب الله نبع من اكتفائه به، رغم اعترافه بصعوبة حرق ما دون مصحفه من الجلود التي دونت عليها آيات الوحي. يعيد الكاتب طرح شبهة وجود نُسخ للقرآن الكريم خالفت النسخة التي جمعها عثمان بن عفَّان (ص249).

يتبيَّن أنَّ تنازُع عثمان وابن مسعود لرفض الأخير تسليم نسخته من القرآن الكريم، مع الادعاء من جديد بوجود مصاحف مخالفة (ص250).

تأتي إشارة إلى معارضة معظم الصحابة لنهج عثمان في الحكم برغم ما تحقق في زمن خلافته من إنجازات مادِّيَّة فاقت ما حققه سابقاه، مع إشارة جديدة إلى أنَّ همَّ الصحابة وقتها كان جمع الثَّروة، وليس نشْر الدَّعوة (ص253).

يزعم الكاتب ميل علي بن أبي طالب إلى توحيد مصحف ابن مسعود، مع الإشارة إلى خلاف عليٍّ مع عثمان لأنَّه يرى نفسه أحق من عثمان بالخلافة، كما رأي نفسه أحق من أبي بكرٍ وعمر من قبل، وهو رأي بني هاشم، وإصرار عثمان على أنَّ الخلافة “قميص ألبسنيه الله ولم يرده له”، أي لعليٍّ (ص255).

نأتي من جديد إلى فرية اختلاف المصاحف المنسوبة إلى الوحي، من خلال وصْف تصارُع الصحابة بسبب إصرار كل منهم على صحة ما يذكره “مصحفه” الخاص، مع إصرار ابن ملجم على عدم تسليم نسخته (ص329).

ويتبع ذلك اشتعال نار الفتنة ضد عثمان المتَّهم بحرق المصحف، وتبديد مال المسلمين، وتبديل شريعة الله، والخروج عن سنَّة الرسول وخليفتيه، وكان محمَّد بن أبي حذيفة ومحمَّد بن أبي بكر هما من كان وراء الفتنة، وكان كلاهما معاديين لعثمان من قبل (ص355).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى